2012/07/04

المحاولات الأولى للإنتاج السينمائي في سوريا
المحاولات الأولى للإنتاج السينمائي في سوريا

  من المعروف أن أول محاولة لإنتاج فيلم روائي سوري طويل تمت عام 1928 بعنوان "المتهم البريء" لكن لا تعرف على وجه الدقة بدايات إنتاج الأفلام الوثائقية والقصيرة وإن كانت المؤشرات من ذكريات السينمائيين الأوائل تفيد أنها تمت في منتصف العشرينات.  وفي أرشيف المراكز السينمائية توجد لقطات مصورة خلال العقد الثاني من القرن الماضي، ويبدو أنها أخذت على أيدي الأوربيين. وقد ظهرت في فيلم (مذكرات وطن) مشاهد من الثورة العربية عام 1916، ومشاهد من دخول الأمير فيصل إلى دمشق عام 1918، وقدوم أعيان دمشق إلى مبنى الحكومة للسلام عليه. ويذكر سادول* أن مصورِي مؤسسة لوميير مخترع السينما تجولوا في الأقطار العربية في أواخر القرن التاسع عشر وعادوا منها بعشرات اللقطات، أصبحت فيما بعد وثائق أخاذة. ومن الأقطار التي زارها حسب ما ذكر سادول "سورية – فلسطين – لبنان – مصر – الجزائر".. ويضيف أنه بعد الحرب العالمية الأولى حُقِّقت أفلام عديدة عن (العالم العربي) من قبل سينمائيين أوربيين وأمريكيين اجتذبتهم الطبيعة قبل كل شيء والتراث الشعبي وجمال المناظر الطبيعية والآثار، كما اجتذبتهم إمكانية جمع مشاهد عديدة بتكاليف قليلة. وهذا ما يفسر نصيحة رشيد جلال للراغبين بأول إنتاج روائي، بتصوير الآثار وبيعها لشركات السينما عندما لم يجد لديهم الموهبة والمؤهلات المناسبة للعمل السينمائي والتمثيل. كما أن ما نصح به مؤشر على وجود محاولات للتصوير السينمائي قبل إنتاج الفيلم الروائي الأول. ويرى الكتاب والنقاد الذين أرَّخوا لبدايات التصوير السينمائي على أيدي السوريين أن نور الدين رمضان أول من اهتم بتصوير الوقائع والأحداث وهم في ذك يستندون إلى ما جاء في كتاب "قصة السينما في سورية". وإذا عرفنا أن الأحداث التي صورها تعود إلى عام 1932، ترجح أن المحاولات الأولى كانت على يد بهجت المصري مدير سينما النصر، ثم رشيد جلال استناداً إلى حوارات أجريتها معهما بمناسبة مرور خمسين عاماً على أول إنتاج روائي سوري. فقد صور رشيد جلال زيارة الجنرال ساري لدار الحكومة عام 1925 بكاميرا سينمائية صغيرة. وعندما أرسل الفيلم لطبعة في شركة باتيه اشترته منه الشركة وضمته إلى جريدتها المصورة. كما ذكر بهجت المصري أنه صور الرئيس أحمد نامي الذي عين في فترة الجنرال دوجوفنيل عام 1928 والشيخ تاج الدين الحسيني المعين عام 1928 ورافقه في زيارته لبعض المحافظات. ولا نعرف مصير المحاولات السينمائية الأولى لأن التحميض والطبع والتظهير كان يتم في شركات السينما الفرنسية التي كانت تستأثر بتلك الأفلام وتضمها إلى أرشيفها الخاص، وربما أرسلت نسخاً منها للعرض في دمشق. وتبقى أفلام نور الدين رمضان الوثائقية هي الأشهر لأنه جمعها وعرضها في مناسبات عديدة ومنها معرض دمشق الصناعي الأول الذي أقيم في مدرسة التجهيز، ولأنه استمر بالتصوير السينمائي وامتلك مخبراً صغيراً لتحميض الأفلام بوسائل بدائية قياساً على تحميض الأفلام السالبة الفوتوغرافية. وتذكر الكتب التي أرّخت للسينما السورية أن مجموع ما صوره بلغ أربعة آلاف متر، أي ما يوازي فيلماً طويلاً، لكن هذا الرقم هو مجموع الأشرطة التي عرضها عام 1933 وقد استمر بالتصوير السينمائي حتى نشوب الحرب العالمية الثانية، حيث توقف بسبب عدم إمكانية استيراد المواد اللازمة للتصوير. وبعد انتهاء الحرب واستقلال سورية عاد إلى التصوير السينمائي ثم سافر إلى إيران عام 1949 لكنه عاد صفر اليدين، وقضى بقية حياته في محله الكائن في السنجقدار يصلّح آلات التصوير الفوغرافية وأحياناً السينمائية البسيطة وقد توفي في أوائل الستينات. إن نظرة إلى إعلان يعود إلى عام 1933 توضح اهتمامات نور الدين رمضان المتنوعة في التصوير إذ يقول الإعلان... رمضان فيلم يقدم أربعة آلاف متر من حوادث عام 1932 وهي كما يعددها الإعلان: ـ فصل غناء عربي لأميرة الطرب نادرة. ـ زعماء حلب والمناطق السورية في ضيافة رئيس الجمهورية. ـ وفود المناطق السورية عند قبر شهيد ميسلون يوسف العظمة. ـ مباراة نادي معاوية والترسانة ونادي بردى والإسكندري. ـ معرض الجمال في لبنان وانتخاب أجمل فتاة لعام 1932. ـ أفراح جبل العرب وسباق الخيل والعراضات والدبكات. ـ أعضاء نادي الألحان والتمثيل يستقبلون الممثل يوسف وهبي. ويذكر الإعلان أن مكان العرض هو سينما الصالون ولا نعرف مكانها الآن، أما تاريخ العرض فهو يوم الأربعاء 3 أيار 1933. وظهر إلى جانب نور الدين رمضان شاب متحمس آخر اسمه "جلال الدين السيوطي" وكان مثقفاً ويملك المال اللازم لصناعة السينما... وقد أنفق مبالغ كبيرة لإنشاء أول استديو سينمائي بمواصفات حديثة حيث استحضر أجهزة التصوير وتسجيل الصوت من أميركا وألمانيا كما استحضر آلات الطبع والتحميض عام 1937م. لكن مشكلة السيوطي أنه كان يرغب بالعمل بمفرده ودون استشارة أو تعاون الآخرين معه ولذلك كانت محاولاته فاشلة. ومن محاولاته فيلم إخباري عن استقبال الوفد السوري برئاسة جميل مردم بك عند عودته من فرنسا، وتم تحميضه وطبعه بمساعدة نور الدين رمضان. إثر ذلك غادر السيوطي إلى العراق ليجرب حظه فيها ويبدو أنه لم يوفق إذ باع الكاميرا التي يملكها إلى "أحمد جلال" الذي أصبح من المخرجين المعروفين في مصر فيما بعد، وأسس فيها استديو سُمي باسمه، أما السيوطي فقد انتقل إلى العمل في الصيدلة، وبقيت مقتنياته السينمائية البدائية عند شقيقه محمد ولم يعرف عن أخباره شيء بعد الستينات. أما رشيد جلال نفسه الذي عاش إلى بداية الثمانينات فلا يذكر له سوى فيلم عن الجنرال ساراي في دار الحكومة والذي اشترته منه شركة باتيه. ثم كانت له مساهماته في فيلمي "المتهم البريء" و "تحت سماء دمشق" وعمل في الخمسينيات في قسم السينما للجيش. وكُرٍِّم في العيد الخمسين لإنتاج أول فيلم روائي سوري عام 1978. وقد عكف في أواخر حياته على هواية التخاطب بالراديو، وكان له رمز خاص به بين هواة الراديو في العالم. ونشير إلى أن مصادر أجهزة السينما مختلفة فجلال السيوطي استقدمها من ألمانية وأمريكة، وبقية الهواة اشتروْها من تاجر اسمه "ناظم الشمعة"، وهو الذي أرشد هواة التصوير إلى رشيد جلال. كما كان في دمشق مصور بلغاري اسمه "جورج أرسوف" كان يملك آلة تصوير سينمائية من صنع روسي, وقد توفي في دمشق عام 1940، وهو الذي تعاون مع زهير الشوا لتصوير الفيلم السوري اللبناني "الغرام عند العرب" وتعتبر كل هذه المحاولات مجرد هواية أو حماسة لأنها لم تأخذ مناح أوسع كما حدث في مصر. لم يكن عمل السينمائيين الرواد سهلاً، ولو لا الحماسة والاندفاع لتحقيق شيء ما في السينما كما هي الحال في البلاد الأخرى، لما كان لدينا جُهّد يذكر في هذا الفن الوافد. الصعوبات كبيرة، صعوبة في الخبرة وصعوبة في التقنيات المناسبة.... إلا أن أهمّ العوائق التي اعترضت السينمائيين الأوائل خلال فترة الاحتلال الفرنسي هي الرقابة الصارمة التي كبَّلت أيدي السينمائيين الرواد. كان الفرنسيون يقاومون بشدة قيام صناعة سينمائية متطورة في سورية، وربما كانوا يعتبرونها خطراً على وجودهم في البلاد وكان على السينمائي الذي يصور أفلاماً وثائقية أن يأخذ فيلمه إلى بيروت مقر الرقابة السينمائية للحصول على ترخيص بالعرض. وكانت الرقابة تقطع المشاهد التي تظهر الهتافات المؤيدة للكتلة الوطنية في المجالس النيابي، وفي أغلب الأحوال لا يبقى سوى ربع الفيلم المقدم للرقابة. وبدت المزاجية الرقابية واضحة في ذلك الحين، فمثلاً منعت الرقابة الفرنسية أفلاماً لنور الدين رمضان في دمشق بعد أن منحته ترخيصاً لعرضها في حمص وحماة وحلب، وكلفه ذلك خسائر مادية لم يستطع تحملها لفترة طويلة، وشكل هذا الموقف الرقابي إحباطاً له ولغيره من السينمائيين. وظلت محاولات صنع الأفلام الوثائقية والإخبارية محدودة، وامتد أثر الصعوبات والعوائق حتى فترة ما بعد الاستقلال. ويمكن أن نذكر في هذا الصدد محاولات أيوب بدري الذي أسهم في صنع أول فيلم روائي سوري عام 1928 كما أخرج في منتصف الثلاثينيات فيلماً عن ثورات فلسطين في وجه الاحتلال الإنكليزي. ونذكر أيضاً محاولات خالص الجابري ومهدي الزعيم في حلب حيث صور أفلاماً عن المناظر الطبيعية وجماليات الطبيعة فيها. كما نذكر جهود أحمد عرفان في حلب أيضاً في أواخر الأربعينيات وقد صور فيلماً ضمنه مشاهد من حرب 1948 وإظهار نتائج الاحتلال وطرد الفلسطينيين من بلادهم.   ـــــــــــــــــــــــــــــ * من كتاب جورج سادول (تاريخ السينما في العالم)  
عن ذاكرة السينما في سوريا