2012/07/04

الجولان في الدراما.. الابتعاد عن شجرة الحياة الخضراء
الجولان في الدراما.. الابتعاد عن شجرة الحياة الخضراء

أحمد الخليل – تشرين دراما

اتخذت قضية الجولان السوري المحتل في الدراما السورية شكل الهبات النشطة أحيانا والخمول والكسل غالب الأحيان، فكلما برزت قضية الجولان والاحتلال الإسرائيلي له في بعض المناسبات السياسية تثاءب الدراميون وشركات الإنتاج لإنتاج أعمال تعالج قضية الجولان الوطنية وهمجية الاحتلال وتمسك السوريين هناك بالهوية الوطنية السورية، أي إن استلهام القضايا الوطنية عامة والجولان خاصة في بعض الأعمال التلفزيونية لم يكن ضمن خطة واضحة وإنما ارتجالا مناسباتيا يلحق بالسياسة، وهذا أسوأ ما بالفن، فالفن استشراف وإعادة صياغة للواقع والحياة، في حين السياسة هي موقف اللحظة الخاضع للمصالح والتكتيك والتجاذبات الدولية والإقليمية...

من بين الأعمال التي تطرقت للجولان مسلسل (رجال الحسم) للمخرج نجدت أنزور والعمل يتحدث عن معاناة أهل الجولان في القرى الجولانية، حيث يصور وقائع الحرب التي أدت إلى النزوح وفترات محادثات السلام غير المباشرة. ‏

وتدور أحداث الفيلم السينمائي (شيء ما يحترق) للمخرج غسان شميط حول قضية النازحين وكيف تركوا ديارهم وهم مكرهون على ذلك أعقاب نكسة حزيران.. وركز الفيلم على حلم الآباء بالعودة إلى المكان الذي ولدوا فيه، فالشريط الحدودي الذي يفصل الجولانيين عن بيوتهم وأرضهم يظهر في الفيلم كحاجز للحلم في الوصول إلى الأرض المشتهاة المليئة بالذكريات فالحنين يؤلم القلوب وهم ينظرون إلى قراهم الملوحة لهم عبر الشريط الحدودي.. ‏

ومنذ عدة سنوات طرحت الهيئة العامة للإذاعة والتلفزيون مسابقة الجولان في القلب حيث فازت مجموعة من النصوص الدرامية وكلها تركز على موضوعة الجولان..ومن الأعمال التي فازت فيلم (الأمانة) تأليف جمال جنيد وأخرجه زياد الريس وفيلم (شجرتا تفاح) للمؤلف فراس نعسان و فيلم (الأبتر) سيناريو أبي حسن عن رواية للراحل الكبير ممدوح عدوان، والفيلم التلفزيوني (عندما يضحك الياسمين) تأليف أنور عمران وإخراج خالد عنجوكة ويتحدث الفيلم عن التزام المواطن السوري بأرضه من خلال قصص الحب والوطنية المزروعة فيه وإحساسه الفطري حيث لا بديل عن ذلك.‏ ‏

ومن الأعمال السابقة التي روجت لها الإذاعة والتلفزيون بشكل كبير فيلم (الأمانة) لجمال جنيد مؤلفاً وزياد الريس مخرجاً وعرض الفيلم في عدة أمكنة وأعيد على التلفزيون مرارا وتكرارات ‏

يتحدث الفيلم عن عائلة نزحت من الجولان جراء الاحتلال الإسرائيلي عام 1967 وأقامت في بقعة محررة قرب الشريط الشائك المطل على الجزء المحتل. ‏

ويركز الفيلم طوال (85 دقيقة) على الصراع بين العودة للجولان والهجرة بعيدا عنه، ليحسم الصراع في النهاية بعودة رمزية من خلال التأكيد على حمل بندقية المقاومة.... ‏

ويبشر الفيلم بأن الأرض ستعود إلى أصحابها مهما طال الزمن وطريقنا لن يقف عند الجولان، وإنما سيبدأ منها باتجاه القدس القضية المركزية للعرب.. ويقول الفيلم: إن المقاومة يجب أن تستمر حتى تحرير الأرض. ‏

تميز نص فيلم الأمانة بالبساطة الشديدة والمباشرة في الطرح الأمر الذي أدى إلى إضعاف مضمون العمل. و المعالجة الرومانسية والمقولات المباشرة جعلته فيلما وكأنه موجه للهواة أو للطلائع. ‏

فهل يمكن أن تتواصل العائلة قرب الشريط مع أقاربها عبر الحمام الزاجل؟ وطوال الوقت لا تتحدث العائلة إلا عن البيت والعودة والاحتلال وبشكل شاعري، إضافة للسذاجة في المعارك وإظهار العدو بمظهر الغبي، حيث يستطيع المقاتلون والمناضلون عبور الشريط المحتل بمنتهى السهولة من دون أن يشعر بهم العدو الغاصب كما أن طريقة إخفاء البندقية ورمزيتها المكررة في الدراما باعتبارها (الأمانة) التي يجب توريثها للأخ لمتابعة النضال..بدت كاريكاتورية في إطار خطابي مباشر مسيء للفن. ‏

المثال السابق يظهر أن الأعمال التي تتنطح للقضايا الوطنية عموما تسعى لإظهار البطل «السوبرمان» الذي لا يقهر أي لا تسعى لإظهار العمق الإنساني والحياتي للشخصيات فدائماً البطل منتصر والعدو مهزوم عبر ثنائية قاتلة للفن تسطح الواقع وتبتعد عن غايات الفن ومنطق الدراما. ‏

فالناس في الجولان مثلا يعيشون ويعملون ويحلمون ويتزوجون ويتوالدون ويناضلون ويقاومون في الوقت نفسه، أي الحياة مستمرة رغم الاحتلال والظلم والقمع فالحياة ليست مناضلاً وعدواً متقابلين طوال الوقت كل منهما يفكر في قتل الآخر والانتصار عليه بل هي صراع وحب وهدنة ومفاوضات ودماء وهزائم ونصر وأحلام منكسرة... ‏

كل ذلك يجعل الدراما التي تنطحت للقضايا الوطنية خالية من العمق الدرامي والإنساني تركز على الجانب السطحي فقط وتتغافل عن نهر الحياة ومائه الرقراق الذي يجري في العمق ويصنع عظمة الحياة..‏