2012/07/04

	أوراق الذاكرة والوجدان - عبد اللطيف فتحي «يا ساتر»
أوراق الذاكرة والوجدان - عبد اللطيف فتحي «يا ساتر»


مظهر الحكيم – الوطن السورية


حضوره مميز. طلته مميزة.. عندما تقابله لا تشعر أنك أمام كوميديان، أضحك الملايين. وأسعدهم تجد أمامك باشا بيكاً. شهبندر التجار تراه. قائداً قائمقاماً يشعرك بالرهبة.. عبد اللطيف فتحي حالة خاصة... لا يضحك لأحد. لا يبتسم إلا في الوجوه التي يشعر أنها قريبة جداً منه.. عبد اللطيف فتحي. هذا الإنسان الجاد.

القائد. عندما يرتدي زيه الخاص بأي عمل يقدمه.. يتحول. ينقلب. يتقمص. يفاجئك. يعود إلى أحضان الطفولة إلى كل الشخصيات التي قدمت الكوميديا: كشكش بيك، العريس، الريحاني، وكل من كان يقدم الكوميديا في تلك الفترة... الطربوش القصير... الملابس الخاصة. الدخول في عمق الشخصية والكلمة التي تدوي الصالة بالتصفيق عندما تسمعها.. المفتاح السحري لدخول عبد اللطيف إلى المسرح.. [ يا ساتر] كلمة قوية ممطوطة.. تحمل كل معاني أنني أنا هنا..

انتبهوا استعدوا.. عبد اللطيف فتحي قادم.. ويطل على جمهوره.. رحلتي مع هذا الفنان كانت في الإذاعة فقط... رغم كل محاولاتي.. لم أستطيع أن أقف أمامه على المسرح.. ولا في التلفزيون ولا في السينما... في الإذاعة فقط، وأمام المايك.. والذي كان يدهشني أنه أمامي. كان يتقمص الدور كأنه على المسرح يهتز ويرتجف ويعلو ويهبط. ويتحرك.. وكان يجذبني معه من يدي كأنني عكازه التي يستند عليه.. لدرجة أنني مرة لم أعد أستطيع أن أنبس بحرف. فظن المخرج أنني تهيبت من حضور عبد اللطيف.. ولكنني أهتز من شدة ضغطه على يدي أو كتفي وانجذابي معه.. عبد اللطيف كان مدرسة خاصة. انتقل من دمشق إلى لبنان عمل فترة جيدة في مسرح التحرير. وفي برنامج «بيروت في الليل» مع حسن المليجي.. وشارك مع محمد سلمان في فيلم لبناني بالأبيض والأسود.. والمذهل أن هذا الفنان الشعبي أثبت في لحظة من اللحظات. أنه ليس شعبياً إطلاقاً بل هو عالمي.. وكبير جداً.. كانت فترة بدأ فيها المسرح الجاد والذي أخذ يقدم أعمالاً للنخبة.. أعمالاً عالمية وبدأت الفرق تتأسس في دمشق.. وبدأت الوجوه الجامعية تطل على الوسط الفني، والمسرح الجامعي بدأ يقدم المواهب المسرحية الجامعية إلى الوسط الفني..

فترة جميلة جداً. والدكتور رفيق الصبان. بدأ يحضر أعماله الجادة مع نخبة من الشباب الجدد.. وبدأت مديرية المسارح في دورها، والمسرح القومي بدأ نشاطه وتم اختيار عدد من الفنانين.. وللأسف الجيل الرائد. عومل بطريقة.. جافة.. في مديرية المسارح.. حدث شرخ.. هنا فريق سموه النخبة، وهنا فريق الرواد سموه الشعبي. يعني الخيار والفقوس. منذ تأسس المسرح القومي.. علماً أن الفقوس أطيب من الخيار.. من لم يجربه فليجربه.. نعود إلى نجمنا الراحل عبد اللطيف فتحي. حين اختاره المخرج يوسف حرب لمسرحية[ ترويض الشرسة ].. التي قدمها المخرج يوسف حرب بإطار إخراجي جديد. المسرح الدائري.. واختار الفنان عبد اللطيف لبطولة المسرحية. والمرحومة هالة شوكت الجميلة شاركته البطولة.. وهنا كانت دهشة الجميع.. ومن هنا بدأت الرؤية تنقشع.. والوسط الفني جميعه حضر المسرحية ليروا الفنان الشعبي. فنان يا ساتر. في ثوب جديد ثوب ملائم له ولفنه.. وكرم في هذه المناسبة، ووضع على صدره وسام الاستحقاق الأول الرئيس حافظ الأسد رحمه الله. كرمه وأنعم عليه بالوسام، وفي حفل بعد عرض المسرحية.. كرم الفنان عبد اللطيف فتحي.. كرم قبل أن يموت كرم وهو حي.. كرم وهو يؤدي رسالته الفنية. كرم وهو يقول للجميع ليس هناك فن شعبي وفن نخبة.. هناك فنان، هناك إنسان يعرف دربه وواثق من وجوده. ولكنه يختلف عن الآخرين الذين وجدوا اللقمة أمامهم. لم يتعبوا في تحضيرها.. وجدوها على مائدة من رخام. وكؤوس من الكريستال.. وتناولوها بشراهة.. ولم يكلف أحدهم نفسه ويسأل من الذي حضر كل هذا..

رحمك اللـه عبد اللطيف فتحي وأطال اللـه عمر كل من بقي يتابع الرحلة معنا.