2015/04/11

من تصوير "أم عبدو الحلبية"
من تصوير "أم عبدو الحلبية"

السفير - رامي كوسا

يتفاوت تفاعل الجمهور العربي مع أعمال «الويب دراما». فمقابل تجارب خجولة في لبنان وسوريا، ينشط القطاع بنجاح في السعوديّة على وجه الخصوص، من خلال مسلسلات كوميديّة أو فقرات كرتونيّة تبثّ بشكل دوري، وتحظى بشعبيّة واسعة على «يوتيوب» (قنوات تلفاز 11 مثالاً).
ذلك ما يجعل من «دراما الإنترنت» أو ما اصطلح على تسميته بـ Web series، صنفاً مُحدثاً لم يألفه الجمهور العربيّ بعد. ويتعامل المُشتغلون ضمن هذا القطاع مع السوشل ميديا بشكلٍ عام، ومع قنوات «يوتيوب» بصورةٍ خاصّة، على أنّها منبر لتصريف ما يتمّ إنجازه من حلقاتٍ لا يتجاوز زمن الواحدةِ منها عادةً عتبة العشرين دقيقة، وتُعتبر التكلفة الإنتاجية القليلة سمةً عامّة تحكم هذا النوع من الأعمال.
شكّلت سلسلة «فلاش سوري كتير» (2012، نص علي وجيه/ إخراج وسيم السيد) باكورةَ الدراما السورية المعروضة عبر الإنترنت، ويتناول المسلسل الذي أنجز بمساهمةٍ إنتاجية متواضعة من موقع «بوسطة»، الحربَ السورية من وجهةِ نظرٍ توافقية، اشتملت خطاباً نقدياً جريئاً لم يكن تداوله على التلفزيونات المحليّة متاحاً يومها.
وفي العام 2014، قدّم السيناريست السّوري فؤاد حميرة مسلسلاً من تأليفه وإخراجه بعنوان «رئيس ونساء» بالتعاون مع موقع «زمان الوصل». قال حميرة عن عمله إنّه «يُفكّك شخصية الديكتاتور ويدرس تأثير النساء على حياته وعلى قراراته الّتي تخصّ عمومَ البلاد والمجتمع». ولقيَ العمل الّذي لعبت بطولته مي سكاف انتقاداتٍ لاذعةً طالت شكله الفني الرديء وسذاجة الطرحِ وثقلَ ظلّ المُحتوى، فاكتفى صنّاعه بستِ حلقاتٍ فقط.
وضمن السّياق ذاته، يستمرّ المُخرج السّوريّ الشاب مجيد الخطيب باستخدام السوشل ميديا لعرضِ حلقاتِ سلسلة «طربيزة الحوار» الذي أطلقه في شهر شباط/ فبراير من العام الجاري، ويتناول فيه الراهن السّوري من خلال لوحاتٍ منفصلةٍ متّصلة تٌقدّم بانتظامٍ وبصورةٍ نصف شهرية.
مسلسل «أم عبدو الحلبيّة»، أحد إنتاجات الدراما السوريّة للإنترنت، يشارك خلال الأيّام القادمة في مهرجان Series Mania الفرنسيّ، المُتخصّص بالدراما التلفزيونيّة. في البيان التعريفي بالمهرجان نقرأ: «يُشكّل مهرجاننا فرصةً استثنائية لكسر العزلة المفروضة على مشاهدي التلفزيون، حيث نوفّر، وعلى امتداد أيّامه العشرة، مساحةً للتنافس ما بين خمسين سلسلةً تلفزيونيّة جاءت إلينا من سبع عشرة دولةً حول العالم». تخصّص النسخة السادسة من المهرجان (باريس؛ 10 ــ 21 نيسان/ أبريل الجاري)، منصّة عرضٍ لمسلسلات الهواة والّتي جرى تداولها سابقاً عبر الإنترنت. يقتصر حضور الدراما السّورية ضمن هذا الحيّز إذاً، على «أم عبدو الحلبية» (نص عفرا هاشم/ إخراج بشار هادي)، وهو من إنتاج شركة «لمبة بروداكشن» والتي تعرّف عن نفسها بأنّها «وسيلة إعلام محترفة تركّز على تقديم ميديا متنوّعة ذات محتوىً عالي الجودة»، إلّا أنّ متابعةَ بعضِ الحلقاتِ تُظهر أن المسلسل لم يلامس أيّاً من معايير الجودةِ المفترضة.

يقوم العمل على جملةِ حكاياتٍ منفصلةٍ متّصلة تتخذ من «أم عبدو الحلبية» بطلةً شعبيّةً لها، لكنّ فعل الأمومة الّذي تسوقه مفردة «أمّ»، يصير رخيصاً للغاية حين نكتشف أنّ شخصيّة «أم عبدو» قد أُسندت للطفلة رشا الّتي لم تتجاوز، حالها حال جميع ممثلي وممثلات العمل، عامها العاشر على أبعد تقدير. ربمّا يحاول المخرج أن يقول للمشاهدين إنّ الحصار الّذي فُرض على السوريين جعل الأطفال يشيخون باكراً، لكنّ هذا التلطيّ الإنساني لا يبرّر تسليع المرأة وتكريس رجعيّةٍ مقيتةٍ تُحوّل طفلاتٍ سوريّاتٍ قاصرات، وإن على سبيل التمثيل، إلى سيّداتٍ منقبّاتٍ يجلن البيوتَ بحثاً عن فتياتٍ صالحاتٍ للزواج، ويُشترط فيهنّ أن يكنّ ساذجاتٍ جاهلاتٍ وبناتَ «ثوارٍ» و «مجاهدين» يقاتلون النظام السوري.
هذا الاسترخاص الفكريّ يُشكّل، إضافةً إلى شيطنةِ الشارع الموالي للدولة السورية، ركيزة العمل ذي الأرضية الحكائية الرّخوة، والّذي يفتقر إلى ألفباء الإبداع وجماليات الصّنعة، الأمر الّذي يطرح سؤالاً ملحّاً حولَ المعايير الفنيّة والفكرية الّتي اعتمدها المهرجانُ الفرنسيّ للموافقة على إشراك عملٍ مماثل ضمن المسابقة الرسميّة.