2012/07/04

السينما الغربية تفضل تصوير أفلامها في إفريقيا
السينما الغربية تفضل تصوير أفلامها في إفريقيا


محمد رضا – دار الخليج

قبل نحو 17 سنة تقدّم المخرج التونسي رضا الباهي بمشروع فيلم لشركة فرنسية ونال موافقة سريعة على الفكرة، صاحب “شمس الضباع” و”وشم على الذاكرة” و”العتبات الممنوعة” كان حائراً بين مشروعين آخرين، واختار تحقيق عمل آخر يحمل وميضاً من السيرة الخاصّة بعنوان “صندوق عجب” .

لكن فكرة الفيلم الذي لم يسعَ لإنجازه التي استرعت انتباه التمويل الفرنسي لم تكن ذاتية على الإطلاق . كانت مأخوذة، كما قال لي، من أحداث حقيقية: شركات أوروبية كانت تستأجر شاحنات ضخمة تنطلق من موريتانيا أو من الصحراء الغربية أو من المغرب وتحمّلها، سراً، شحنات اليورانيوم التي تود التخلص منها في عمق إفريقيا . الرحلة تستمر أياماً إلى أن تصل الشاحنة إلى المكان المنشود وتفرغ كيماوياتها في حفر معدة لها . ما أضافه المخرج على هذه الوقائع في سيناريو كتبه وقدّمه لي لقراءته، يقظة ضمير تتيح لأحد سائقي الشاحنة التمرّد على المهمّة، وعرض جانبي للجوع والفقر المنتشرين وسط الفساد الإداري الأوروبي والإفريقي .

لو خرج الفيلم في منتصف الثمانينات لصاحب موجة من تلك الأفلام التي دارت حول النظام العرقي الذي عاشته جنوب إفريقيا قبل التغيير الكبير الذي قاده نلسون مانديللا . لكن الحقيقة أن الأفلام التي تتناول ما حدث قبل أو بعد ذلك التغيير ما زالت مطروحة وآخرها “إنفيكتوس” للمخرج كلينت ايستوود (2009) . ليس فقط أن جنوب إفريقيا هي محط اهتمام غربي دائم بل عموم إفريقيا بملاحظة كيف أن سيلاً من الأفلام الأمريكية والأوروبية تم تصويرها في إفريقيا خلال السنوات العشر الأخيرة وحدها مثل “سيد الحرب” بطولة نيكولاس كايج و”بلود دياموند” بطولة ليوناردو ديكابريو و”آخر ملوك سكوتلاندا” مع فورست ويتيكر وجيمس مكفوي .

هذه الأفلام قدّمت إفريقيا كجزء من النشرة الإخبارية حيث الحروب الدائرة بين المصالح البيضاء والسوداء، أو بين الماليشيات الساعية لاستثمار المناجم وحيث الأوضاع الاقتصادية المزرية التي يعانيها الناس العاديون، أو، كما الحال في “سيد الحرب”، تبعية ما يؤدي إليه جشع الإنسان الغربي لبيع السلاح بصرف النظر عن الضحايا الذين سيتساقطون في القتال الدائر بين القبائل أو المليشيات أو ما بين الحكومات والثورات المضادّة لها .

لكن توظيف إفريقيا أصبح في السنوات الأخيرة أكثر تنوعاً . لقد باتت مكاناً يصلح لحكايات تقع خارج إفريقيا بكاملها . خذ مثلاً “ذكريات مغفّل” الذي قام بتمثيله دانيال كريغ سنة ،2008 حيث تم تحويل الديكور الطبيعي لإفريقيا الى ديكور “طبيعي” لدولة كولومبيا اللاتينية . أو مثل فيلم “أميليا” الذي قامت قبل ثلاثة أعوام ببطولته هيلاري سوانك الذي اكتفى بمشاهد قليلة تقع في إفريقيا بينما توزّعت أكثر مشاهده  ما بين الولايات المتحدة، وبريطانيا وفوق مياه المحيط قرب استراليا وشاهد قليل في افريقيا، علماً بأن التصوير توزّع ما بين جنوب إفريقيا وكندا فقط . وحالياً يتم تصوير  فيلم بعنوان “Dredd” .

هو عودة إلى المغامرة المستقبلية التي قام الممثل سلفستر ستالوني ببطولتها سنة 1995 تحت عنوان “القاضي دريد” . أحداث الفيلم تقع في الولايات المتحدة في المستقبل غير البعيد، حيث يعيش الأمريكيون في مبانٍ عملاقة محاطة بعالم خالٍ من الحياة خارج حدود المدينة . هذا كلّه يتم تصويره حالياً في منطقة اسمها خايلتشا، خارج مدينة كايب تاون . واعتماد إفريقيا كمكان تصوير لم يتوقّف مطلقاً منذ أن كانت القارة، في الثلاثينات من القرن الماضي، كناية عن مساحات عملاقة من الغابات والأنهار والحيوانات والمواطنين القابعين في طي التقاليد الغريبة والمتوارث من العادات التي استخدمتها هوليوود، في أفلام عديدة من أبرزها سلسلة “طرازان”، كموازييك للتسلية ولإظهار نعمة أن تكون رجلاً أبيض البشرة وغربي الولادة . وفي حين أن معظم تلك الأفلام كانت ذا طبيعة عنصرية إلا أنها نقلت، للمشاهد في مناطق العالم المختلفة، صوراً لم تكن مطروقة أثارت في مشاهدي العقود السابقة للستينات، الكثير من الخيال وحب المغامرة . هذا كله انضوى وانتهى بحسناته وسيئاته . فيلم “المقاطعة 9” الذي خرج للعروض قبل عامين برهن على أنه بات بالإمكان التصوير بتكاليف أقل بكثير مما يتكلفها التصوير في أوروبا أو الولايات المتحدة . وما يحدث الآن هو ترجمة أخرى لتوظيف رأس المال الغربي في القارة الإفريقية .