2012/07/04

البيئة الدمشقية...بين التوثيق «بتصرف» والتكرار الأعمى
البيئة الدمشقية...بين التوثيق «بتصرف» والتكرار الأعمى


تشرين – فنون


«أيام شامية».. «ليالي الصالحية».. «باب الحارة».. «الدبور».. «طالع الفضة».. «الشام العدية» وغيرها الكثير من الأعمال الدرامية التي تحدثت عن الشام وصورت حاراتها وأزقتها وأهاليها لتغدو هذه الأعمال نوعاً وتصنيفاً يطلبه الجمهور في كل موسم..

لكن السؤال الدائم كان: هل كانت هذه الأعمال واقعية وهل نقلت أعمال البيئة الدمشقية واقع الشام بأحداثه الحقيقية وإلى أي مدى وثقت تاريخ المدينة أم كانت مجرد حدوتة لطيفة تمتع المشاهد؟؟

تشرين سألت أهل الفن وناسه ممن شارك في صناعة هذه الأعمال، فكان التحقيق الآتي:

سيف الدين سبيعي

كثير من أعمال البيئة الشامية ذهب باتجاه تجاري في السنوات الماضية، ولم يكن لصناعها همّ سوى الربح والاستفادة من الطلب الكبير عليها من المحطات الفضائية، فعانت من الاستسهال في الكتابة والتوثيق للمرحلة التي تشير إليها، ولو أن بعضها اكتفى بحكاياته من دون الإشارة إلى زمن محدد، لكان الأمر أقل ضرراً، إلا أن بعض هذه الكتابات تجرأ على ذكر الزمن من دون أن يستند إلى الحقائق التي ترتبط به. وأنا أرفض معظم ما يقدم تحت عنوان «الحارة الشامية»، لأنها تقدم فانتازيا تاريخية مسطحة تشوه تاريخ الشام، رغم غنى هذا التاريخ بالأحداث والقصص التي يمكن الاستناد إليها في تقديم أعمال مهمة جداً، وهي المدينة التي تمتد جذورها في أعماق التاريخ وتعد أقدم مدينة مازالت مأهولة في العالم، وأظن أن هذا ظهر في آخر عمل بيئي قدمته وهو «طالع الفضة» حيث قمت بالتركيز على تاريخ دمشق الحقيقي، وعرضت بعضاً من الأمور التي غيبتها الأعمال الأخرى، وأهمها التسامح الديني في المجتمع الشامي، والمكانة التي تتمتع بها المرأة، وطبيعة العلاقات الاجتماعية بين الأهالي، والتي تختلف تماماً عما حاولت أعمال أخرى تكريسه، فالحارة الشامية لم تكن منعزلة عن محيطها مثل «الكانتونات»، بل إن دمشق كانت على مدى التاريخ- ونظراً لموقعها الجغرافي المميز- محطة مهمة للقوافل التجارية على طريق الحرير، وهي مشهورة بنشاطها التجاري وتجارها.

وفيق الزعيم

أعمال البيئة الشامية هي دراما مهمة جداً جداً ويجب الاعتناء بها لأنها تحكي تاريخاً مشرقاً ومشرفاً ما زلنا نعيش على عظمته وما زلنا نتمنى أن يعود الكثير من العادات والتقاليد التي تمثّلنا بعضها واندثر البعض الآخر وصودر منا بعض باقٍ. فالبيئة في الدراما الشامية هي تاريخ مرت به بلادنا صنع مجدها وصنع كل عظمتها وزرع كل الأشجار التي نقطف كل ثمارها الآن... إذاً من حيث المبدأ علينا أن نحافظ باحترام وإجلال وعناية فائقة على هذه البيئة التي تستحق أن تكون حاضراً بتطورها ولمساتها الحديثة والمتطورة وتستحق أن تكون مستقبلاً مشرقاً ومشرفاً.. أما فيما يتعلق بالدراما والمسلسلات التي تقدم هذه البيئة فهناك تفاوت وهذا التفاوت فصّل في ثلاثة مستويات: بعض المسلسلات التي تندرج تحت عنوان البيئة الشامية أساءت إساءة بالغة وظالمة لهذه البيئة فهي لم تستطع أن تقدم الحقيقة ولا كيف كانت تلك البيئة لا وثائقياً ولا روائياً ولا انعكاسها على المجتمع، إذ لم يكلف الكاتب نفسه لا بقراءة كتاب ولا بزيارة متحف ولا بالتحدث إلى أهل هذه البيئة، ومن بقي منهم فأتى عمله مشوهاً مزوراً لهذه البيئة. القسم الثاني قدم بيئة شامية لكنه لم يقدم ما هو مشرق منها وما يمكن أن يستفاد منه لا بل انتقى زوايا العتمة والأروقة الفاسدة والحوادث العفنة وجعل منها دراما لا تمثل تلك الفترة أو الحقيقة لأن أولئك الناس هم أصلاً رفضوها ولم يعترفوا بها وكانت دخيلة عليهم وعليها.

أما القسم الثالث فقد كان باراً وفياً مخلصاً نبيلاً، باراً بأهله وبلده وبيئته، وفياً وأميناً لعائلته وجذوره وللحقائق التي لم يشوهها فقدم بيئة نظيفة اعتمد على ما كتب عنها وعلى ما استقاه من الناس الخيرين وأصحاب المعرفة وكلف نفسه بالقراءة والمعرفة والسؤال فكان عمله حقاً دراما بيئة صادقة وأمينة..... أنا برأيي عندما نكتب أو نقدم عملاً بيئياً لا نريد من خلاله أن نقول للناس. عودوا لذلك الزمن وعيشوا حياته أو تصرفوا كما كان يتصرف أهله، لا بل نريد أن نقول لهم: هذا ما كان عليه الناس في زمن تسمونه أحيانا زمن التخلف.. فماذا قدمتم في زمن التقدم وزمن الحضارة؟ هل استفدتم من ماضيكم وماذا ستحملون أو ستتركون لمستقبل أولادكم..؟ هذا ما تركه لنا أجدادنا فماذا سنترك لأحفادنا؟! هذا هو السؤال..

الفنان ميلاد يوسف

البيئة الشامية بيئة غنية ومحاورها متنوعة لكن هناك مع الأسف بعض من التقليد والتكرار إذ باتت معاييرها الفنية جاهزة، وأظن أنه في حال بحث الكتاب والمخرجون بشكل أكبر فيمكننا أن نخرج من هذا التقليد الذي نشاهده دوماً، فمثلاً أغلب هذه الأعمال تدور أحداثها ضمن إحدى حارات الشام من دون التطرق إلى ما هو خارج هذه الحارة.. لنفترض وجود عمل ما يتحدث عن الريف في ذلك الوقت بهذا قد نخرج قليلاً من الشكل التقليدي السائد، أو مثلاً يمكننا طرح أعمال تتحدث عن فترات ومراحل متنوعة بتواريخها وظروفها فالشام مرت بالكثير من الظروف والحقبات التي إن وثقت بشكلها الحقيقي فستنتج أعمالاً شديدة الروعة فمثلاً كان في سورية برلمان ومواقف قومية حقيقية وأحزاب مختلفة والكثير الكثير من المثقفين والكتاب والأبطال الذين سطّروا تاريخاً براقاً له الحق علينا في أن نستعيد ولو جزءاً منه.

أنا لا أتهم هذه الأعمال جميعها، فهناك العديد منها كان أقرب للواقع ومميزاً فعلاً لكن سلبية هذه الأعمال تكمن في عدم توثيقها لأحداث وتواريخ حقيقية بل كانت في أغلبيتها عبارة عن حدوتة شامية نُظمت حسب رؤية كاتبها ومن ثم مخرجها.. وأعمال البيئة الدمشقية في رمتها مرغوبة بشكل كبير من قبل الجمهور وهذا لا يمكن لأحد أن ينكره وربما هذا ما دفع بشركات الإنتاج لإنتاج هذا الكم الكبير من أعمال البيئة فهي رابحة لا شك وأنا كممثل أحب المشاركة في هذه الأعمال وتقديمها لكنني في الوقت نفسه حريص جداً على العمل الاجتماعي الذي أعده اللون الأول الذي قدّم الدراما السورية بالشكل الصحيح.


الفنانة وفاء موصلي

من وجهة نظري لا يمكن أن نطلق حكمنا على أعمال البيئة الشامية بأنها متشابهة ومكررة بوجه عام، فالتشابه يظهر في العادات والتقاليد وصورة تلك الفترة بينما هي مختلفة كل الاختلاف بأحداثها وشخصياتها ولكل عمل خصوصيته التي تميزه وهذا التشابه ينطبق على أي عصر، فنحن نتحدث عن فترة محددة ونتناول حقبة محددة فمن الطبيعي أن تكون الأعمال التي تتحدث عن الحقبة نفسها فيها ما هو متشابه فالسلوكيات نفسها والأزياء نفسها والتقاليد نفسها.

أما عن استناد هذه الأعمال لوقائع سياسية واقتصادية فنجد أن هناك بعض الأعمال التي كانت لها أهميتها في هذا السياق، وأخرى لم تهتم بالتوثيق أو خلفية الفترة سياسياً واقتصادياً وإنما تركيزها الرئيس كان على وجود حدّوتة ممتعة تشد المتابعين، ولا ننكر أن هناك بعض الأعمال تهاون منفذوها في تفاصيلها ومقوماتها بسبب زحمة الإنتاج السريع لكن الحكم لا يُطلق على جميع الأعمال طبعاً.

ويبدو أن الطلب الكبير من قبل المشاهدين للأعمال البيئية هو ما جعل شركات الإنتاج تتسابق لإنتاج أعمال تحكي قصص أهل الشام وحكاياتهم وبالتالي نحن يجب أن ننتج ما يريده المشاهد فمثلاً الأفلام المصرية في زمن ما كانت في أغلبها تصوّر روايات عالمية وفي إحدى الفترات كان الغالب أفلام النهايات السعيدة وأحياناً الأفلام الرومانسية أو التاريخية وكان إقبال الجمهور هو المحدد الأول لما يُنتج.

البيئة الدمشقية في معظمها لامست ما يطلبه الجمهور العربي وهذا برأيي السبب الأول لانتشارها، فمثلاً هي تتحدث عن الأخلاق النبيلة والتضحيات والشرف والبطولات، أثارت الرجولة عند الرجال وتحدثت عن المقاومة والنضال وصوّرت الشام بعراقتها فكانت محور متابعة واهتمام من قبل المشاهدين. ولكن رغم تنوع هذا النوع من الأعمال إلا أنها لم توثّق برأيي الأحداث الحقيقية فحتى الأعمال التي تناولت المناضلين والمناضلات والأبطال والمجاهدين فهي لم تعطهم حقهم على الإطلاق، وأنا من وجهة نظري -ككاتب للعديد من أعمال البيئة الشامية- أؤكد أننا نقدم في هذه الأعمال حدوتة شامية لطيفة يدخلها المحور السياسي والظرف السائد سواء أكان في فترة الاحتلال الفرنسي أم العثماني.

ولا ننكر أن هناك الكثير من الأعمال شوهت الواقع الصحيح لتلك الفترة لكنها لم تكن تهدف في الأساس لتوثيق حدث أو فترة وإنما كانت غايتها تقديم حكاية لطيفة يتفاعل معها الجمهور ويتابع مجرياتها بشغف وصولاً للمشهد الأخير.. وحقيقةً نحن نعيش ظرفاً سياسياً واقتصادياً صعباً سواء على الصعيد العالمي أو العربي ونشرات الأخبار كافيةً ووافية، لذلك فنحن نحاول بعرضنا أعمال كهذه أن نخفف بعضاً من أعباء المشاهد ونحاول التركيز على المحبة والتآخي والقيم الوطنية أكثر من تركيزنا على الأحداث السياسية والاقتصادية وشخوصها فشخصيات عريقة كعبد الرحمن الشهبندر والشهيد عدنان المالكي وغيرهما الكثير لهم حقهم علينا بأعمال توثق منجزاتهم وتعطيهم حقهم.


الفنان أيمن بهنسي

أعمال البيئة الدمشقية لم تنقل الواقع الذي كان سائداً بشكل دقيق فهناك كثير من التفاصيل كان الكاتب والمخرج يتجاوزانه وأيضاً هناك ما كانا يجهلانه فينبههما إليه الممثلون القدامى والكبار في السن الذين عايشوا ذلك الزمن وربما بسبب رغبة الناس بمتابعة هذا النوع من الأعمال وانطلاق مسلسل «باب الحارة» بدأت الأعمال البيئية بالانتشار كونها الأكثر طلباً، فكانت شركات الإنتاج تنتجها وبكثرة حتى من دون وجود مصداقية أو توثيق في كثير من التفاصيل كوجود باب للحارة يغلق ويفتح على أهاليها ووجود كهرباء ومخفر وغيرها من التفاصيل هي ليست بالضرورة موجودة في جميع الفترات ولكن بعض الكتاب يستسهلون الموضوع ويحذون حذو بعض الأعمال من دون معرفة حقيقية أو دراسة عميقة للفترة التي يكتبون عنها، وهناك تشويه واضح في بعض الأعمال حتى بأدق تفاصيلها، فحتى اللباس لم يدرس بطريقة صحيحة، مثلاً في العام 1920 كان والدي موظفاً ولديه صور ببدلة رسمية وكرافة وليس بـ «شروال» وأساساً ما كان يرتديه أجدادنا هو «القنباز» بينما «الشروال» كان للأتراك وبما أن الاحتلال العثماني حكم بلادنا أربعمئة عام فبات لباسنا قريباً جداً من لباسهم، وأيضاً وضع الخنجر على خصر رجال الحارة هو تصرف افتراضي إذ لم يكن يجرؤ أحد على السير وبحوزته خنجر فهو يعد سلاحاً خطيراً، وتالياً فنحن متفقون على أن مهمة هذه الأعمال البيئية هي عرض رواية مسلية ممتعة تجذب المشاهد العربي ليس إلا.

الفنان حسام تحسين بيك

برأيي الشكل العام للأعمال البيئية التي عرضت خلال الفترة الأخيرة كان شامياً بهيئته وإنما مضمون أحداثه غير منطقي وليس واقعياً فعندما كان هناك للحارات أبواب لم يكن هناك كهرباء وعندما دخلت الكهرباء بيوت الناس كانت أبواب الحارة قد زالت، وبهذه الأعمال يخلقون أبطالاً وهميين وشخصيات غير حقيقية محببة للناس على الرغم من غنى تاريخ الشام بالمثقفين والأدباء والأبطال فلم يكن الجهل موجوداً بالكل الذي يصورونه فهناك الكثير من العقول المتنورة التي تميزت في تلك الفترة بثقافتها، ولكن الموضوع ككل يصب بمصب التجارة فممولي هذه الأعمال هم الذين يفرضون كثرتها وتعددها فالعملية برمتها بدءاً بالكاتب مروراً بشركة الإنتاج والمخرج وصولاً إلى الفنانين والفنيين هي برمتها تجارية وتتبع لذوق المشاهد وما يمتعه فنحن صحيح أننا نشاهد أعمالاً بيئة دمشقية إلا أنها مع الأسف مشوهة.


المخرج تامر اسحق

أعمال البيئة الدمشقية حقيقةً لم تنقل الواقع قديماً فهي أصلاً أعمال فانتازيا تاريخية بعادات وتقاليد نحاول الحفاظ على بعضها، ولكن القصص التي تُطرح من خلال هذه المسلسلات فيها مبالغات كثيرة وذلك بما يرضي المشاهد وليس بما يرضي دمشق، فدمشق بحاجة لأعمال تتحدث عن تاريخها العريق والجميل والمميز.

وهذه الأعمال فرضت نفسها كأعمال ممتعة تعرض في شهر رمضان تحقق خاصية التلفزيون المميزة وهي الترفيه والتسلية، وكي لا نقع بفخ التشابه والتكرار نحاول التركيز على قصة العمل أي الحدوتة بحد ذاتها وأنا سبق أن أخرجت العديد من أعمال البيئة وحالياً أصور مسلسل «الأميمي» والذي يتحدث في بعض جوانبه عن بعض التفاصيل السياسية وانعكاسها على الواقع الاجتماعي في فترة خروج إبراهيم باشا وعودة العثمانيين ويتطرق لذكر الصوباشية والحكمدارية وغيرها فكل عمل بيئة له أحداثه وحكاياته التي تمتع المشاهد وينتظرها بترقب.

الفنانة سحر فوزي

لا يوجد في الدراما ما هو تسلية لمجرد التسلية فمهمة الدراما هي إيصال رسالة محددة للجمهور وفي حال لم تصل هذه الرسالة فهذا يعني أنها لم تحقق شرطها. وأعمال البيئة الدمشقية سلطت الضوء على زمن معين عاشته سورية من خلال حارة أو مدينة أو مجتمع ما، وعلى الرغم من أن بعض هذه الأعمال قد شوهت صورة الشام أو المرأة في تلك الفترة بجعلها من دون شخصية وذات إرادة مسلوبة لكن بالمقابل هناك أعمال أخرى كانت متميزة فعلاً فكان من أجمل الأعمال التي شاركت فيها مسلسل «دمشق يا بسمة الحزن» المأخوذ عن رواية الكاتبة إلفت قمر باشا الإدلبي والتي حكت فيها عن دمشق في فترة الاحتلال الفرنسي ومشاركة المرأة الفعلية في تلك الحقبة حيث كان لها رأي سياسي وحضور قوي اجتماعياً فكانت الأم والزوجة والمربية والمناضلة ضد الاستعمار... وأنا أتمنى فعلاً أن ننتج أعمالاً كهذه تروي الواقع الجميل وتصور الوجه المضيء للشام.

ولعل الشعبية التي حققتها أعمال البيئة الدمشقية كانت السبب في جعل المنتجين يتهافتون لإنتاجها، فالجماهيرية العالية التي حصدتها هذه المسلسلات لاسيما في شهر رمضان كان سببها التطرق لموضوع التاريخ والتراث الذي نحبه والعادات الجميلة وطرح هذه القضايا بأسلوب بسيط وعفوي جعل النسبة الأكبر من الناس عربياً وليس فقط في سورية تطلبها، وهناك بالمقابل وجهة نظر أخرى تقول أن بعضاً من أعمال البيئة قد أساء لدمشق وأهلها ونُفذ بطريقة ليست دقيقة وعرض من دون أن يفكر صانعوه بما قد يتركه من آثار سلبية مهتمين بالربح والتجارة فحسب.

الفنانة أمية ملص

أعمال البيئة الدمشقية هي مجرد حدوتة لم تنقل واقع دمشق بتفاصيله الكاملة وأحداثه وتواريخه وإنما تجسدت مصداقيتها في شكل البيوت والحارات وتفاصيل أخرى.

فذلك الزمن، وحسب الروايات التي سمعناها من أهالينا، كان مليئاً بالمثقفين والمتعلمين وأشخاص يشاركون بالنشاطات الثقافية والاجتماعية وحتى السياسية ولكن دورهم كان محدوداً، ومع وجود هذه السلبيات لكن الطلب على هذه الأعمال يتزايد موسماً تلو الآخر فالناس يستمتعون بمشاهدة التاريخ الغني والعريق والبيئة الجميلة والحارات الحميمة والشخصيات البسيطة وحتى الشريرة منها.

ولا نستطيع أبداً أن ننكر أن هناك سبباً تجارياً قوياً خلف إنتاج أعمال البيئة بكثرة وذلك بسبب سهولة بيعها وطلبها من قبل الجمهور والفضائيات.

الفنان علي سكر

أعمال البيئة الدمشقية تعتمد على الأبيض والأسود، أي على الخير والشر وفي كثير من الأحيان نضطر لخلق مبالغات في الأحداث المكتوبة كي تضفي على العمل تشويقاً أكبر، وأعمال البيئة الدمشقية كغيرها من الأعمال فيها ما هو سلبي وفيها ما هو ايجابي فهناك مسلسلات كان فيها نوع من الابتذال شوهت بشكل أو بآخر تاريخ الشام العظيم في حين عرضت أعمال أخرى تلك البيئة بشكلها الحقيقي فالشام هي عراقة لكل سورية وهي بلد الشهامة والشرف والقيم الاجتماعية النبيلة التي لا يجب أن تندثر على الإطلاق، والجميل في هذه الأعمال أنها تعرض للجيل الجديد كيف كان يعيش أهاليهم وأجدادهم أملاً في تأثر هذا الجيل بالأجيال القديمة بشكل إيجابي. وأنا كممثل أؤكد أنني أستمتع فعلاً عند مشاركتي في هذا النوع من الأعمال خاصةً بعد مشاركتي في مسلسلات عدة منها «بيت جدي»، «الشام العدية»، «الدبور» بجزأيه وغيرها، وكنت سعيداً بهذه التجارب فمهما تحدثنا عن سلبيات هذه الأعمال لن نستطيع إنكار جماهيريتها وسطوتها القوية على المشاهدين.


الفنان عمر حجو

الدراما السورية متألقة ومتميزة منذ بداياتها الأولى ففي العام 1959 بدأ المسرح القومي بتقديم المسرحيات العالمية وجذب جمهوراً كبيراً، وفي الستينيات كان مهرجان دمشق للفنون المسرحية «سعد الله ونوس» وكان قوياً جداً وانتقدنا السياسة ليحل فيما بعد مسرح الشوك في المرتبة الأولى ويخلق لوناً جديداً متميزاً.. حتى المصريون آنذاك لكم يكونوا يعرفونه، وبعدها جاء الفنانان دريد ونهاد وأعمالهما المتميزة.. ما أريد إيصاله هو أن الفنانين السوريين منذ بداياتهم سواء أكانوا كتاباً أم مخرجين أو ممثلين هم مثقفون بدايةً وأعمالهم تحكي عنهم وفي حال جاءت الفضائيات وفرضت نوعاً ما وأنتجت الدراما عدة أعمال بيئة شامية لم تكن بالمستوى المطلوب فهذا لا يعني أن الدراما قد تراجعت بل الفكرة الأساسية هي أن الكثير من ممولي هذه الأعمال هم رؤوس أموال خليجية وسعودية وهؤلاء يسيرون حسب مقولة المصريين «الجمهور عايز كدة» فينتجون الأعمال التي يطلبها المشاهد أياً كانت، وفي المقابل نحن دوماً نجد كتّاباً ومخرجين مبدعين فعلاً وأعمالهم لا تموت. أخيراً، أتمنى من صنّاع هذه الأعمال أن يصوروا الحياة الحقيقية التي عاشها أهالي الشام كي نتذكر كيف تربينا وفي دمنا أحاسيس الوطنية العالية ونشاهد عراقة الشام وعزتها.

وفي رأيي الشخصي فإن تنوع الأعمال والمواضيع التي طرحت في الدراما السورية كان هو السبب الرئيس في تطور الدراما وقفزتها هذه القفزة النوعية لذلك آمل ألا تقع درامانا في فخ التكرار، فلماذا إنتاج خمسة أعمال بيئة دمشقية خلال الموسم الواحد ؟! أنا أعتقد أن عملاً حقيقياً واقعياً يرصد خفايا وجمالية دمشق ينفذ في كل عدة سنوات أفضل، أي «عمل مميز كل عدة سنوات أفضل من خمسة أعمال عادية في الموسم الواحد».

آراء مختلفة ووجهات نظر متعددة لكن هذه المرة اتفق الجميع على أن «أعمال البيئة الشامية» لم تنقل واقع الشام بأحداثه وتواريخه الموثقة، لا بل لم تعط عراقة دمشق حقها وإنما كانت عبارة عن حدوتة لطيفة ورواية ممتعة فرض وجودها طلب المشاهدين العرب وليس السوريين فقط، لتتسابق شركات الإنتاج إلى إنتاج العديد منها في كل موسم.