2012/07/04

الشمال اللبناني بعين وثائقية على «بي بي سي»: اقتحـام خصـوصيـات البسطـاء!
الشمال اللبناني بعين وثائقية على «بي بي سي»: اقتحـام خصـوصيـات البسطـاء!


سامر محمد اسماعيل – السفير


تطرح قناة «بي بي سي عربي» برنامجها الجديد «سينما بديلة» على أنه مساحة رحبة للتجارب الإبداعية الشابة في العالم العربي. ففي الحلقة التي بثتها القناة البريطانية مؤخراً، تناول مقدم البرنامج توني خوري فيلمين للمخرجة اللبنانية رانيا عطية، هما «طرابلس عالهدى»، و«لحظات قصيرة من زواج طويل». الفيلمان اللذان نفذتهما عطية بمشاركة الشاب الأميركي دانيال غارسيا أخذانا فعلاً إلى مساحات جديدة من اللغة البصرية، التي لعب فيها كل من الصمت والصورة دوراً رئيساً في الإطلالة على مجتمع الشمال اللبناني.

نجد في فيلم «طرابلس على الهدى» أننا أمام طفل صامت وضائع يجده سائق تاكسي في مقعد سيارته الخلفي، فيقوم بإيصاله إلى بيته، كيلا يتركه في شوارع المدينة. ثم نتعرف بعدها على جدة سائق التاكسي وزوجها العجوز، وليفاجئنا هذا الطفل «الصامت» بأنه «لص» محترف يقوم على غفلةٍ من المرأة العجوز، بسرقة النقود من غرفة نومها، ومن ثم يفرّ نحو طريدة أخرى.

لا تكترث بالطبع «سينما بديلة» لتشويه صورة الطفولة لدى المشاهد، ولا تقيم وزناً أصلاً لزعزعة مشاعر التعاطف والرحمة. بل نجد أنفسنا هنا نتعاطف مع سائق التاكسي المخدوع، وننقم على الطفل «السارق»، بل ربما في قادم الأيام لا يمكننا التعاطف مع أطفال ينصبون لنا الكمائن على قارعة الطريق؟! المهم أن تنجح «سينما بديلة» التي تعلمتها المخرجة عطية في نيويورك، على يد المخرج الإيراني الكبير عباس كيروستامي.

تستثمر المخرجة اللبنانية عمتها وزوج عمتها في الفيلم الثاني «لحظات قصيرة من زواج طويل». فنرى زوجين مسنين، يعانيان أمراض الشيخوخة، يتابعان فيلماً مصرياً قديماً جنباً إلى جنب مع أحداث «الربيع العربي» في مصر! لتنهي عطية فيلمها بموت الزوجة وهي تُعدّ فنجان قهوة لزوجها الأطرش المأخوذ بأخبار قناة «الجزيرة» القطرية. ولا تبالي هنا بأية مشاعر تجاه «شخصياتها»، فنرى رانية ودانيال يضحكان في غرفة المونتاج على مفارقات التصوير. وقد استدرجا ممثليّن غير محترفين لتحقيق «مصداقية» على مستوى الأداء وردود الأفعال أمام الكاميرا، تماماً كما فعل المخرج السوري عمار البيك في فيلمه «إسبيرين ورصاص»، الذي وظّف فيه والدته المسنة، لتكون مادة للمفارقة والطرافة، واضعاً المُشاهد أمام عجوز لا تريد أن تقف أمام الكاميرا، متذمرةً من سلوك «ولدها» وإصراره على تصويرها، فيما الأخير يقع مغشياً عليه من الضحك من تعليقات أمه العفوية بلهجتها الشامية.

كل شيء متاح أمام هذه «السينما البديلة»: الطفل والعجوز، الأم والعمة والعم، البسطاء المخدوعون من «أبنائهم المبدعين» أصحاب البدائل المتوافرة في سوق الجوائز الدولية. لكن السؤال: هذه السينما بديلة عن ماذا؟ وبديلة من بالضبط؟ هل من الممكن أن نسمي هذا النوع من الأفلام بديلاً بصرياً عن سينما تجارية رخيصة صنعت أفلامها الهابطة بأموال النفط وصفقات البزنس؟

تضع «بي بي سي عربي» المشاهد العربي من جديد وجهاً لوجه أمام بدائل أخلاقية، لا أمام «فضاءات إبداعية تتنوع بتنوع جغرافية العالم العربي وثقافاته، كما تعرّف القناة عن برنامجها في صفحتها على «فايسبوك». فكما يبدو من برنامجها فهي لا تعدو أن تكون سوى تجريب يستثمر عفوية الإنسان العربي، ولطف معشره وحياء وجهه، فهو لا يبالي في الوقوف أمام كاميرا مبتدئين ومتتبّعي دورات في التصوير السينمائي، كون الناس في شرقنا السعيد صيداً ثميناً لكاميرا تعتدي على الشخصي والحميمي، كي تتعامل مع قيم الطفولة والأمومة والرأفة الاجتماعية، على أنها عينات عشوائية من مجتمعات العالم الثالث!