2012/07/04

 	«أمير الفرس» يقع في فخ الأخطاء التاريخية
«أمير الفرس» يقع في فخ الأخطاء التاريخية

   محمد الأنصاري مرة أخرى يقع الشرق وتاريخه وحضاراته تحت سطوة الشركة الإنتاجية الأضخم في عالم هوليوود «والت ديزني»، فتقدم هذا الشرق للعالم برؤية غربية، وكأنها تقول «هذا شرقنا الذي نعرفه لا كما تعرفونه أنتم». ففي فيلمها الذي أنتجته أخيراً، وجرى أول عرض له في سينما سيني ستار أبوظبي الأسبوع الماضي، أبهرت «والت ديزني» الجمهور بالديكورات الضخمة والخدع السينمائية المتقنة والسرد الأسطوري لفيلم «أمير الفرس: رمال الزمن» .الذي أدى البطولة فيه النجم الأميركي الشاب جاك جلينهال، والنجمة البريطانية جيما أرتيرتون والنجم العالمي بين كينغسلي، وأخرجه ماكي نيويل، ولكن «والت ديزني» وقعت في فخ الأخطاء التاريخية التي تمر على ملايين البشر بسهولة، ولكنها لا تمر مرور الكرام لدى الشرقيين.تبدأ قصة الفيلم المأخوذ عن لعبة الفيديو الشهيرة «رمال الزمن» التي صممها جيري بروكهامير عام 1989م وهو صاحب لعبة «قراصنة الكاريبي»، وكذلك هو المنتج للفيلم الجديد بقيمة إنتاجية بلغت أكثر 200 مليون دولار أميركي.تبدأ القصة في بلاد فارس في القرن السادس الميلادي بعد أن يقوم ملك الفرس «شارمان» بتبني طفل شريد في الشوارع يدعى داستان ويضمه إلى ولديه باعتباره أميراً من غير دم ملكي ولا يحق له المطالبة بالعرش.يكبر هذا الأمير تحت ظل أبيه الملك وعمه نظام، وتمر السنون، ليغزو برفقة عمه وأخويه الأميرين مدينة مقدسة على حدود بلاد فارس تدعى آلموت ليقع بين يدي الأمير داستان خنجر غريب يستطيع حين يعبئ برمال خاصة من المدينة إعادة الزمن إلى الوراء. حيث يرى حامله ما سيحدث بصورة مسبقة، وتأخذ القصة حبكة تصاعدية حين يتضح أن هناك مؤامرة من قبل شقيق الملك نظام، للقضاء على الملك وعائلته عبر سيطرته على هذا الخنجر السحري، وتدخل في حبكة القصة أميرة المدينة المنكوبة تامينا لتساعد الأمير داستان في فضح هذه المؤامرة، وتأخذ القصة منحًى تصاعدياً، وتنتهي بنهاية تميل للخير الذي اعتاد عليه المشاهد. شيخ عمر والطريقة المولوية ظهرت بعض الأخطاء التاريخية التي وقعت فيها شركة إنتاج الفيلم؛ حيث يظهر في مشاهد الفيلم أداء لفرقة صوفية مولوية، ومن المعروف أن الفرق المولوية لم تظهر إلا في القرن الثالث عشر الميلادي بعد وفاة شيخ الطريقة الشاعر الصوفي جلال الدين الرومي، أي بعد أحداث قصة «رمال الزمن» المزعومة بما يقارب 700 سنة. كما يظهر في المشاهد سدنة المعبد المقدس في مدينة آلموت، وهم يرتدون أزياءً عربية بعمائم إسلامية بيضاء وهذه الملابس لم تكن معروفة في ذلك الوقت في الحدود الشرقية لبلاد فارس، أي مناطق أفغانستان وجوارها من أرض البشتو والغزنوية القريبة من جبال هندوكوش. وبعد كل ذلك فإن خطاب جنود الفرس فيما بينهم وهم يلاحقون الأمير داستان كان باللغة العربية الفصحى، أما الخطأ الهندسي الذي سقط فيه الفيلم؛ فهو شكل مدن الفرس ومدينة آلموت، حيث تظهر القباب الفيروزية المستندة على ركائز مخروطية الشكل، ولم تظهر هذه القباب بشكلها هذا إلا في قرابة القرن الثاني عشر الميلادي. وبعد ظهور الحكومات الصفوية والعثمانية في العالم الإسلامي، كما يظهر زعيم المتشردين العربي شيخ عمر، الذي أدى دوره النجم ألفريد مولينا في منطقة لمتشردين من عرب وقوميات أخرى قريباً من حدود آلموت بينما لم يظهر الوجود العربي في شرق بلاد فارس تاريخياً إلا بعد أحداث القصة المزعومة بقرنين. ومن المضحك في سيناريو الفيلم وحواره هي العبارات التي تحوي اصطلاحات من القرن العشرين يستخدمها شيخ عمر من قبيل البيروقراطية والتكتيك وغيرها من المصطلحات. نصف سكان الأرض ربما يحتج البعض بكون قصة رمال الزمن هي قصة أسطورية خيالية؛ إلا أن ذلك لا يمنع من سرد وتصوير الجزء الواقعي والتاريخي منها وفق حقائق وأسماء وأماكن ووثائق ثابتة تاريخياً، وهو ما حدث لبعض الأفلام التي تحترم تاريخ الشعوب. وهذا ما يذكرنا بالرؤية الشمولية للشرق التي تكونت عبر التاريخ عبر المستشرقين وكتاب الأساطير الغربيين، فلقد كانت تسمية الشرقي أو المسلم إلى فترة قريبة جداً في مدونات هؤلاء هي التركي حين كانت السلطة العثمانية تسيطر على بقاع واسعة من العالم الإسلامي ووصل صدى مدافعها إلى حدود فيينا. ويبدو أن النظرة الشمولية للشرق مستمرة إلى اليوم في نتاج هوليوود السينمائي، فليس هناك خصوصية لنصف سكان الأرض، 3 مليارات نسمة يسكنون الشرق، فيهم أكثر من 20 ديانة معروفة وأكثر من 150 ألف ديانة فرعية وتتنوع أشكالهم وحضاراتهم بشكل كبير، ولكن العين الغربية ترى فقط ما تريد رؤيته. إن اختيار والت ديزني لمنطقة مراكش في المملكة المغربية كان موفقاً إلى حد كبير في تصوير الأجواء الشرقية للقصة، ولكنها لم تجرِ تعديلات تتناسب وزمن وقوعها بما فيها الهندسة العمرانية، ومن جانب آخر فإن موسيقى الفيلم التصويرية لم تناسب أحداث الفيلم خصوصاً باستخدامها لآلات موسيقية غربية أفقدت مشاهد الفيلم زخمه والتفاعل معه. كما لم يوظف مخرج الفيلم ماكي نيويل المناظر الخارجية الأسطورية للطبيعة والديكورات الضخمة والقصور بصورة قوية فكان التركيز أكثر على ما يعرف باللقطة الكلوز أو القريبة، وهو ما لا يناسب أسطورية الفيلم وقصته بعكس ما نفذه المخرج ذاته في فيلمه هاري بوتر وكرة النار، حيث المناظر الخارجية التي تبهر النظر. أبطال الشرق الهوليوديون قبيل ظهور الفيلم بفترة وجيزة؛ تضاربت الأنباء حول من يؤدي دور البطولة، وكان يتردد اسم النجم العالمي أرنولدو بلوم، ولكن الشركة المنتجة كذبت تلك الأنباء لتعلن لاحقاً أن بطل الفيلم هو الممثل الأميركي الشاب جاك جلينهال، الذي أدى بطولة بعض الأفلام أبرزها وأقواها فيلمه «جارهيد- رأس الجرة». ويدور حول الحرب الأميركية على العراق سنة 1991م، وبعض الأدوار الأخرى التي تميز فيها بأدوار الشباب المراهق العبثي، وفي فيلم رمال الزمن استطاع جلينهال أن يؤدي الدور ببراعة على الرغم من الاعتراض على شكله الغربي، الذي لا يقترب من ملامح الفرس والشرقيين. إلا أن أداءه لا يمكن أن يقارن بأداء أرنولدو بلوم في مملكة السماء أو كولين فاريل في فيلم الإسكندر أو أنتونيو بانديرس في قصة ابن فضلان، حين مثل هؤلاء النجوم في أدوار لأبطال شرقيين؛ إلا أن أداء النجمة جيما أرتيرتون بدور الأمير تامينا كان أكثر من رائع، وهو الذي أعطى زخماً لمشاهد الفيلم وحبكة القصة. فلقد استطاعت نجمة فيلم جيمس بوند الأخير بملامحها الشرقية أن تؤدي دورها بصورة جميلة ودون تكلف، وعلى الرغم من حركات جلينهال الخطرة وتنميته لعضلاته بشكل واضح في هذا الفيلم إلا أن سياق إخراج الفيلم السريع لم يظهرا مكامن الإبداع لدى هذا الممثل. بقية الممثلين ويتقدمهم النجم العالمي بين كينغسلي، الحائز على جائزة الأوسكار عن فيلم غاندي كان أداؤهم بين المتوسط والعادي، فأداء بين كينغسلي الذي قارب السبعين عاماً لم يظهر بالصورة التي تعود عليها المشاهد لهذا النجم الكبير. وكان أقربهم للإقناع في الأداء هو الممثل النجم ألفريد موليني الذي أدى دور شيخ عمر ببراعة وأضفى أداؤه وتعليقاته الساخرة أجواء من الكوميديا اللطيفة خفيفة الظل، وإن تناسينا بعض مطبات الفيلم التاريخية وإيقاعه السريع في تناول بعض الأحداث؛ فإننا لا ننكر المشاهد الرائعة والجميلة والحبكة المحترفة للفيلم.