2012/07/04

الدراما السورية في ندوة “ كاتب وموقف” شربتجي .. درامانا بناء من الملح مرشح للانهيار!
الدراما السورية في ندوة “ كاتب وموقف” شربتجي .. درامانا بناء من الملح مرشح للانهيار!

أمينة عباس - البعث

على الرغم من تأكيده أنه من المحال أن تتمكن ندوة “كاتب وموقف” التي عُقِدت مؤخراً في مركز ثقافي أبو رمانة تحت عنوان “نماذج من الدراما السورية شكلاً ومضموناً” من إلقاء نظرة موضوعية على مجمل منجزات الدراما السورية التي شبّت عن الطوق وأثبتت حضورها، إلا أن الأستاذ عبد الرحمن الحلبي مدير الندوة حاول من خلال استضافته للمخرج هشام شربتجي والكاتب فادي قوشقجي والإعلامي ماهر منصور تسليط الضوء على تفاصيل عديدة تخص المشاركين وواقع حال الدراما السورية.. من هنا بدأ الحديث المخرج هشام شربتجي الذي ولِد فنياً في مناخ هذه الدراما بشقيها المسموع والمرئي وشكّل علامة فارقة في مسيرتها، بداالحديث من هذه النقطة فعاد بالذاكرة إلى مرحلة الطفولة والجو العائلي الذي كان خير مشجع له وقد أسف كثيراً لأن مواهب عديدة تمر اليوم بشكل عابر في مرحلة الطفولة في مجتمعاتنا لعدم وجود من يكتشفها، وخير مثال على ذلك برأيه ابنته المخرجة رشا شربتجي التي اكتُشفت موهبتها بطريق المصادفة، ويبيّن أن جدّه الشاعر والعازف الذي كان مرافقاً دائماً له هو من كان مصدر إلهامه، فقد زرع واكتشف فيه بذرة الفن، ومع هذه البذرة خطا خطواته الأولى من خلال موهبة الرسم التي أعلن عنها عبر رسوماته التي انتشرت على جدران بيته الدمشقي والتي توّجت بحصوله على جائزة رسوم الأطفال العالمية “اليونسكو” ورغم كل هذه المقدمات أكد شربتجي أنه لم يتصور في يوم من الأيام أن يكون طريق الفن طريقه، وهو الذي كان مهووساً بالطيران الذي لم يكمل فيه تعليمه بسبب غارة جوية على المعهد الذي كان يدرس فيه عام 1967 فأُجبِر على السفر لإتمام تعليمه في المعهد العالي للفنون المسرحية في القاهرة-قسم النقد .

وعن تجربته في مسلسل “يوميات مدير عام” في جزئه الأول بيّن أنه قرأ النص بالمصادفة، وقد لفت نظره باعتباره يحقق حالة كوميدية هامة، لذلك تبنّاه وشارك في كتابته واختار له الفنان أيمن زيدان ليقوم بدور البطولة فيه كفنان يتقبّله الناس وقادر على تقديم عدّة كاركترات، ويؤكد أن زيدان نجح فيه رغم تخوّفه من الكوميديا، وكذلك العمل لأنه كان برأيه عملاً فنياً بسيطاً مركّباً من الداخل، لذلك دعا شربتجي إلى تقديم أعمال بسيطة يفهمها الجميع ولكن دون خلط بين مفهوم البساطة والاستخفاف بعقول الناس كما حدث في أعمال كثيرة، ورغم أن لشربتجي فضلاً ملحوظاً على نهوض الدراما السورية إلا أنه أكد أنه مستبعَد وليس مبتعداً عن الساحة الدرامية السورية، ويؤسفه أن بعض الأعمال الهامة التي قدّمها نُفِّذت بطريقة تجارية مثل “رياح الخماسين” وهو يعتمد برأيه على نص ذكي وهام والذي لولا تدخّل السلطات العليا لما رأى النور على الشاشة الصغيرة، ولكن وبعد هذا العمل وبقدرة قادر امتنعت الشركات الخاصة عن دعوته، وهذا مؤشّر خطير.. كما يقول، للانحدار الذي آلت إليه الدراما السورية منذ سنوات وقد وصفها شربتجي ببناء من الملح، وقليل من الماء قادر على القضاء عليه نتيجة للعديد من المشاكل والمعوقات التي تقف في طريق تطورها، وخاصة في مجال التوزيع والتسويق بحيث بات بعض النجوم يسيّرون هذه الدراما حين أصبح العمل لا يسوَّق إلا إذا كان فيه هذا الفنان أو ذاك، والمشكلة الأكبر التي تعاني منها الدراما السورية اليوم أن هذا الفنان لا يشارك في عمل من الأعمال إذا كان فيه ذاك الفنان، وأكد شربتجي أن شبكة توزيع الأدوار في عمله الذي هو قيد التحضير الآن قد انهارت لهذا السبب، ومن أجل ذلك أصرّ على أن الدراما السورية بناء من ملح، ولعلّ أهم ما يؤلمه اليوم هو حال الفنانين الشباب الذين سينتظرون طويلاً لتأتيهم الفرص طالما أنهم مبعدون ولا يُعطَون الفرص الحقيقية باعتبار أن أسماءهم لا تبيع العمل..

إذاً الدراما السورية في أزمة وهي ستشهد كما أكد شربتجي مزيداً من الانهيار في ظل ندرة النصوص الذكية وتحوّل الساحة الدرامية إلى سوق الجميع قادر على ارتياده ، ورغم أن الدراما صناعة لها أساس وبنية صناعية إلا أنها غير مكتملة فنياً في سورية .

ومن خلال عمله الأخير الذي عُرِض مؤخراً على بعض المحطات بعنوان “خبر عاجل” أكد شربتجي أن اللبنانيين الذين لا يملكون صناعة الدراما قد سبقونا في منطق الصناعة، وبالتالي فإن الشركة المنتِجة هي من اقترحت تقديم العمل بمشاركة فنانين سوريين بهدف الانطلاق خارج الحدود، كما أصرّت على مشاركة الفنان مصطفى الخاني الذي أسند إليه شربتجي دوراً رفضه ليختار دوراً آخر عبارة عن عشرين مشهداً أضيفت إليها ستة مشاهد من كتابة الخاني نفسه، ويبيّن شربتجي أنه لم يكن راضياً عن أداء الخاني الذي كان خارج إيقاع العمل، ولأن شربتجي ابن البيئة الشامية كان لا بد من الحديث عن مسلسلات هذه البيئة وقد أخرج منها مسلسلاً واحداً هو “جرن الشاويش” الذي يعترف بفشله لأنه كما يقول عمل نظيف حاول من خلاله أن يشم رائحة أمه وهي تدور حول البحرة، في حين أن المطلوب ليس ذلك لأن هدف صنّاع هذه النوعية من الأعمال تحويل المشاهد إلى آكل بزر يلاحق الثرثرة وأتفه التفاصيل .

أما الكاتب فادي قوشقجي الذي عُرِف كاتباً درامياً لأعمال هامة في الدراما السورية فقد بيّن بكل صراحة أنه بدأ الكتابة الروائية كمنتَج أدبي من خلال روايته الأولى “خريف الأحلام” عام 1998 ليتبعها بأخرى بعنوان “أطياف الشمس” وبالتالي كان هدفه الأساسي هو المجال الروائي، ولكن ولأن القراءة لم تعد من بين اهتمامات الناس أقنعه المحيطون الذين آمنوا به وبموهبته للاتجاه نحو التلفزيون الذي لم يكن مغرياً له أبداً، إلا أنه وتحت الضغط والرغبة في التجريب كتب بضع حلقات من نص درامي سرعان ما تركه جانباً لمدة سنتين، وعندما عاد إلى قراءته أُعجِب بما كتبه فكان مسلسله الأول “على طول الأيام” ورغم قناعته أن النص الأدبي أرقى ويستطيع فيه ممارسة حريته في التعبير عما يجول في عقله ونفسه، إلا أنه أكد إمكانية أن يتابع الكتابة في المجالين، خاصة وأنه استطاع كما يقول أن يحمّل مادته الدرامية آراءً وأفكاراً من المفترض أن تكون مسلية وتصب في انشغالاته حول الحداثة والتقدم والحرية، لذلك أوضح أن قضية مثل التحرر الاجتماعي هي ما ركّز عليه في مسلسله الجديد “تعب المشوار” الذي ناقش فيه الازدواجية التي تقبع في شخصياتنا الشرقية بين مكوّني صدمة الحضارة والرواسب الموجودة في داخلنا، كما أكد أنه كان موفقاً في تعامله مع المخرجين ولديه رضا كبير على طريقة تجسيد وتنفيذ نصوصه على الشاشة الصغيرة .

ورغم استقراء شربتجي التشاؤمي لمستقبل الدراما السورية وإعلانه عن قرب انهيارها يبشّر قوشقجي بأنه لم يصل إلى حد التشاؤم، والتفاؤل عنده يكبر في ظل إنشاء مؤسسة كبرى راعية للدراما هي مؤسسة الإنتاج الدرامي، وبالتالي يعتقد أن سورية إذا تجاوزت أزمتها الحالية فإن لدى الدراما السورية فرصة للانتقال من مرحلة إلى مرحلة أخرى، مع أنه رأى أن أساس الأزمة في الدراما السورية أخلاقي، خاصة وأن من يقود هذا الفن ليس دائماً رأسمال سوري .

ورغم أنه ليس ناقداً جيداً لمسلسلات البيئة الشامية إلا أنه رأى أن المسلسلات الجدية فيها قليلة جداً وشكّلت في معظمها إساءة لدمشق ولكل تصوراتنا حولها، وقامت باختراع أمور لم تكن موجودة .

أما الإعلامي ماهر منصور وردّاً على سؤال مدير الندوة حول فشل الأعمال الكوميدية ذات الأجزاء “يوميات مدير عام” نموذجاً فقد رأى أن مشكلة “يوميات مدير عام” الجزء الثاني تكمن في النص الذي كُتِب عام 2011 لمشاهد مازال يعيش بعقلية منتصف التسعينيات، فالعمل خلا من أي جديد، مع أن التحضير الإعلامي الكبير له أكد على أنه سيواكب التكنولوجيا وفرق المقولات، ولكن ما حدث أن ذلك لم يُترجَم في العمل إلا من خلال حركة الكاميرا المائلة التي استخدمها المخرج بحجّة أن الحال مائلة في دائرة حكومية يبدو كل من فيها معتوهاً، وبالتالي أسف لأن هذا النص استخف كثيراً بالمشاهد من خلال حكايات مكشوفة، وأكد منصور كذلك أن الأعمال ذات الأجزاء التي حافظت على مستواها قليلة جداً وتكاد تكون نادرة.. وعن شربتجي المبعَد رأى منصور أن هذا المخرج الهام تعرّض لقلّة وفاء الوسط الفني مع أن نصف النجوم التي تسوَّق الأعمال على أسمائهم قدمهم شربتجي وهم لا يزالون وجوهاً جديدة في أدوار البطولة “باسل خياط-أيمن رضا-باسم ياخور” وقد غيّرت أدوارهم معه مسيرة حياتهم الفنية، وبيّن منصور أن الدراما السورية تقوم اليوم على ثلاث مدارس إخراجية تتمثل في: هشام شربتجي-هيثم حقي-نجدت أنزور، والمفارقة في الدراما السورية برأيه، وهو مؤشر خطير على مستقبلها، أن الكتابة والإخراج حق مكتسَب لأي شخص، مع أن هذين العنصرين هما الأساسيان في أي عمل، أما المسلسلات الشامية التي احتلت حيزاً هاماً من نقاش الندوة فقد أشار منصور إلى أنها بدأت بالشكل التقليدي مع “أيام شامية” و”ليالي الصالحية” و”أبو كامل” الذي وصفه بالمسلسل العظيم، ويبيّن أن هذه الدراما خضعت لنقطة تحوّل حينما بدأت تنحو نحو حكايا الجدّات مثل “أيام شامية” إلا أن الكارثة برأيه بدأت عندما أراد أصحابها زجّ أحداث كبيرة فيها لا يمكن أن يتعامل معها المشاهد كما قدّمتها هذه الأعمال والذي يكتشف بعد ذلك أن كل ما قُدِّم فيها لا علاقة له بالبيئة الدمشقية، والغريب برأيه أن هذه الأعمال هي الأكثر مبيعاً ولا يجد منصور حرجاً من القول بعد كل متابعته لأجزاء “باب الحارة” إن الطبيب النفسي وحده قادر على معرفة لماذا أحب الناس “باب الحارة” بهذا الشكل .