2012/07/04

المهرجانات  المسرحية:  تشريفات  وخطابات لا ترقى إلى الطموح
المهرجانات المسرحية: تشريفات وخطابات لا ترقى إلى الطموح

حتى الآن لا تزال في إطار النشاط

المهرجانات المسرحية: تشريفات وخطابات لا ترقى إلى الطموح


عبدالله الكفري

تعد سورية واحدة من أكثر الدول العربية التي يتم فيها تنظيم مهرجاناتٍ مسرحية سنوية سواء من تنظيم وزارة الثقافة، أو حتى خاصة صارت مواعيدها ثابتة وسنوية. وإذا نظرنا إلى هذه المهرجانات المتزاحمة والتي تتقاطع فيما بينها في التواريخ يمكننا أن نعدد منها على سبيل الذكر لا الحصر: مهرجان الهواة في إدلب، مهرجان مصياف، مهرجان دمشق المسرحي، مهرجان المسرح الجامعي، مهرجان الرقة، مهرجان مدينة الثورة، مهرجان حماه، مهرجان المسرح العمالي، مهرجان الكوميديا، ومهرجان المونودراما في اللاذقية. ومهرجان فرقة المسرح العمالي بحمص.

وبعد كل هذا فإن السؤال: هل مسرحنا بخير؟

وهل هذه المهرجانات قادرة على أن تغطي المشهد السوري ثقافياً كما تفعل جغرافياً؟

وإذا كان مهرجان دمشق المسرحي قد احتفل بدورته الرابعة عشرة العام الماضي فإن هناك بعض المهرجانات الخاصة التي لا تزال في إطار البدايات. ولكن واقع الأمر أن الفروق بين كلا الاتجاهين قليلة جداً، بل إن مشاكل المهرجانات في الغالب تتكرر سنوياً فيما بينها وبين الدورات المتتالية للمهرجان الواحد.

في زحمة المهرجانات المكرسة والطارئة على المشهد الثقافي يمكن الوقوف عند ثلاثة نماذج مختلفة (رسمية- مشتركة- خاصة) لقراءة حال هذا الإنتاج الثقافي والبحث في إشكالياته ومضامينه:

1- مهرجان دمشق المسرحي:

وهو المهرجان العالمي الذي تنظمه وزارة الثقافة كل سنتين مرة، والذي عاد منتظماً منذ دورتين بعد الانقطاع الكبير الذي طرأ عليه. ورغم أن تصنيف المهرجان عالمياً إلا أن مفهوم العالمية فيه لا يتعدى مشاركتان أو ثلاثة من قبرص أو من دول أوربا الشرقية أو روسيا. رغم أن المهرجان في الدورة السابقة قد سجل حضوراً هاماً لبعض العروض الأجنبية كعرض "صوتان".

في المقابل هناك الكثير من العروض المسرحية العربية التي يكون حضورها فيه أقل من المستوى المطلوب وهي من باب المجاملات والتواجد الإعلامي أكثر منه تقديم عروضٍ مهمة ومؤثرة من بلادها. فليس من المستغرب أن تتواجد عروضٍ لفرقٍ هاوية أو من الدرجة الثالثة، وهذا الأمر بات يطال دولاً لها حضوراً مسرحياً هاماً كمصر ولبنان، فيما لا تزال تونس قادرة على حجز مكانها المميز بشكلٍ مستمر مع تواجد الفاضل الجعايبي.

تتأتى أهمية المهرجان من ندوته الفكرية التي تفرد محاور عدة للعمل على مفاهيم المسرح، ويشارك فيها عدد كبير من الأسماء الهامة العربية، ويتم فيها فتح عددٍ من البنود للبحث والنقاش. فقد كانت ندوة الدورة الرابعة عشر بعنوان "الدراماتورجيا" وفي الدورة الثالثة عشر تم العمل تحت إطار "الشباب مستقبل المسرح العربي". ورغم أهمية هذه العناوين إلا أنها تظل مفرداتٍ كبيرة، وأضخم مما يتم تفنيده في الشرح والنقاش.

كما أن المهرجان ومنذ عودته المنتظمة لم يقم بإصدار أية كتب أو دراسات أو نصوص مسرحية، كما يفعل سنوياً مهرجان القاهرة التجريبي، والسبب في ذلك قلة الميزانيات. رغم أن هناك بعض الكتب التي كان المهرجان قد طبعها من قبل، والتي من المهم إعادة طبعها الآن لنفاذها.

أكبر التحديات التي يواجهها مهرجان دمشق المسرحي هي أنه لا يستطع في توصياته الخروج بحلول فعالة تجاه مشاكل المشهد المسرحي العربي أو تفعيل خطوات عملية بشكلٍ تنموي. ومن الملاحظ أيضاً أن ضيوفه ومكرميه شيئاً فشيئاً باتوا أكثر قرباً من المشهد التلفزيوني، وإلى الآن فإن هذا المهرجان يستثني في فعالياته الكتابة المسرحية وقضايا التنظير لها.

2_ المهرجان الجامعي المركزي

يرتبط المسرح الجامعي بمرحلةٍ ذهبية عاش أوجها في السبعينيات وبأسماء أشخاص كرسوا عملهم فيه كمشروعٍ ثقافي قادر على التغيير في بنية المجتمع. إلا أن مسيرة هذا المسرح كما تبدو من مهرجانه المركزي لم تكن تصاعدية بعد النكسة التي أصابته في التسعينيات. رغم أن هناك تغيرات طرأت على المهرجان خلال السنوات السبع الماضية يمكن تلخيصها بـ:

1-  إجراء مشاهدات للعروض مع لجنة مختصة واختيار الجيدة لتشارك فيه.

2- تأمين إقامة الفرق المشاركة طيلة أيام المهرجان بعد أن كانت فيما سبق تقدم عروضها وتغادر.

3- عروض المهرجان تنتج خصيصاً له، عكس كل مهرجانات الهواة في سوريا.

4- استقطاب خبرات من خريجي المعهد العالي للفنون المسرحية لإقامة ورشات عمل.

في المقابل يبدو أن خيارات المشاركة في المهرجان أصبحت قليلة جداً، كما أن قلة الميزانيات ترمي بظلالها على عناصر العروض المقدمة من ديكور وإضاءة وإكسسوارات. وباعتبار أن كثيراً من عروض هذا المهرجان يتم إنتاجها خصيصاً من أجله فإن مدة عرضه لا تتجاوز المرة الواحدة أو الاثنتين في حدٍ أكبر، كما أنه وفي المقابل هناك الكثير من عروضه التي يتم عرضها بشكلٍ متكرر بعد مشاركتها في مهرجانات فرعية أخرى.

مشكلة هذا المهرجان الرئيسية رغم قدم حضوره في المشهد الجامعي السوري أنه لم يستطع أن يتجاوز جمهور الطلبة للانتقال إلى الجمهور المسرحي على اختلاف شرائحه ومستوياته. وهذه النقطة مقتل في قلب مهرجان يرغب في الخروج بجميع المعايير من قالب حفلات التخرج ونشاطات التعارف في أول العام الدراسي الجامعة، والإنتاجات المحدودة فيه إلى إطارٍ أوسع.

3- مهرجان الكوميديا في اللاذقية

يمكن اعتبار مهرجان الكوميديا الذي يتحضر لدورته الرابعة في اللاذقية نموذجاً عن كيفية توريط المسرح المختص مع الجمهور. ورغم قصر عمر المهرجان إلا أنه استطاع أن يحجز لنفسه مساحة جيدة في المشهد المسرحي السوري، وفي دورته هذا العام انفتح على تجارب إيجابية من خلال منحيين متلازمين: الأول تنظيمه مهرجاناً للأطفال قدمت فيه عروضاً كوميدية للأطفال، والثاني إفساحه المجال أمام عروض شبابية. وعلى الرغم من بعض الإشكاليات في التنظيم إلا أن المهرجان حاول تسليط الضوء على المغيبين عن المشهد الثقافي .

لكن العروض العربية التي استقبلها المهرجان لم تكن على سوية جيدة وهذه إشكالية عامة لا تقف عند حدود هذا المهرجان بل تتعداها إلى أغلب المهرجانات المسرحية بل والنشاطات الثقافية الأخرى الموسيقية المهرجاناتية التي لديها هوس الانفتاح على المشهد الثقافي العربي ومن ثم العالمي دون دراسة معمقة لهذا الأمر ودون قدرتها على تقديم سوية جيدة.

وبهذا المعنى ليس المهم أن تكون المهرجانات عربية إنما من المهم أن تغطي المساحة المحلية في البداية.

مراجعات:

بعد استعراض هذه النماذج المختلفة للمهرجانات المسرحية المتزاحمة، يمكننا أن نجمل ما سبق من منظور آخر وهو:

ما المطلوب من المهرجانات المسرحية السورية؟

بالتأكيد ما من ضير من زيادة عدد المهرجانات وتوسيعها وتفعيلها، خاصة تلك التي حجزت لنفسها مكاناً خارج العاصمة لأن الحاجة لها مع مركزية الثقافة في دمشق.

ومن المهم البدء بالعمل على جعل هذه المهرجانات غايةً أكثر منها هدفاً، وذلك من خلال التفكير جدياً في إيجاد مواسم مسرحية في كافة المحافظات يتم انتقاء أفضل عروضها، فلا تكون هذه المهرجانات عروض بجمهور متواضع ودعواتٍ خاصة لحفلي الافتتاح والاختتام