2014/07/24

جلال شموط في مشهد من «قلم حمرة»
جلال شموط في مشهد من «قلم حمرة»

 

نور أبو فرّاج – السفير

 

 

تعرَّضت أعمال الدراما السورية في موسمها الرمضاني هذا العام لنقد طال تقريباً جميع جوانب العمل الفني، من السيناريو والإخراج وتقييم أداء الممثلين، وصولاً إلى مدى نجاح الدراما في معالجتها الأزمة والاقتراب من الواقع. ولكن لسببٍ ما، نسي الكثيرون أن يسألوا ماذا خسرت الدراما السوريّة بعدما فقدت مواقع تصويرها الواقعية، و«بيئتها الحاضنة»؟ ذلك سؤال قد لا يشغل المشاهد العربي الذي لم يزر دمشق أو غيرها من المدن السورية قبلاً. إلا أنه يصبح عائقاً جدياً أمام تفاعل المشاهدين السوريين الذين يتابعون هذا العام دراما سوريّة، تم تصويرها في بلدان عربية متفرقة، وكان على خبراء الديكور والإضاءة فيها، بذل جهود مضاعفة للبدء من الصفر.. في بناء البلاد.

ظهرت تلك المشكلة بوضوح في مسلسل «قلم حمرة»، حينما يقترح عابد فهد (تيم) في أحد المشاهد على صديقه رامي حنّا (حازم) شراء هدية لزوجته ثم يعلق ضاحكاً: «بهيك وقت ما فيك تشتري غير باقة خضرا من سوق الهال». تلك عبارة كان يمكن أن تمرّ بصورة عابرة في الظروف الطبيعية، باعتبارها تشير إلى واحد من أقدم وأشهر الأسواق في دمشق. إلا أن المشاهد قد يشعر بنوع من «الشيزوفرينيا» لمعرفته أن تصوير العمل قد تم في مدينة جبيل اللبنانية، وأنه من الأفضل لحازم البحث عن سوق أقرب إليه من سوق الهال، لشراء هدية. يتكرّر الشعور ذاته عند ذكر منطقة المهاجرين، وحديقة المعهد العالي للفنون المسرحية، وباب شرقي، وغيرها من الأماكن التي كانت لسنوات مسرحاً حيّاً للأعمال الدرامية السورية. وهذا ما يفسّر اضطرار المخرج حاتم علي، للتركيز على التصوير الداخلي ضمن شقق سكنية ومكاتب ومطاعم مغلقة.. ولكن ما أن تخرج الكاميرا لتلتقط مشاهد خارجية، حتى يعود الشعور ذاته بالاغتراب.

كان يمكن لمسلسل «حلاوة الروح» للمخرج شوفي الماجري أن يقع في «المطبّ الجغرافي» ذاته، لولا اختلاف طبيعة السيناريو والأحداث الدراميّة، خصوصاً وأنَّ أحداث العمل تتوزَّع بين مصر والإمارات ولبنان وسوريا، بحيث يمكن للمشاهد أن يتنقّل مسافراً مع الكاميرا، وينسى للحظات بأنّه لم ير سوريا من الداخل. هذا بالإضافة إلى أنَّ العمل يعالج الجانب المظلم من الحرب، بحيث يمكن إعادة خلق ساحات المعارك والمخابئ المعتمة للمقاتلين، ومحاكاة صورة المناطق التي أمست ركاماً، لأنَّ مشاهد الخراب الرمادية، تبقى ذاتها في كلّ مكان. وهو أمر لا يمكن تجاوزه في الدراما التي تصوّر حياة الناس اليومية في سوريا على هامش الحرب.

وبالرغم من أنه يمكن للأعمال الفنية عادة إعادة خلق البيئة، من دون الحاجة إلى توظيف الجغرافيا الواقعية، لكنّ ذلك لم يكن حال الدراما السوريّة. فللجغرافيا فيها حضور خاص، وظّف جبل قاسيون، وحارات دمشق القديمة، ومحيط المسجد الأموي وصولاً إلى مناطق العشوائيات، باعتبار «المكان» أحد مفردات العمل الدرامي، كما هو الحال في توظيف المواقع السياحية في المسلسلات التركيّة مثلاً. هذا ولم تعان الأعمال التي صورت داخل سوريا مثل «بقعة ضوء» أو «ضبّوا الشناتي» من أزمات مماثلة، وتمتعت بإمكانية الاستفادة من «مقهى النوفرة»، والبيوت الدمشقية، وبعض مناطق الريف السوري. كل ذلك كرّس حالة الفصل السياسي في الدراما السورية لهذا العام، على اعتبار أنّ «جغرافيا المكان» أمست حكراً على من يملك امتياز دخول الحدود ويحوز الرضا والموافقات الرسمية.

كانت «أزمة المكان» حاضرةً طوال الحرب السورية، إذ لا يمكن نسيان المشهد الهزلي لتحرير كتائب «الجيش الحر» موقع تصوير «باب الحارة»، أو النزاع على مناطق النفوذ الذي طال منطقة السمرا، في الساحل السوري بالقرب من الحدود التركية، والتي احتضنت تصوير «ضيعة ضايعة» بجزءيه.

تخسر الدراما السوريّة بفقدان بعض أعمالها البعد المكاني مقوّماً آخر من مقوّمات نجاحها، وتفرّدها، بعدما خسرت استقلالها المالي بوصفها «صناعة سورية». إذ يتم إنتاج معظم أعمالها اليوم بأموال خليجية أو لبنانية أو مصرية. يضاف إلى ذلك، جانب الانقسامات السياسية التي تحول دون اعتبار الدراما نتاجاً ثقافياً وطنياً وجامعاً. ناهيك عن اغتراب وفشل بعض الأعمال في محاكاة الواقع السوري المعقّد والمتشابك. سيكون صناع الدراما السورية في مأزق حقيقي، إن لم يتحسن المناخ السياسي والميداني والديموقراطي للبلاد، بحيث يتيح فرصا متكافئة لإنتاج أعمال فنيّة تحفظ للدراما هويتها.