2013/05/29

أزمة ضبط سيناريو المسلسلات
أزمة ضبط سيناريو المسلسلات

  عمر الشيخ - القدس العربي المحصول البصري للدراما السورية هذا العام تجاوز إنتاجياً عدد المسلسلات التلفزيونية التي عرضت العام الماضي، حيث وصل عدد الأعمال الدرامية عام 2009 إلى حوالي 20 عملاً، أما هذا العام فوصلت إلى 32 عملاً، رغم ذلك لم تتقدم هذه الصناعة البصرية الرائدة خطوات مقنعة إلى الأمام حالياً، ولو اتفقنا أن مفهوم (الأمام) هو الجرأة، فهي لم تكن جريئة إلا بألفاظ حوارات أبطالها، أمّا إذا اعتبرنا أن (الأمام) هو تعريف نمطي لتنوع القضايا التي جاءت عليها الدراما فيمكننا الجزم بأن التنوع كان سطحياً من ناحية الطرح، اختلفت عناوين الأعمال وتشابهت معظم الشخصيات مع بعضها، الأمر الذي حوّل شهر رمضان إلى مهرجان درامي عريض يحشر فيه ما لذ وطاب من المسلسلات حتى تلك التي وجدت قبل مطلع رمضان بأيام وأثبتت حضورها بشكل أو بآخر، ولكن السؤال: هل انحدرت الدراما السورية في طبعتها الأخير لعام 2010؟ الاعتناء بالصورة بدا واضحاً ذهاب كبار المخرجين السوريين مثل نجدت أنزور في مسلسل (ما ملكت أيمانكم) إلى اللعب على الإقناع البصري، وذلك بإظهار الملامح الإنسانية للدور المجسد على الشاشة، بحيث أضاف إلى النص المكتوب تفاصيل صورية ساعدت في إغناء أكثر المشاهد الإنسانية تأثراً مثل مشهد الفتاة الفقيرة (ديمة قندلفت) التي تصرف على والدها العاجز (بسام لطفي) وتفاجأ بعد عودتها للمنزل أن أمها التي تعمل خياطة في نفس المنزل قيدت الوالد العاجز وأغلقت له فمه حتى لا يزعجها، هنا جاءت الفتاة الفقيرة وتلمست علامة القيد على معصمي أبيها وبات الحوار بين الأصابع والنظرات أبلغ من أن يقال، أضف إلى ذلك قيادة أنزور الماهرة للكاميرا بتكنيك دراماتيكي خاص، محوره الرئيسي إثقال الشخصيات بتفاصيل أزياء وردات فعل متكاملة مع الطباع الاجتماعية المتخيلة. من ناحية أخرى نجد أن الطبيعة والتفاصيل المنتمية لأحقاب زمنية بعيدة قد ساهمت في تركيب حالة بصرية ممتعة تعتمد إخراج الأحاسيس الباطنة من الملامح والمحيط المادي، كما في تجربة المخرج أحمد إبراهيم الأحمد عندما تصدى لإخراج مسلسل (لعنة الطين) حيث راعى بشدة الاعتناء بإظهار حقبة زمنية تعود للثمانينيات، وذلك من خلال خبرته في الإضاءة والتصوير، الأمر الذي سمح له بحركة كاميرا ذكية تدمج بين وضعين نفسيين لشخصيتين تعيشان في بيت واحد، كما في مشهد قلق الوالد (فايز قزق) وتأمله بمصائب عائلته في غرفة نومه وزوجته (سمر سامي) تجلس في باحة البيت تنتظره بنفس كمية القلق، هنا تأتينا كاميرا المخرج لتقول حوارها النفسي والإقناعي من خلال التزاوج بين المشهدين عبر نافذة الغرفة المطلة على ساحة البيت الريفي الساحلي الذي يشكل محوراً درامياً رئيسياً في مسلسل (لعنة الطين). هكذا إذاً جاءت الصورة في مكانها التخديمي المناسب، وبرع عدد لا بأس به من المخرجين السوريين في صناعة صورة درامية تحمل هوية بصرية مختلفة من حيث التقنية والألوان وترتيب كتل الكادر بما يخدم المشاهد إلى جانب النص، ولكن هل ثمة نصوص مماثلة لتلك الاحترافية في الإخراج؟ نصوص متفاوتة في مسلسل (تخت شرقي) للكاتبة يم مشهدي نجد تميزاً حقيقياً جعل من النص علامة فارقة تقابل عملية الإخراج التي راحت المخرجة رشا شربتجي تستعرض ضمنها قدراتها على التجريب في رفع زوم كاميراتها الدرامية، للخروج من رتابة المألوف البصري في المسلسلات السورية، كما فعل حاتم علي في مسلسل (أحلام كبيرة-2005) هزة الكاميرا المستمرة تيمناً بحركة المشاهد أمام أي مشهد تقع عيناه عليه.. إذاً لجأت رشا شربتجي للعب على (زووم إن) مفاجئ للقطات العامة والشخصية، مظهرة تكنيكها المعروف كما في (زمن العار- 2009) وهو اعتمادها الشديد على ملء الشاشة بوجه الممثل والتقليل من إظهار اللقطات العامة، وهكذا ظهرت قدرة النص في (تخت شرقي) بالتغلب على الضرورة الإخراجية، لنجد بالمحصلة مجموعة حوارات مرتبطة مع عدة خطوط درامية تعيش بنمو أفقي يلقي الضوء على أحداث تصادف مجموعة من الشباب أثناء دراستهم في الجامعة، استقبالهم للمسؤولية بعد الدراسة ليظهر أمامنا الحب والصداقة وصراع الأنا كمفاهيم رئيسية تحكمت من خلالها يم مشهدي بأبجدية نص مسلسلها القائم على الحوارات الفلسفية والجدلية العابثة والمستفزة للواقع اليومي المعاش، والحيوية بجدية طرحها. بينما عانت بعض المسلسلات من رتم بطيء للغاية أفقدها حساسية نصها، وذلك بسبب سوء المعاملة الإخراجي والاستعجال لإنجاز العمل بأسرع وقت ممكن، كما حدث في مسلسل (بعد السقوط) الذي ازدادت جرعة السواد والشحوب في صورته إلى درجة أفقدت متعة فكرته التي تدور حول صراع أناس مفقودين تحت أنقاض أحد الأبنية العشوائية، هذه الفكرة بكل ما تحمله من تفاصيل إنسانية وتفرعات درامية مختلفة قدمتها ورشة سيناريو أدارها الكاتب غسان زكريا ليقدم بعد ذلك رؤيته الشمولية للعمل حيث يتولى سامر برقاوي مهمة إخراجه، وعلى الرغم من سمعة البرقاوي كمخرج هادئ يبني تجربته ببصمة خاصة إلا أننا في (بعد السقوط) لم نتلمس ذلك الوعي الإخراجي لضرورة الإضاءة وحبك التفاصيل البصرية بهوية أخرى تبتعد قليلاً عن تشويش سينما الكوارث التي أقحمت العمل بمزيد من الفوضى البصرية، ما أدى لضياع متعة النص.. بالنسبة لتلك الأعمال التي اعتمدت على نتاج روائي مثل مسلسل (أسعد الوراق) عن رواية صدقي إسماعيل (الله والفقر) حيث سبق أن قدمت كسباعية في منتصف السبعينيات ولكنها الآن استنزفت العمل إلى ثلاثين حلقة أودت بحيويته إلى الاحتمالات المفتوحة على التخييل الدرامي.. ومسلسل (ذاكرة الجسد) عن رواية بنفس العنوان لأحلام مستغانمي، حيث كنا نعتقد أن وجود عشر حلقات كافية لتقديم هذا العمل بنفس شدة الإغواء التي اقتحمتنا عندما قرأناه كرواية.. ومسلسل (الهروب) عن رواية الهدنة لماريو بنيدينتي.. وقع في مطب الرتم البطيء والطويل لسد ثغرة الزمن، أي من أجل قطار رمضان، والسؤال هنا: لماذا لحقوا بقطار رمضان واستسهلوا صناعة بعض الأعمال بسوية دون المقبول عن سوية الدراما السورية المعروفة بامتيازها؟ تكرار الممثلين سببت زحمة الموسم الرمضاني الدرامي تكراراً كبيراً في الممثلين، حيث لعب كل ممثل نحو ستة أدوار في عدة أعمال، الأمر الذي جعله شبه ضائع في فيض الشخصيات المركبة، حيث يقوم معظم الممثلين بتناول أقرب الأدوار لهم ومن ثم يعملون على تأدية باقي الشخصيات مجرد أداء، بعيداً عن الانسجام الروحي، في حال أمن لهم أحد المسلسلات جماهيرية ودخلاً مادياً مرضياً، تجدهم على استعداد تام لتخمة المشاهد بإطلالتهم أكثر من عشر مرات في اليوم من أيام رمضان، ما يؤدي إلى فقدان لمعة هذا الممثل أو تلك الممثلة. إن نخبوية الظهور تساهم في إقناع المشاهد بالمجهود الفني والحرفي الذي دفع الممثل للعمل في عمل واحد أو اثنين على أكبر تقدير، ما يجعل مصداقيته معززة ومبنية وفق ثقة مهنية زرعها الممثل منذ ظهوره الأول على الشاشة مثل (تيم حسن وجمال سليمان وبسام كوسا.. وغيرهم) أولئك يكتفون بعملين ومنهم من يكتفي بعمل واحد، إذ إن خيارهم المبني على أساس أهمية العمل يأتي من تجربتهم الواسعة والعميقة في كار الدراما. على عكس بعض النجوم الشباب والشابات الذي استهلكوا حضورهم في أعمال مختلفة وتركوا انطباعاً سلبياً شوّش المشاهد وجعله مصاباً بحالة ضياع مستمرة، هنا تأتي فكرة تحول الممثل إلى ماركة مسجلة تنتمي للعمل الدرامي بكل كيانها ومقدرتها على الإقناع، إلا أن معظم نجومنا لا يدركون ذلك وهذا ما أدى إلى الاستسهال بصناعة دراما موسمية وحسب الطلب..!