2020/07/01

خاص بوسطة – جلال رومية

- خروج النحات بهذه النتيجة إنجاز يحسب لكل صناعه

- من الصعب أن يستقل الكاتب بشكل نهائي عن أموال المنتجين

- السبك القصصي في النحات يحتاج لمشاهد ذكي ولدرجة عالية جداً من التركيز

- يجب التمييز بين من ينقد من أجل تحسين نوع الدراما وبين من ينقد تجنيَاً فقط

 

بدأت الكاتبة بثينة عوض أولى تجاربها في الدراما التلفزيونية قبل ثماني سنوات، بمسلسل "نساء من هذا الزمن"، وأثارت حينها الكثير من الجدل، كونها مزجت بين مهنتها الأساسية في عالم الصحافة الاستقصائية، وسيناريو الشاشة الصغيرة، ودخلت عالم الفساد والتلاعب بالأجنة ضمن أحد مراكز التلقيح الصناعي، ومن بعده مسلسل "دومينو" الذي بنيت حبكته على سر تكتشفه زوجة أحد رجال المافيا الاقتصادية، وصولاً إلى مسلسل "النحات" بالجدلية التي أثارها، سواء في شكله الجديد، أو بطريقة عرضه على جزأين، نتيجة الظروف التي فرضها فيروس كورونا.

بوسطة حاورت الكاتبة بثينة عوض، لمعرفة تفاصيل قدومها من ميدان الصحافة الاستقصائية إلى عالم الفن، ثم توجهها إلى سوق الدراما المشتركة، والوقوف على الانتقادات التي وصفت مسلسلها الأخير "النحات" بالممل، وكان لنا الحديث التالي:

- لماذا اتجهت الصحفية بثينة عوض إلى الكتابة الدرامية؟

بدأت عملي بمجال الصحافة الاستقصائية التي تشتبك مع الواقع بشكل مباشر، عملت بها لمدة عشر سنوات، وكنت أبحث فيها عن قضايا مجتمعية وثقافية، وقضايا فساد، ثم أحببت أن أذهب لنوع جديد من الكتابة، خاصة أنه يمكن نقل الواقع والتعبير عنه بعدة وسائل، والدراما هي إحدى هذه الوسائل، ولا يمكن أن ننكر أنها أكثر الفنون تأثيراً على المتلقي، كون الصورة تحقق انتشاراً كبيراً جداً، فكان مغرياً بالنسبة لي الخوض في هذه التجربة.

عموماً الكتابة فعل ممتع ومشوق، ويشكل لي حماية حقيقة تمدني بالقدرة على مواجهة الحياة بقوة أكبر، وهي فعل حياتي لا يمكنني أبداً الاستغناء عنه، رغم أنه عمل مرهق بسبب الوسط الذي نعمل فيه، والشللية والمكائد إن صح التعبير.

- كانت بدايتكِ بمسلسل "نساء من هذا الزمن"، ومن بعده مسلسل "دومينو"، وهما مسلسلان سوريان صرفان، ثم أصبحت تجاربك في الدراما المشتركة، ما السبب؟

من الناحية الشخصية، ذهبت نحو هذا الخيار لتجريب هذا النوع من الدراما، أما من الناحية التي لها علاقة بشروط وأساسيات المهنة، فقد مررنا في سوريا بفترة حرب، وبعض عمليات التصوير انتقلت إلى لبنان والإمارات، وهذا التحول استدعى شروط عمل جديدة، تبتعد عن الدراما الغارقة بالتفاصيل المجتمعية، وتنتج قصصاً لها خصوصية تتعلق بالحالة الدرامية الجديدة، وكون الدراما السوريّة في حالة اشتباك دائم مع الواقع، فإن شركات الإنتاج لم تكن معنية بإنتاج دراما تتحدث عن الوضع الراهن، فما نعيشه بسوريا لا يعني المشاهد العربي، وهذا فرضَ نوع دراما جديد، سمي بالدراما العربية المشتركة.

ووجدت ضمن هذا النوع مساحة جديدة للتجريب، لكن لم أتخلى أبداً عن تحقيق شرط جودة الحكاية التي سأقدمها ومدى جديتها، وإلى أي درجة ستكون جديدة ومختلفة، فالمطلوب من الكاتب في هذا النوع، عدم الاستسهال باختيار الحكاية، خصوصاً أن الدراما المشتركة هدفها الأول ربحي، وهو حق المنتج أو القناة العارضة، وهنا تكمن لعبة الكاتب الذي يجب أن يحقق شرطين، هما الفكر والربح، بالتركيز على عناصر العمل ككل.

وفي الحقيقة شرط السوق الذي يُفرض على المنتج، سينعكس أيضاً على الكاتب والفرضيات التي سيقدمها شئنا أم أبينا، فبعض القنوات تطلب حكاية وفق مقاييس معينة، وهذا ما أرفضه حتى لو كان ضمن الدراما العربية المشتركة، فأنا أقدم حكايتي وفرضيتي الخاصة، التي أعتبر أنها ستضيف شيئاً جديداً.

بالعموم التعاون الفني المشترك لا يقتصر على هذه الفترة الزمنية، فهو موجود من السابق، حيث قدمت مسلسلات شارك فيها كتّاب وفنانون وفنيون من كل الدول العربية، وقدم بعضها باللغة العربية الفصحى، لذلك هذا النمط ليس جديداً، لكن سبب ظهوره بهذا الشكل اليوم، يعود لمعايير السوق الجديدة.

مع كل هذا لا يمكن أن ننكر بأنها تجربة غنية ومثيرة تتعامل فيها مع جنسيات مختلفة، وتحتك بخبرات جديدة تمارس الدراما ضمن ظرف صحي، فهذا شيء مهم جداً. 

- هل تعتبرين أنكِ كاتبة محظوظة، بدخولك السوق العربية بعد عدة تجارب في الكتابة الدرامية؟

لا أعتبر دخول السوق العربية المشتركة بمثابة حظ، بقدر ما هو اجتهاد وتجريب بمساحة جديدة، وهي تجربة بها غنى كبير. على الصعيد الشخصي أنا أميل إلى الدراما السوريّة الخالصة، ولكن من الضروري التجريب بمساحات جديدة، إضافة إلى أن الظروف التي فرضتها الحرب في سوريا، جعلت من سوق الدراما في لبنان والإمارات مساحة آمنة إنتاجياً.

- ما سبب التباعد الزمني بين الأعمال التي قدمتيها؟

الكتابة عمل ممتع جداً، لكنه شاق في ذات الوقت، وتحكمه معايير كثيرة لها علاقة بمتطلبات السوق والإنتاج والقنوات العارضة، لذلك أنا حريصة دائماً على تقديم مشروع درامي حقيقي أقتنع به يشكل لي إضافة جديدة، وأتقدم عبره خطوات نحو الأمام، لذا لست مع أن يكون للكاتب عمل درامي في كل موسم، كما أن بعض الأعمال الدرامية تستحق أن يستمر فعل الكتابة فيها لمدة سنتين أو أكثر، خصوصاً الفرضيات الجديدة التي تضم أنواعاً درامية جديدة، بالتالي من حق الكاتب أن يأخذ وقته.

- بالإنتقال إلى آخر أعمالك، مسلسل "النحات"، هل كانت نتائج عرض الجزء الأول منه مرضية لطموح بثينة عوض؟

أعتبر أن خروج النحات بهذه النتيجة، هو إنجاز حقيقي يحسب لكل صناعه، الذين عملوا تحت ظروف ضاغطة، وهذا نابع من الإخلاص للمشروع اولاً وأخيراً، والجميع عمل على أن يصل العمل إلى الشاشة بطريقة تحترم عقل المشاهد رغم جائحة كورونا التي شكلت تهديد حقيقي دفع العديد من الشركات إلى التوقف عن التصوير كلياً.

- هل نقلت الصورة في مسلسل النحات نصك إلى الشاشة بأمانة؟

ضمن الظرف المتاح والاستثنائي أجاد المخرج مجدي السميري إدارة النص بحيث يصل إلى المتلقي بأفضل صيغة بصرية ممكنة وجديدة وممتعة. 

- ألا تعتقدين أنه كان من الأفضل عرض المسلسل كاملاً بدل تقسيمه إلى جزأين؟

كنت أتمنى أن يعرض العمل كاملاً، فهو سُبك على أساس 30 حلقة، لكن الظروف حكمت بذلك، وموضوع التأجيل كان غير متاح.

ويجب أن أنوه إلى أن اجتزاء العمل لم يكن مخططاً له، ولم يكن مكتوباً على أساس 15 حلقة، ففي العشاريات أو الـ 15 حلقة، تكون بنية الحكاية قائمة على أحداث متسارعة تخطط لبداية ونهاية وذروات ضمن هذه الحلقات، ولكن تعرضنا لظرف استثنائي بسبب كورونا، دفعنا لصياغة نهاية جزء يتألف من نصف العمل فقط.

- هل سيتطلب منك تقسيم العمل إجراء تعديلات على خطوط الحكاية والأحداث في الجزء الثاني؟

بالتأكيد، كون التعديلات في الجزء الاول طالت آخر حلقتين، حيث تم تقديم أحداث من حلقات متقدمة في العمل لتشكل نهاية جزء، مع الإشارة إلى أن هناك مشاهد من الحلقات الخمس عشرة الأولى التي عرضت على الشاشة لم يتم تصويرها، بسبب إيقاف التصوير لأكثر من مرة فتم ايجاد حلول اخراجية لها خصوصا جراء صعوبة العودة إلى "اللوكيشنات" من جديد بسبب ظرف كورونا، لكن وبالرغم من كل ما مر به العمل من ظروف حقق نجاحاً كبيراً.

- كيف تلقيت ردود أفعال الناس على المسلسل؟

كنت أسمع آراء إيجابية ومشجعة، ويمكنني القول إن العمل جاذب، يضم توليفة كفيلة بإثارة اهتمام المتلقي، باسل خياط ممثل مغناطيس، أدى ثلاث شخصيات ببراعة، دون أن يكون هناك أي تشابه ولو بشيء واحد بينهما، فضلاً عن وجود كيمياء عالية جداً بين جميع الممثلين، ومثلهم المخرج والماكيريون والفنيون، واستطلاعات الرأي تؤكد ذلك، إذ حصد فيها النجم باسل خياط والنجمة أمل بشوشة نسب عالية كأفضل ممثلين عربيين بالدراما المشتركة، كما حصل المسلسل على أعلى نسبة مشاهدة بالإمارات والمغرب والجزائر، وعلى قناة أبو ظبي. 

- ما تعليقك على الآراء التي قالت بأن مسلسل النحات يتصف بالملل؟

مسلسل النحات أراد بمقترحه الحكائي وحلوله الإخراجية الجديدة، أن يشكل حالة مختلفة عن الدراما السائدة، فرضية من النوع الصعب، ذهبت فيها للتجريب بمساحة جديدة، وحبكة  تتطلب درجة عالية جداً من التركيز، ويحتاج في الحقيقة لمشاهد ذكي، فالمشاهد الملول الذي يرغب بمشاهدة مادة ترفيهية، لا يمكن أن ينجذب لهذا النوع من الأعمال، وكنت مدركة لهذه الحالة، لكنني راهنت على الاختلاف، وتقديم  نوعاً درامياً جديداً، يساعد المشاهد ويأخد بيده خطوة نحو الأعلى.

نعم بعض المتلقين أرهقهم العمل، لكن هذا لن يجعلني أتوقف عن تقديم فرضيات من هذا النوع، أو التفكير خارج سياق المألوف، أو بناء مسلسل تلفزيوني وفق معايير ومخططات لم تكن موجودة من قبل.

أما فيما يتعلق بالنقد الذي تعرض له النحات، أؤكد أن الاشتباك مع العمل الفني وانتقاده حق أصيل ومتاح للجميع، لكن يجب التمييز بين من ينقد من أجل تحسين نوع الدراما، وهذا النقد أحترمه جداً، وبين من ينتقد من أجل التجني فقط، خاصة أن عدد النقاد السوريين الذين ينتقدون بشكل مهني وحقيقي قليل جداً .

وبرأيي كان يجب على من ينقد مراعاة محاولة التجريب، فمن حق أي كاتب سيناريو أو روائي، أن يجرب ويحرك المياه الراكدة، ويتحرك في مساحة جديدة وخاصة، ويتمرد على كل القوالب التقليدية.

وهناك أعمال كثيرة قدمت وتعرضت لعدد كبير من النقد خلال عرضها، لكنها تحولت لاحقاً إلى كلاسيكيات في عالم الدراما، من يجرب يكون تحت الضوء دائماً، وفي عين العاصفة كما يقال، أنا سعيدة وفخورة جداً بتجربة النحات، وفخورة بأننا استطعنا تقديم هذا العمل بظرف صعب جداً، وأعتبر أن حالة الجدل التي أثارها دليل على نجاحه، إضافة إلى بدء عرضه على منصة "نتفليكس"، التي لديها قوانين صارمة في الاختيار، وأرى أن ذلك دليل نجاح قاطع.

- هل ممكن أن نرى بثينة عوض في تجارب أخرى غير الاجتماعي؟

اتمنى تقديم دراما تاريخية يوماً ما، فهي مغرية رغم صعوبتها، وكان لدينا مشروع بعنوان "بنت الباشا"، لكنه لم يبصر النور، وهو تأريخ لدمشق في أربعينيات القرن الماضي، أي حالة تاريخية لا تندرج ضمن أعمال البيئة.

- مؤخراً، أطلق مجموعة من الكتّاب السوريين ميثاق الشرف للكتّاب الدراميين المستقلين، ما رأيك بهذه المبادرة؟

بكل تأكيد أنا مع زملائي الكتّاب في هذه الخطوة، التي احترمها وأؤيدها.

وكنا أيضاً قد بدأنا بتجربة مماثلة قبل سنتين، مع لجنة صناعة السينما، بسبب حالة الاعتداء الكبيرة على الحقوق المادية والمعنوية للكتّاب، وأنا أعرف الكثير من الكتّاب الشباب الذين سرقت مشاريعهم، وكانت كتجربة أولى، وهذا ممكن أن يجعلهم في حالة إحباط.

وهناك أيضاً بعض الأشخاص الذين يرغبون بأن يروا لأنفسهم مكاناً بمشروع الكتابة، من خلال التسلق على جهد الآخرين ومشروعهم وما أكثرهم، كما يوجد هضم حق مادي ومعنوي لنا نحن الكتاب، وخصوصاً في العقود المصاغة التي تكون في معظم بنودها لصالح شركات الإنتاج، لذلك مشروع حماية الكاتب مهم جداً، خاصة أن سرقة الأفكار أو النصوص  كاملة، تتم بشكل علني، وميثاق الكتّاب السوريين المستقلين سيشكل حماية كبيرة لنا. 

- هل الكاتب قادر على أن يكون مستقلاً في مهنة تحكمها أموال المنتجين؟

من الصعب أن يستقل الكاتب بشكل نهائي عن أموال المنتجين، فرأس المال هو المسيطر دائماً، لكن على الكاتب أن يشترط في العقد بنود تضمن له ولنصه الحماية إلى أقصى درجة ممكنة.

- كيف يمكن لهذا الميثاق أن يحميكم، وهو مبني على أساس أخلاقي فقط، أي أنه ليس تشريعاً قانونياً يضمن لكم الحماية القانونية؟

كما أعرف نص الميثاق لن يقتصر على هذه الخطوة، فهنالك خطوات لاحقة يقوم زملائي الكتاب بالتحضير لها، وهذا أمر ضروري خاصة مع وجود استسهال كبير بعملية الكتابة، إضافة إلى سرقة جهد الآخرين من خلال ورشات الكتابة التي يشارك فيها عدد من الكتّاب، فيما ينسب العمل إلى كاتب آخر، أنا لست ضد فكرة ورشات الكتابة، على العكس، أنا معها لكن يجب أن يتم وضع أسماء المشاركين فيها، كما يحصل في مصر.

- تعاقدت مع شركة إيغل فيلمز قبل ثلاثة أعوام على مسلسل بعنوان "دربي" لكنه لم ينتج، ما السبب؟

دربي مسلسل لبناني صرف، كان تجربة ممتعة كثيراً بالنسبة لي، خاصة أن فرضيته إشكالية جداً، تقصيت عنها وعشت مع شخوصه، لكن تم تأجيل العمل لأسباب أعتقد أن لها علاقة بمتطلبات السوق، وأتمنى أن يُنفذ قريباً، فأنا مراهنة عليه بشكل كبير.

- ما الأعمال التي تابعتِها هذا الموسم وأحببتها؟

تابعت مسلسل أولاد آدم وليالينا 80، بالإضافة إلى مسلسل لعبة النسيان.

- ما النص الذي أعجبت به هذا الموسم؟

أحببت نص مسلسل ليالينا 80، فهو مسبوك بحرفية عالية، وأعتبر أن إياد نصّار ورقة رابحة في أي عمل يتواجد فيه. لذلك أوجّه مباركة كبيرة لكل صناع المسلسل الذين أمتعونا بشكل كبير.