2012/07/04

«الخربـة» على تخوم الحب والحرية
«الخربـة» على تخوم الحب والحرية


حسني هلال - البعث


لم يعد مثار خلاف أو اختلاف في أيامنا، ما للتلفزيون من مكانة بين وسائل الإعلام، ولا ما للدراما من مساحة وأثر في نفوس الناس وأحاديثهم واهتماماتهم، بخاصة الدراما الكوميدية. التي يجمع النقاد والعارفون على صعوبتها وخطورتها، وبالتالي أهميتها في حياة الفرد والمجتمع.

كما ويحسب للدراما عندنا، تقدمها الواضح على سائر قنوات الإعلام، في رفع سقف نقدها وجرأتها واقتحامها، مواضيع بقيت إلى وقت قريب مضى في مربع المحرمات.

النص الكوميدي

يبقى النص في الكوميديا، كما في باقي أنواع الدراما، في أولى الركائز التي يقوم عليها البناء الدرامي، إن لم نقل أولى تلك الركائز على الإطلاق.

مع ما للكوميديا بعامة وللضحك بحد ذاته، من مسوغ في احتياجات الإنسان، في عصرنا المتجهم، فقد عودنا الدكتور ممدوح حمادة على كوميدياه "السيااجتماعية" التي تسبغ على ضحكنا نكهة راقية وذكية. مثال ذلك، الأسلوب البسيط والألفاظ المحلية، التي يعبر بها شباب قرية الخربة(إحدى قرى سويداء سورية) عن نفاد صبرهم من التعصب الأحمق والجمود الأخرق، في أفكار آبائهم وأجدادهم، التعصب والجمود، اللذين عانت منهما غير بلد وتنظيم وحزب في منطقتنا وما تزال.

مسلسل الخربة

ينتمي مسلسل الخربة، تأليفاً /سيناريو/ وحواراً، للدكتور ممدوح حمادة، صاحب أعمال: بطل من هذا الزمان.. مرزوق على كل الجبهات.. مشاريع صغيرة .. ضيعة ضايعة.. بقعة ضوء وغيرها.

وليس بخافٍ على مَنْ شاهد تلك الأعمال (كلها أو بعضها) ما يحرزه نص "حمادة" استظهاراً.. استبطاناً.. تلميحاً أو تصريحاً، من تخطيات نقدية بعضها غير مسبوق. تغمز من قناة السياسة والسياسيين.إلى ذلك،  يمتاز نص "حمادة" الذي يمتح من تجربته الحياتية ومعارفه الثقافية كيساري ماركسي،  بمستواه الأدبي البادي،  ومزاجه الدرامي الساخر. الصادرين عن خلفية صاحبهما كقاص أولاً ورسام كاريكاتير ثانياً وتالياً سيناريست. ما يعطي أعماله الدرامية مسحة أدبية وبعداً كاريكاتيرياً.

في البطولة

تعتمد الخربة تأليفاً وإخراجاً، على البطولة الجماعية، التي يشترك فيها كامل فريق العمل، بما فيه بيئة العمل: المكان / اللباس/ الإكسسوار/ اللهجة. يضاف إليها هنا، زمان العرض. الذي جارى الأحداث الانتفاضية عربياً ومحلياً، إلى حدّ يمكن معه الزعم: أن بعض الحلقات، كان يتم إنجازها بالتواصل مع المستجدات على الساحة: تلاقيها في بعضها.. توازيها في بعض تالٍ.. واستشرافها في أبعاض أُخرى.

الأمر الذي قلما تجشّمه أو قامر به كاتب أو مخرج، لما يحمله لهما ذلك من مسؤوليات وتبعات، يرى كثيرون أنهم في غنىً عنها وخارج تغطيتها.

عطفاً على ما سبق، لن يكون غريباً إذا ما نسب أحدهم بطولة الخربة لـ دريد لحام ورشيد عساف. ونسبها آخر لشروال أبو نمر وسماعة أبو نايف، وإذا ما رآها أحدهم في راعي العجال "فياض" وجامع الفوارغ "سمعان" لما في أدائهما من تلقائية وتقنية وإقناع، أو رآها آخر في ربى الحلبي "ندى" ومروى الأطرش "كلوديا" لما أحرزتاه كلتاهما، من حضور على الشاشة الصغيرة، وانجذاب من قلوب المشاهدين.

بل لعله لن يكون موضع استفهام ولا مثار استغراب، إذا ما رأى أحدهم أن الأجدر بالبطولة ـ لأسباب مختلفة سبق ذكر بعضها ـ هما ممدوح حمادة والليث حجو. أو ارتأى آخر: أن البطولة الحقة، هي من نصيب الخربة عينها، بشراً وشجراً وحجراً وطرشاً. الخربة التي لم يكن لها ذكر في دعوات المحافظ ولا في زيارات  رئيس المنطقة ولا في اهتمامات مدير الناحية ولا حتى في اهتمامات  "أبوطارق" أمين الفرقة الحزبية في الخربة!.

الخربة التي لم يكن لها وجود على "الخريطة" وصارت أشهر من نار على علم، على أرض الواقع. مسجلة في قائمة القرى السورية السعيدة والمحظوظة، ويقصدها فنانون وأدباء وسياح وسواهم، من مختلف الناس والجهات..

الرسالة والخطاب:

باستطاعة مشاهد الخربة المهتم، أن يخرج ـ كل حسب مكوناته /مرجعياته/ وإمكاناته طبعاً ـ بالرسالة الفكرية.. الخطاب الفني.. أو لنقل الفكرة الرئيسة للعمل، سمها ما شئت. وهي كما يبدو تتمحور حول قولات من مثل:

شدة الضغط تولد الانفجار.. الحرية حاجة ضروأساسية للإنسان.. الشباب والمستقبل صنوان.. آخرة الظلم إلى زوال.. من الصعوبة بمكان، أن تُمتَلك الحقيقة كاملة، من قِبَل شخص أو تنظيم أو مؤسسة، مهما كان ومهما كانت.. الندم في غير وقته لا ينفع.

أسماء وملاحظات:

من الأسماء التي استطاعت أن تخرج من دورها في الخربة بكركتر جديد: دريد لحام ورشيد عساف، بكركتري "أبو نمر وأبونايف" اللذين يجمعهما إلى جانب العقلية القديمة وتقديس العادات والتقاليد، غير قليل من الطيبة والبساطة والعنفوان، ويميزهما عن بعضهما، بطارية السماعة وبيعة الشنتان.

محمد خير جرّاح في كركتر "جوهر" الرفيق الذي بإجادته تقمص دوره ومسك أدواته ـ أثر فينا إيجابياً، وجعلنا نتعاطف معه على ما فيه من سلبيات.

باسم ياخور في كركتر "توفيق" الذي ارتفع به أداؤه وتماهيه مع الدور، إلى حدّ تناسينا معه، إن لم ننسَ، ما سبقه من كركترات له.

محمد حداقي في كركتر "راعي العجال فياض" الذي تنعكس في طلعته، هيبة البادية وبساطة القرية، فيما تضج سريرته بما ادخرته فيها القرية والبادية، من قوة ونباهة وعفوية. كما ويكتسب صوته شيئاً من رتم وإيقاع عجّاله. ويسجل لهذا الفنان إتقانه لهجة المنطقة من دون نواقص ولا مبالغة ولا أخطاء، وهنا نفتح ـ على طريقة توفيق ـ قوساً لنقول أكثر من بعض زملائه في العمل من أبناء المنطقة، نسكّر القوس.

نضال سيجري بكركتر "نعمان بومالحة" كرجل زورباوي (من زوربا) بعشقه الحياة وتزجيتها لعباً ورقصاً وحبّاً. وأرسيني ( من أرسين لوبين) في مغامراته التي لا يعوزها السطو والسرقة. ولا ندري ما المقصود من تفصيل مظهر نعمان وعلى وجه الخصوص البرنيطة والشوارب، على مقاس وملامح إحدى صور الأديب الروسي مكسيم غوركي!

أحمد الأحمد في كركتر "سمعان بوقعقور" ابن الضيعة خفيف الظل والوزن والمصروف، الذي لا يعيبه عمله في جمع الفوارغ وبيعها، ليعتاش من ثمنها. ولئن كان من المتعذر هنا العرض لجميع أفراد أسرة مسلسل الخربة، فلا بد من التنويه بجهد وإجادة كل من الممثلين والممثلات : جمال العلي، رافي وهبي، ممدوح الأطرش، مروان أبو شاهين، شكران مرتجى، ضحى الدبس، حنان شقير و رولا ذبيان.

قولة وإشارة

إذا صح أن الأعمال بالنيّات، والسنين بخواتيمها، كما يقولون في ريفنا. فلن يصح ذلك على كل الأعمال (أقلّه الفنية منها) فالنيّة الحسنة لا تكفي لصناعة مسلسل مثلها، والخاتمة الناجحة لا تبرر البداية الأقل نجاحاً. وإن أجمعت آراء من كتبوا عن مسلسل الخربة ومن شاهدوه، على نجاحه، وشاركنا هؤلاء رأيهم. فلن يحول ذلك بيننا وبين الإشارة, إلى ما وجده بعضهم في العمل، من غموض وتعمية في انتقال النقطة في عنوان المسلسل من الحرية إلى الخربة والعلاقة بينهما. ومن تسطيح وامتهان لشخصية ابن المنطقة لا يبرره القصد والهدف النهائي للعمل. وسلق لحلقات لا تشفع له مجاراة الأحداث. وما رأيناه من بعض الهنات التي شابت نجاح المسلسل: كالمشحة اللبنانية/ الجولانية الغير المبررة، التي خالطت لهجة أبونمر.  الأمر الذي كان يمكن تلافيه، لو أُشير بشكل أو بآخر إلى أصول أبونمر العائدة لتلك المناطق ـ مثلاً ـ  أو لكونه أمضى فترة من حياته فيها. ولا ضير في مثل هذه الحالات بالاستعانة بمستشار لتدقيق اللهجة.

كما لا يشكل عبئاً على العمل ولا على أسرته الفنية، إذا ما أضيفت أسماء أصحاب الأغاني إلى سائر أسماء المشاركين. كأغنيتي الشارة "لكتب ورق وارسلك" من تراث الجبل و"يا ديرتي" للشاعر هايل السلمان. والأغاني الأخرى التي وردت مقاطع منها ضمن الحلقات . كأغنية "يا جبل" للشاعر الشعبي عصام عليوي و"مات والمساس بيدو" و"حلي يا حلي" للفنان فارس هلال.