2012/07/04

أمهات الدراما لا يشبهن أمهاتنا
أمهات الدراما لا يشبهن أمهاتنا


أمينة عباس - البعث



يتفق الجميع على المكانة الهامة والسامية التي تحتلها الأم في حياتنا، وفي الوقت ذاته يأسف الجميع لأن هذه المكانة لم تتحقق بعد في الدراما السورية، حيث حضور الأم في العمل الدرامي مازال هامشياً وسطحياً، وغالباً ما يكون قليل الفاعلية في الأحداث الدرامية التي يتزعمها بطل العمل أو بطلته، وعلى الرغم من هذا الوضع يبقى تجسيد هذه الشخصية بالنسبة للفنانات حالة شديدة الخصوصية وتجربة لا مثيل لها، وللاطلاع أكثر على شخصية الأم في الدراما السورية، كانت لنا هذه اللقاءات مع بعض الفنانات اللواتي جسدن دور الأم في فترة مبكرة من حياتهن ومشوارهن الفني.

شخصية ثانوية

تؤكد الفنانة فيلدا سمّور أن محاكاة شخصية الأم في الدراما ليست بالأمر السهل أبداً لخصوصية هذه الشخصية المليئة بالأحاسيس والمشاعر، لذلك لا يمكن لها كممثلة أن تتعاطى مع هذه الشخصية في الدراما إلا من كونها شخصية مهمة في الحياة، فترتقي إلى مستواها شكلاً ومضموناً، وتأسف لأن الدراما السورية لا تتعاطى مع هذه الشخصية بالطريقة التي تستحقها، وتستغرب من أن كتّاب الدراما السورية لا يعيرون اهتمامهم لها، فيكتبونها بطريقة سطحية وبشكل غير فاعل.. من هنا ترى سمور أن وجود شخصية الأم في العمل الدرامي ليس أساسياً، بل هو دور ثانوي، وغالباً ما يدور في فلك البطل أو البطلة، وتؤكد أن التعامل مع شخصية الأم بهذه الطريقة في الدراما السورية خطأ كبير وأمر غير صحيح، وهو يقلل من شأن النص الدرامي في المجمل، كما يقلل من دور الأم في الحياة وهو دور كبير وهام، لذلك وعندما تجسد مثل هذه الشخصية المهملة من قبل الكاتب، تضطر إلى الارتقاء بها من خلال الاعتماد على أدائها الشخصي لها، ولأن دور الأم في الدراما السورية غير مهم تفسِّر سمور سبب اعتماد المخرجين في تجسيد هذه الشخصية على فنانات صغيرات، وتعتقد أن هذا أخطر ما يقع فيه بعض المخرجين، وانطلاقاً من هذا الوضع تبيّن أن هؤلاء الفنانات الشابات لم يعطين هذه الشخصية حقها، خاصة وأن أداء دور الأم مسألة مركّبة لها علاقة بمشاعر وتدفّق عاطفي معيّن يختلف عن كل العواطف الأخرى، وهو تدفّق لا يمكن لفنانة صغيرة السن أن تمتلكه، وهذا ما أدركته وهي التي جسدت شخصية الأم في سن مبكرة (في العشرينيات)، رغبة منها في ذلك الوقت في أداء أدوار عديدة لإثبات حضورها كممثلة، إلا أنها بدت غير راضية عن ذاك الأداء بعد فترة معينة، حيث شعرت أنه كان يفتقد إلى حالة النضج الفني وكذلك العاطفي المرتبط بالأم كحالة إنسانية، وهذا ما توفّر لها  بعد ذلك بفضل الخبرة والتجارب الفنية والحالة العاطفية التي اكتملت عندما أصبحت أماً بالفعل، فكان أداؤها لمثل هذه الشخصية أكثر مصداقية وإقناعاً للآخرين.. وفي العموم تتمنى سمور أن تُقدَّم الأم في درامانا بالشكل الذي يشبهها في الحياة كشخص هام في حياة عائلتها ومجتمعها، لذلك تدعو وبإصرار إلى عدم تهميشها كما تفعل الدراما اليوم .

حضور غير فاعل

ولتواجدها الكثيف عبر دور الأم الذي توقف عنده الكثيرون، خاصة وأنها كانت من الفنانات القليلات اللواتي رضين بتجسيد دور الأم باكراً، توضح الفنانة ضحى الدبس أنها عندما طرحت نفسها باكراً كممثلة لدور الأم، كانت قد استفادت من ظروف كانت تلاحظها في الدراما السورية حين كانت غالبية الفنانات ترفضن تجسيد دور الأم، وقد كانت على تماس حقيقي مع معاناة المخرجين والمنتجين نتيجة رفض نجمات كثيرات يتقدمن عليها عمراً القيام بدور الأم، وهذا كان –برأيها- محرّكاً أساسياً باتجاه شعورها بأنهنّ كنَّ مخطئات، فتولدت عندها رغبة قوية في فعل ذلك في سن مبكرة، وكانت ترى في ذلك حنكة وذكاء، إضافة إلى أنه كانت عندها رغبة في إحداث تغيير في النمطية التي كانت تُقدَّم فيها شخصية الأم في درامانا دون أن يهتم أحد بذلك،        باعتبار أن الأمهات في الدراما لم يكنّ شخصيات أساسية، وغالباً ما كنَّ خلفيات اجتماعية لأحداث يقودها شباب وشابات، لذلك كانت شخصية الأم –كما تشير الدبس- تُقدَّم دون عناية أو اهتمام، وقد كان كل ما تتطلبه مثل هذه الشخصية غطاء رأس وثوب طويل وقليل من الدموع، وهذا ما كان يزعجها كثيراً، فتشكّل لديها موقف تجاه رفض كل ما يمكن أن يكرِّس ذلك، وتوضح الدبس كذلك أن الدراما السورية كانت بحاجة ماسّة لمن يمثِّلنَ دور الأم التي تنتمي لجيل سوف يأتي بعد جيل أمهات الدراما السورية كمنى واصف ونجاح العبد الله ونبيلة النابلسي، أي الجيل الأحدث من الأمهات بعد أن تجاوزت الفنانات العظيمات دور الأم حيث  قمن بواجبهن فكانت المرحلة تتطلب –برأيها- عمراً أصغر لدور الأمهات في الوقت الذي لم تكن الفنانات ترضين بذلك، ومن ترضى تعيد تقديم الأم بالطريقة الكلاسيكية النمطية التي سادت في مراحل كثيرة.. من هنا قررت الدبس أن تفعل ذلك من خلال تغيير هذه النمطية وتقديم الأم كشخصية قوية لأنها أرادت كسر النمطية وتقريب الشخصيات من الواقع والعصر الحالي .

نجاح استثنائي

وبالعودة لمسيرة الفنانة سوسن ميخائيل لا بدّ أن نقف بكثير من الإعجاب عند دورها في مسلسل "عصر الجنون" الذي جسدت فيه شخصية الأم ببراعة شديدة إلى درجة أن الجمهور مازال يتذكر حتى اليوم المشاهد الأخيرة التي أدتها وانفعل معها بشكل كبير إلى درجة أنه لم يعد يتذكر سوى هذا الدور، وتشير هنا ميخائيل إلى أنها قبلت بأداء دور الأم في مسلسل "عصر الجنون" لرغبتها في تجسيد شخصيات مختلفة ولاختبار أدواتها، ورغم أن الجمهور استغرب تجسيدها لهذه الشخصية في عمر مبكر جداً، ولكن مع الوقت اكتشف مدى براعتها وقد نجحت نجاحاً كبيراً في تجسيد حالات الأم في هذا العمل الذي تعتز بنجاحها فيه والذي جعل بعض المخرجين فيما بعد لا يفكرون بها إلا من خلال هذه الشخصية، وهذا ما جعلها بعد ذلك تعتذر عن أدوار الأم التي أُسنِدت إليها لأنها ومنذ نجاحها في تجسيد هذه الشخصية في "عصر الجنون" عانت من مشكلة أن بعض المخرجين حاولوا أن يكرسوها لمثل هذه الأدوار، وتؤكد هنا أنها لم ترفض تجسيد شخصية الأم بشكل مطلق، ولكن بدا لها من غير المنطقي أن يعرض عليها أحد المخرجين فيما بعد دور أم لزملاء في مثل سنها، في الوقت الذي توجد فيه فنانات كثيرات يمكن أن يؤدين هذا الدور بشكل يتناسب مع عمرهن الحقيقي، لذلك رفضت هذه الأدوار في مرحلة سابقة حتى لا تبقى في الدائرة ذاتها، إلا أنها ولهذا السبب وجدت أن المخرجين أبعدوها عن كل الأعمال لأنهم كانوا يصرون على استثمار نجاحها في الشخصية من خلال رغبتها في تجسيدها دور الأم في الأعمال التي يعرضونها عليها .