2013/05/29

أحمـد رمـزي .. «دونجـوان» هوليـوود الشـرق
أحمـد رمـزي .. «دونجـوان» هوليـوود الشـرق


نديم جرجورة -  السفير

«توفّي أحمد رمزي». لا شكّ في أن خبراً كهذا كفيلٌ بدفع كثيرين من هواة السينما المصرية القديمة إلى استعادة إحدى أجمل المراحل التاريخية الجميلة، التي شكّلت نواة لا تُضاهى في بناء العمارة الإبداعية لسينما «هوليوود الشرق». لا شكّ في أن خبراً كهذا كفيلٌ بانتشال ذاكرة تكاد تختفي من الوعي الجماعي المصري من هاوية النسيان، لأن الممثل «الدونجوان» صنع، ببساطة، إحدى ركائز هذه الصناعة السينمائية المصرية.

«توفي أحمد رمزي». الجملة بحدّ ذاتها قاسية. هناك أناس يستحيل على المرء أن ينسى حضورهم في المشهد العام، وإن قرّروا الخروج منه طواعية. يستحيل على المرء تجاوز محطات عديدة ساهموا في تبيان ملامحها الإبداعية، وإن كانت تلك الملامح حكراً على ترفيه مصبوغ بخفّة لا تخلو من كوميديا صافية، أو برهافة إحساس لا تخلو من بساطة عيش داخل الكادر الحياتي والسينمائي معاً.

قد لا ينجح الخبر بحدّ ذاته في فتح نافذة كبيرة على العناوين السينمائية التي شارك أحمد رمزي فيها على مدى نصف قرن، أنهاه باعتزال يليق بكبار صنعوا، أو شاركوا في صناعة تاريخ وحكايات. فأحمد رمزي مرتبط، سواء شاء هو أم أبى، بتاريخ السينما المصرية في أحد عصورها البديعة. بل بإحدى تجاربها التي مزجت الحسّ الإنساني الرومانسي الكوميدي، بالمنحى التجاريّ لصناعة محتاجة إلى تسويق سوي. وهذا لا ينتقص من القيمة التمثيلية التي قدّمها رمزي خلال سني اشتغاله الفني، قبل أن ينكفئ إلى الهامش، ويغوص في عزلة ارتضاها لنفسه بعيداً عن العالم الذي ساهم في ابتكار حيويته ونشاطه.

ولعلّ اعتزاله الفن التمثيليّ ناتجٌ، من بين أمور أخرى، من رداءة المرحلة الراهنة، أو من التراجع الخطر لفن التمثيل، أو من الخلل الذي بات سمة جوهرية لواقع مَعيش، أو من رغبة خاصّة لا يُمكن لأحد كشف مستورها. على الرغم من هذا كلّه، يُمكن القول إن الراهن التمثيليّ في مصر تحديداً لا يخلو من إبداع حقيقي، وإن كان نادراً. لكن عزلة أحمد رمزي وانكفاءه يطرحان، لحظة شيوع نبأ رحيله بعد ظهر أمس الجمعة عن اثنين وثمانين عاماً، سؤال المعنى الإبداعي للأداء التمثيلي، في لحظة التبدّلات الإنسانية والجغرافية والحياتية التي شهدتها مصر، ولا تزال تشهدها.

سواء توفّي بسبب زلّة قدم في حمّام الفيلا البعيدة عن ضجيج العاصمة، أو أثناء جلوسه في صالة الاستقبال في الفيلا نفسها، لا يُمكن التغاضي عن مغزى الخسارة التي ألمّت بصناعة السينما المصرية، وإن كان أحمد رمزي خلّف فراغاً إثر اعتزاله التمثيل قبل أعوام. على أن اعتزاله بدا، لوهلة، سمة من سماته: قبل وقت بعيد، اختفى عن الشاشة الكبيرة، ولم تكن عودته إلى التمثيل واضحة المعالم، لأنه عَبَر سريعاً، قبل أن يعود إلى «مخبئه»، بعيداً عن حكايته الفنية. قيل إنه اشتغل في المجال التجاري. قيل إنه فشل في هذا المجال. لكن المؤكّد أنه اكتفى بما أنجزه للسينما المصرية وفيها ومعها. حكايته الفنية محتاجة إلى سرد طويل، يبدأ مع حلمي حليم الذي قدّمه للمرّة الأولى في «أيامنا الحلوة» في العام 1955، إلى جانب فاتن حمامة، الممثلة التي التقاها، فنياً، للمرّة الأخيرة في حياته التمثيلية، في مسلسل تلفزيوني بعنوان «وجه القمر» (2000).