2013/05/29

الفنان السوري بين التمثيل والإخراج و التأليف والإنتاج.. صراع على ألقاب أم منافسة على أموال الدراما!
الفنان السوري بين التمثيل والإخراج و التأليف والإنتاج.. صراع على ألقاب أم منافسة على أموال الدراما!



بسام موسى – تشرين



شهدت السنوات الأخيرة قيام عدد من نجوم الدراما السورية من الممثلين بالتحول إلى الإخراج، من دون أن تكون لدى أي منهم خلفيات فنية تسمح لهم بذلك،

لأن سورية تفتقد لمعهد يدرّس فن الإخراج التلفزيوني أو حتى السينمائي، فكل الممثلين الأكاديميين هم من خريجي المعهد العالي للفنون المسرحية، بمعنى أن خبرتهم في الأصل مسرحية تمرّست على العمل التلفزيوني. ضمن هذا التصور يمكن إحصاء كثير من المخرجين القادمين من بوابة التمثيل أنهم قادمون إلى الإخراج، بحكم الخبرة التي تلقوها كممثلين؟

في الجيل السابق من الممثلين، عمل الفنان الراحل هاني الروماني مخرجاً لأكثر من عمل تلفزيوني أشهرها «حمام القيشاني»، كما قام الفنان دريد لحام بإخراج عدد من أعماله كان أشهرها «عودة غوار». وفي مرحلة ثانية تولى الفنان أيمن زيدان إخراج مسلسل «ليل المسافرين»، مع الإشارة إلى أنه معروف بإخراجه أكثر من عمل مسرحي. الفنان حاتم علي جاء من التمثيل أيضاً إلى الإخراج، ولعله الاسم الوحيد الذي استطاع أن يكرّس نفسه مخرجاً من العيار الثقيل. بدأ حاتم علي حياته الفنية كممثل مع المخرج هيثم حقي في مسلسل «دائرة النار- 1988»، ثم توالت مشاركاته في الأعمال الدرامية حيث جسّد شخصيات مختلفة تنوعت بين أدوار تاريخية وبدوية إلى الشخصيات المعاصرة, وبأنماط متعددة. وللفنان «علي» لوحات كوميدية مع الفنان ياسر العظمة قي مرايا 98 و99 وفي مسلسل «الخشخاش» أيضا و«الجوارح» و«العبابيد» له مشاركات في التمثيل كانت معقولة. ومع تطوره في العمل واكتسابه الخبرة وصل إلى مستوى يكاد أن يوصف فيه بالفنان الشامل إذ عمل وراء الكاميرا وأمامها في أعمال ضخمة؛ فكانت له روائع لا تزال محفورة وقد تبقى إلى وقت طويل في ذاكرتنا منها «الزير سالم» و«صلاح الدين» و«الفصول الأربعة- الجزء الأول عام 1999» والذي حقق به نجاحاً باهراً.

صحيح أن هذا العمل شارك فيه كبار نجوم الدراما السورية ومنهم الراحل خالد تاجا والراحلة هالة شوكت و الراحلة نبيلة النابلسي وجمال سليمان وسليم صبري ومها المصري وسلمى المصري وبسام كوسا وغيرهم، وكان أداؤهم كبيراً ورائعاً، إلا انه لا يعني أن هذا يكفي لنجاح المسلسل، فهنا سنقارن بينه وبين عمل مثل «طاحون الشر» أو «الدبور» أو «الزعيم» فهذه الأعمال شارك فيها كبار نجوم الدراما أيضا، لكنها لم تنجح نجاحاً كبيراً فهذا يعود إلى دور المخرج في «الفصول الأربعة».

أضاف حاتم علي لمحةً وبصمةً فنية مختلفة أثبتت أنه قادر على أن يكون مخرجاً كبيراً، أما بقية الأعمال التي ذكرتها على سبيل المثال لا الحصر، فكان المخرجون ضعفاء فنياً وإخراجيا ولم يستطيعوا أن يستثمروا أداء الممثلين المبدعين في أعمالهم، ومثلهم الكثير أما صاحب «التغريبة الفلسطينية» فقد استطاع أن يستثمر الممثل لديه من كل النواحي الفنية، من عمليات تصوير وديكورات وأنماط شخصيات وتوزيع أدوار على الفنانين المناسبين القادرين على تقديم أداء نوعي أمام الكاميرا، فلم نشاهد ممثلاً في أعمال صاحب «عصي الدمع» غير مفهوم وجوده أو دوره غير متناسب مع شخصيته الفنية، وهذا ليس فقط في «الفصول الأربعة» بل في «الزير سالم» و«عائلتي وأنا» و«صقر قريش» و«ربيع قرطبة» و«التغريبة الفلسطينية» و«الغفران».

أحلام حاتم علي

في «أحلام كبيرة» اعتمد «علي» على إضافة نوع من تحريك خفيف للكاميرا أضفى شكلاً آخر ومميزاً للعمل التلفزيوني، أما في «على طول الأيام» فاستخدم نوعاً من الغرافيك، ولاسيما في مشاهد ولقطات المحادثات التليفونية، أو في بعض اللقطات الخارجية، فلأول مرة في أعماله، بل في الأعمال السورية بشكل عام, قدم «علي» بجرأة فنية لافتة نوعاً من الحداثة أظهرت أنه من أفضل المخرجين السوريين والعرب، فلقد أثبت أن الخبرة قد تكون أهم بكثير من دراسة الإخراج بشكل نظري.

بدوره لمع اسم الفنان الراحل محمد الشيخ نجيب، ولاسيما في أعماله «بكرا أحلى و«ممرات ضيقة» و«قمر بني هاشم» «الو جميل الو هناء» و «الزلزال » و «تحت المداس»، كما برز اسم الفنان سيف الدين سبيعي بعد بداية متعثرة له، ولكن سبيعي سرعان ما ارتفعت أعماله مع إخراجه لمسلسل «الحصرم الشامي» بأجزائه الثلاثة و«أولاد القيمرية» و«طالع الفضة» و«تعب المشوار».

مخرجون بالجملة


أيضاً الفنان ماهر صليبي عمل مخرجاً لعمل هو «مرسوم عائلي» وبالمصادفة تحوّل الفنان رامي حنا من أمام الكاميرا ممثلاً إلى خلفها مخرجاً حين تولى إخراج مسلسل «عنترة بن شداد» عوضاً عن المخرج باسل الخطيب، ليقوم بعدها بإخراج مسلسل «زهرة النرجس», لكن من دون أي علامات فارقة في هذه الأعمال.. الفنان وائل رمضان قام أيضاً بإخراج مسلسل «اسأل روحك»، والمسلسل الكويتي (دندرمة) ومسلسل «كليو بترا» لكنه أيضاً لم يحقق ذلك النجاح المرتقب، رغم توافر عناصر عالية للإنتاج ونجوم الصف الأول كانت في مقدمتهم السيدة سلاف فواخرجي.. بدوره قدم الممثل رافي وهبة مخرجاً مسلسله الكوميدي «حارة على الهوا» كما بزر الفنان عارف الطويل مخرجاً وله عدد قليل من الأعمال ولاسيما الخليجي منها وهو غائب عن الدراما السورية من فترة ليست طويلة وظهوره صار شبه نادر في الأعمال السورية؟ ولعلها من المفارقات المثيرة في ثيمة: (مخرج-ممثل) أن تخلى مخرجون عن وظيفتهم خلف الكاميرا، لمصلحة الانخراط في العملية الفنية كممثلين، كما كان الحال مع المخرج المتميز سليم صبري الذي غادر الإخراج إلى التمثيل، مكتفياً بهذا الجانب، حتى لمع نجمه ممثلاً ونسي معجبوه تاريخه الإخراجي، رغم تميزه في شغله الفني، فمن أعمال صبري التي أخرجها نذكر «جلد الأفعى» الذي عرض منذ فترة قريبة و«شجرة النارنج» العمل الذي قدم البيئة الشامية على حقيقتها وعفويتها وصدقها بعيداً عن مسلسلات اليوم، بينما قام المخرج علاء الدين كوكش بالمشاركة ممثلاً في أكثر من عمل تلفزيوني وسينمائي. عابد فهد تصدى أيضاً للإخراج فهو مخرج إذاعي في الأصل، له حضور في إذاعة دمشق وعمل مخرجاً لبرنامج «معكم على الهواء» الذي يبث كل صباح كما أخرج برنامج «ملاعبنا الخضراء» الذي كان ينقل مباريات الدوري السوري بكرة القدم مع المعلق الرياضي الكبير الراحل عدنان بوظو ليترك «فهد» الإخراج الإذاعي ويتوجه للتمثيل ويبرز في «مرايا» ياسر العظمة وغيرها من الأعمال الأخرى ويصير حاليا من نجوم الصف الأول.

بعضهم يكتبون أيضاً

قد تكون هناك حالات وهي قليلة جدا لفنان قام بالإخراج والتمثيل واستمر في الاثنين معاً مثل سيف الدين سبيعي، فهو مخرج جيد وممثل موهوب في الوقت نفسه، لكنه من القلائل الذين استطاعوا التوفيق بين مهنتين صعبتين للغاية . وقد يولّد هذا أيضا رغبة أو تنافسية بين الفنانين؛ فيصبح كل فنان يريد أن يقلد الآخر، فيقول: هل هذا أفضل مني ليكون مخرجاً وأنا لا؟ طبعاً هذا لا ينطبق فقط على الإخراج، بل على الإنتاج والتأليف والكتابة أيضا وهذا سيؤدي إلى دخول من لا يفقهون الإخراج إلى الساحة الفنية وتالياً انخفاض المستوى الفني العام.

هناك أمثلة على ذلك، فالفنان مهند قطيش وهو ممثل قام الموسم الماضي بإخراج مسلسل «رومانتيكا» والجميع شاهد النتائج.. بل لم يكتفِ الممثلون أيضاً بمهنتي الإخراج والإنتاج، بل عمدوا إلى كتابة النصوص الدرامية أيضاً، كما فعل الفنان هاني السعدي الذي بدأ ممثلاً، لكن اسمه سرعان ما برز واحداً ممن صنعوا مزاجاً جديداً للدراما السورية كمضمون فكري ولديه أعمال كثيرة منها في هذا الصدد..«حارة نسيها الزمن – دائرة النار - غضب الصحراء - الكواسر - آخر الفرسان - البركان - أبو البنات -العنيد - خلف الجدران - المواجهة - البارعون – الجوارح» فهو من أهم الكتّاب السوريين والعرب، كما قامت الفنانة أمل عرفة بكتابة نصوص «دنيا» و«عشتار» اللذين حققا نجاحاً كبيراً، أما مسلسلها الأخير «رفة عين» فكان متواضعاً إلى حد مخيب للآمال.

احتار دليلي

كتب الفنان ياسر العظمة كثيراً من لوحات «مرايا»، كما ساهم كل من أدهم مرشد ورافي وهبة وأيمن رضا وباسم ياخور بكتابة العديد من لوحات «بقعة ضوء» وسواها.. بينما أنجز الفنان الشاب محمد عمر أوسو ثلاثة مسلسلات هي: «بكرا أحلى» و«كسر الخواطر» و«كثير من الحب كثير من العنف». و ساهم الفنان عباس النوري في كتابة مسلسل «أولاد القيمرية» الذي عُرض حصرياً على قناة أوربيت، والمخرج نبيل المالح ساهم أيضاً في كتابة سيناريو مسلسل «أسمهان»، والمخرج أنور قوادري في كتابة مسلسل «عرب لندن»، بينما أنجزت الفنانة يارا صبري نص «قلوب صغيرة»، وأخرجه عمار رضوان وأيضا سامر المصري ساهم في كتابة «أبو جانتي» وكتب اندريه سكاف لوحات في «بقعة ضوء» ومسلسل «خمسة وخميسة».. ويدرك المطلّعون على كواليس الدراما السورية أن كثيراً من المخرجين السوريين، غالباً ما يتدخلون لتعديل نصوص المسلسلات التي يتصدون لإخراجها، وأن بين الممثلين من يقوم بالشغل على دوره وتعديل أحداثه.

ولعل قيام ممثلين سوريين بكتابة نصوص درامية لا يبدو غريباً، إذا ما قيس بتصريحاتهم التي تتفق في معظمها على ضعف النصوص في الدراما السورية، وقلة خبرة كتابها.. لذا لا يجد الفنان- الكاتب - حرجاً في كتابة نص مسلسله الدرامي، بوصفه على الأقل ابن هذه الدراما وليس متعدياً عليها كحال كثيرين من كتابها, لذلك كان من الطبيعي أن يتصدى كتّاب الدراما السورية من الممثلين لبطولة المسلسلات التي يكتبونها، بل بدا بعضهم كمن يكتب العمل ليقوم بأداء بطولته، لتبدو تجارب الفنانين السوريين في الإنتاج أو الإخراج أو التأليف إلى جانب التمثيل في بواكيرها مثمرة ولافتة، لكن خطها البياني كان في معظم التجارب ينخفض أو ينقطع، وباستثناء تجربتي حاتم علي وسيف الدين سبيعي في الإخراج، وتجربة هاني السعدي في الكتابة، لم ينجح أي من الممثلين بمواصلة تجاربه الفنية بنجاح بعيداً عن التمثيل، وتكريس اسمه في مجال يطغى على حضوره كممثل، الأمر الذي يرجح صفة الهواجس الشخصية على معظم تلك التجارب.. ويجعل منها مشروع تجربة فنية.