2015/03/23

أنطوانيت نجيب
أنطوانيت نجيب

الوطن - عامر فؤاد عامر

بدأت مسيرتها الفنيّة على المسرح أواخر خمسينات القرن الماضي، وتابعت طريقها لتقف أمام الكاميرا التلفزيونية والسينمائية في الستينيات منه، وإلى اليوم استمرت لتكون جوهرة لامعة من جواهر رعيل الفنانين الأوائل في سورية، وقد تخطّت حدود موطنها الأساسي ليكون لها حضور مميز في الوطن العربي بين أعمال السينما والتلفزيون، ولكن اليوم وبعد مسيرة حافلة بالعطاء قاربت المئة عمل فني، تخبرنا الفنانة «أنطوانيت نجيب» بلهجة المعاتبة وعدم الرضى عن واقع الحال الذي آلت إليه إنتاجاتنا الفنيّة، وعن تفاصيل ومحاور كثيرة كان لنا هذا الحوار من خلال صحيفة «الوطن» السوريّة.

البداية عتب ولوم
كان هناك موجة من العتب واللوم والتحدي في حديث الفنانة القديرة «أنطوانيت نجيب» فهناك سلسلة من المشاكل التي تواجهها هي شخصيّاً وزملاءها الفنانين بصورةٍ عامّة لذلك كانت الكلمات الآتية: «يدخل أناس إلى الساحة الفنيّة لا علاقة لهم بالفنّ مطلقاً، فاليوم أرى أموراً غريبة كثيرة تدعوني أحياناً إلى الندم على الاستمرار في طريق الفنّ، على الرغم من أن لا أحد يمكنه أن يأخذ دوري ومكاني، لكن مؤخراً حدث أن قام أحد المنتجين باستقدام فتاة، ولعب عليها في المكياج لتبدو كبيرة في السنّ ومنحها دوري وحرمني من الشخصيّة التي كنت سألعبها، فالمنتج اليوم يتاجر بالمسألة الفنيّة بصورة بشعة، وعموماً من يتعامل بهذه الطريقة هو من سيخسر في نهاية المطاف، ومعايير انتقاء الفنان أصبحت في جانب من الجوانب بيد المنتج، الذي من الممكن أن يأتي بممثلة من الطريق، فقط لأنّها أعجبته، وبعد مدّة وجيزة ستكون نجمة موسم، لتصدّق نفسها بأنها زميلة لنا وشريكة في الدراما».
 
الصورة الدراميّة تُسيء
تضيف الفنانة «أنطوانيت نجيب» أيضاً وبلهجة معاتبة إلى ما آلت إليه بعض الإنتاجات، فهي بوجهٍ أو بآخر ستعبر عن واقع تقدّم من خلاله: «كما أن الإنتاج اليوم يسيء لنا كسوريين، فهناك ما يُنتح بصورة غريبة، وأسأل نفسي أين الرقابة؟ فهناك أعمال سوريّة - في العامين السابقين بالتحديد - استغربنا كيف ظهرت للعلن! وكيف عُرضت! فهي لا تمثل الواقع ولا تنقده بشيء، فما الهدف منها؟». وفي عتبٍ خاصّ على أعمال البيئة الشاميّة تقول أيضاً: «لم تخلق المرأة فقط للطبخ والحمل والتربية في بلادنا، فهذا التهميش للمرأة السورية مُدان، فهي شريكة الرجل في كلّ شيء وفي كل حالات السلم والحرب، والمرأة لها كلمتها وحضورها في البيت وعظمتها في المجتمع».
 
على عاتق النقابة
وعندما أشرنا إليها بأنّه قد تحمل نقابة الفنانين السوريين حلاً للموضوع، فأجابت: «لا أعتقد ذلك، إذ ليس بمقدور نقابة الفنانين السوريين أن تعالج كلّ المشاكل، ولا يمكن أن تنتهي منها دفعة واحدة، لكن ماأتمناه من هذه النقابة أن يكون لها دور إيجابي في مسألة حماية الحقّ المادي، كتعزيز فكرة العقود، وتسجيلها في مكتب النقابة لضمان حقوق الفنان، ومن الممكن جمع المنتجين ووضع خطّة يتمّ الاتفاق والالتزام بها من الجميع، وبالتالي ينتظم الجميع بها، فبعض المنتجين باتوا يتعدون ببساطة على حقوق الفنان».
بالانتقال الى جوانب أخرى من معاناة الفنان السوري في الأزمة السوريّة تناولت الفنانة «أنطوانيت» الحالة الماديّة بهذه الكلمات: «حالياً الأمور المادية تحكمنا، ومهما كان أجرنا اليوم فهو لن يكفي مصاريف والتزامات يوميّة، في حين كانت الأجور سابقاً عادلةً أكثر، والوضع المادي يحمل راحة مختلفة عما نمرّ به اليوم، ناهيك عن تحكّم المنتج بنا في الأجر اليوم».
 
مقارنات الماضي والحاضر
وفي المقارنة بين أجواء التصوير فيما مضى ومع بدايات الدراما السوريّة وفيما يتمّ عمله اليوم وبحسب تجربة الفنانة «أنطوانيت نجيب» أشارت: «في الماضي كنّا نحضّر للمسلسل قبل أن يبدأ تصوير أول مشهد فيه بشهرين، ونتقن أدوارنا بهدوءٍ ومحبّة، أمّا اليوم فأنا لا أرى الممثلين إلا يوم التصوير، وأتعرف على وجوه جديدة أحياناً في يوم تصوير المشاهد فقط، ولا أراهم فيما بعد إلا على الشاشة، وهذا الأمر خطأ ودلالته سيئة، وهذا ما يجعلني أحنّ للماضي، وكيف كنّا نشتغل، ونعمل بإتقان، ولذلك لم أقدّم مشهداً خلال مسيرتي الفنيّة كلّها إلا وحصدت محبّة الناس من خلاله، لقد تعبنا كجيل حتى وصلنا إلى ما وصلنا إليه، فأذكر أنّه إذا تمّت إضافة مشاهد على العمل، نبقى مشغولين بالمسألة لمدّة طويلة، حتى نتقنها، أمّا اليوم فلا معايير، وكلّ شيء سريع».
 
بين الجدّة والأمّ
أدّت فنانتنا القديرة أدواراً كثيرة متنوعة لكنّها أجادت أدوار الجدّة، ومن قبلها أدوار الأمّ، وفي سؤالنا عن مدى الاختلاف بين دوري الأمّ والجدّة بالنسبة لها تقول: «كلّ شخصيّة منهما لها خطّها وخصوصيّتها في الحياة، لكن النصّ هو ما يلهمني كيف سأقدّم الشخصيّة، فهي إن كانت أماً فستكون بقالب يتفاعل مع خطّها والشخصيّات الأخرى الموجودة معها، وكذلك إن كانت جدّة، بالتالي النص هو من سيفرض نفسه ويمنحها قالبها الأخير». وعن الدور وطريقة اختيارها له وكيفيّة تحليل الشخصيّة أضافت: «عندما يعجبني الدور أو الشخصيّة فسأوافق عليها فوراً، فأنا أطمح لأي دور يأتيني شريطة أن أحبّه، وهذا ما حصل في مسلسل «لو» للمخرج «سامر برقاوي» العام الفائت، فقد كانت شخصيّتي خرساء، لكنّني أحببتها، فخطها مميّز في المسلسل، وأديّتها، وتركت أثراً جميلاً لدى المشاهد العربي عموماً، وكذلك في أكثر الأعمال التي أذكرها إلى اليوم، وأطالب التلفزيون بإعادة بثّها، وهو مسلسل «رياح الخماسين» للمخرج «هشام شربتجي»، والذي أديت فيه دور المجنونة، فقد كانت الشخصيّة جميلة بالنسبة لي، وممتعة، ولذلك تعبت فيها كثيراً».
 
سينما اليوم وواقعها
بالتطرق للجانب السينمائي وعدم حضورها في الإنتاج السينمائي الجديد – على قلّته - وهي أيضاً من الفنانين الذين تركوا البصمة المميزة في السينما سابقاً، كانت إجابة الفنانة «أنطوانيت»: «عندما تراني المؤسسة العامة للسينما (ممثلة جيدة) وترسل في طلبي لأداء دورٍ ما ستروني في السينما السورية بالتأكيد!. فإلى أن تقتنع المؤسسة بأنّني ممثلة جيدة سأكتفي بما أقدّمه اليوم في الدراما التلفزيونيّة، فالسينما السوريّة تتضمن مشاكل كبيرة في بلدنا، والمشاكل الأكبر هي في عدم ترويجها وتقديمها للناس كي يحبّوها، ففيلم «غرفة سمير» الذي شاركت فيه عام «2011» للمخرج «أسامة قشوع» لم يعرض إلى يومنا هذا، وفيلم «التجلي الأخير لغيلان الدمشقي» الذي شاركت فيه عام «2008» للمخرج «هيثم حقي» أين هو؟ وهذا هو الحال»، وأنا من الفنانات اللواتي يشجّعن السينما وصناعتها، ففي فيلم «رسائل الكرز» للفنانة «سلاف فواخرجي» كان لي مشهد واحد معها، وعلى الرغم من ذلك شاركت، وكان مشهداً جميلاً مقنعاً، وعموماً أحببت هذه الفنانة من الجيل الجديد، فهي كابنتي، ومجتهدة في العمل، وحبّها الكبير باتجاهي هو ما جعلني معها في فيلمها «رسائل الكرز»، وأنا اليوم معجبة بتجربة الأفلام القصيرة التي يشتغل فيها الشباب، والتي تدعمها المؤسسة ذاتها، وقد رأيت في مشهد رغبة الناس في متابعة النشاطات السينمائيّة في سورية صورةً جميلةً جداً، تدل على رغبة الناس للمقاومة والحياة على الرغم من كلّ الظروف القاسية، فقد رأيت الناس في دار الأوبرا يذهبون لحضور الأفلام السينمائيّة ويقطعون تذاكرهم وبأعداد كبيرة وهذه الصورة تفاءلت بها كثيراً».
عن الجمال والصورة الجميلة التي يمكن لبعض الفنانات أن تستخدمه وسيلة في الوصول للشهرة وارتياد درب الفنّ، علّقت: «الجمال وسيلة مهمّة، لكن إذا لم يكن الداخل جميلاً، فالمسألة هنا تصبح بعيدة كلّ البعد عن الجمال، وقد خدمني الجمال في أحيان وفي أحيان أخرى لم يخدمني أبداً بل ضرّني».
 
المسرح ويوسف شويري
في ذكريات المسرح لم تعلق الفنانة «أنطوانيت نجيب» كثيراً إلا من ناحية ذكرى المسرح المشترك بين الفنان «محمود جبر» وزوجها الفنان «يوسف شويري» فقالت: بالنسبة لي كان المسرح حالة أساسية في حياتي الفنيّة، وأذكر عدداً من المسرحيات المشتركة بين الفنانين المرحومين «محمود جبر» و«يوسف شويري» فقد كانت مقاعد مسرح الحمرا في دمشق تمتلئ، لتجلس الناس على الأدراج في ساعة العرض، وهذا المشهد لا يزول من ذاكرتي في مسرحيّات مثل «صياد وصادوني» أو«مدير بالوكالة» لكن فيما بعد كان لانفصال هذين الفنانين حالة غير صحيّة، فقد خسرنا مسرحاً جميلاً».
 
الجديد والنصيحة
وعن جديدها قالت الفنانة «أنطوانيت نجيب»: «انتهيت من تصوير دوري في مسلسل «طوق البنات» في جزئه الثاني، ودوري هو ضيفة على المسلسل، وإلى الآن لم أتمكن من التحضير إلا لهذا الدور فقط».
في نهاية لقائنا كان لدى الفنانة الكبيرة «أنطوانيت نجيب» الكثير من الدعاء والأمنيات فهي في سنّها اليوم تبقى على دورها كأمّ محبّة للوطن، والناس، والأجيال الجديدة القادمة: «أتمنى أن تعود البلد لسلامها وهدوئها، وأرجو أن تستفيد الناس من تجاربها القاسية في أربع سنوات مرّت علينا، وبهمّة الجميع والجيش العربي السوري ستنتصر سورية، وأريد أن أوجه نصيحة لأبنائي من فناني الجيل الجديد بأنّ يحبّوا المهنة لا للمال والشهرة، بل غذّوا أعمالكم بالإحساس الصحيح، وبالتفكير الواعي لتمنحوها حقّها، لأن التمثيل إحساس صادق، والفنّ حالة راقية».