2013/05/29

المشاركة في المهرجانات العالمية لا تعني تقدم السينما العربية
المشاركة في المهرجانات العالمية لا تعني تقدم السينما العربية


دار الخليج – فنون


يعتبر بعض الصحفيين السينمائيين العرب أن مجرد اختيار مهرجانات السينما الدولية أفلاماً عربية، إماراتية أو لبنانية أو مصرية أو تونسية أو مغربية، هو دليل على أن السينما العربية تعيش عصر إنجازات واضحة .

والواقع أن الناظر إلى المهرجانات الدولية الثلاثة في دوراتها الماضية يجد أن بعض هذا الاعتبار له سببه الوجيه: ألم يختبر مهرجان “كان” فيلم يسري نصرالله “بعد الموقعة” للمسابقة؟ ألم يختبر مهرجان “فينيسيا” عرض فيلم “وجدة” السعودي لجانب أفلام عربية أخرى في أقسام خارج المسابقة الرسمية؟ و”برلين” الذي انتهت أعماله مؤخراً، ألم يحيي السينما العربية بعرضه فيلمين حديثين من أعمالها هما “الخروج للنهار” لهالة لطفي و”عالم ليس لنا” لمهدي فليفل . إذاً، يجد البعض نفسه منساقاً للاعتقاد بأن السينما العربية بخير وها هي تُعرض في أمّهات المهرجانات الدولية .

الحقيقة أن عرضها في مهرجانات دولية ليس أمراً يميّزها كثيراً . المخرج محمد كريم مثّل السينما المصرية سنة 1946 في “كان” بفيلم “دنيا” والمخرج صلاح أبوسيف قدّم “مغامرات عنتر وعبلة” في دورة سنة 1949 وتبعه بعد ذلك أفلام مصرية ولبنانية ومغربية، قبل أن تنشط العملية في الستينات والسبعينات من القرن العشرين فتتوالى اشتراكات تلك الدول وفوقها الجزائرية والتونسية والفلسطينية لاحقاً . في الواقع، المضي إلى هذا التاريخ البعيد يكشف عكس ما يتوخّاه إعلام النظرة السائدة من نتيجة، فهو يؤكد أن السينما العربية لم تتقدّم نوعياً ولا كعدد أفلام تصلح للتقديم في واحدة من المسابقات العالمية تقدّماً كبيراً عما كانت عليه في ذلك الحين .

إلى ذلك، فإن السبب الأول وراء عملية لفت الانتباه إلى السينما العربية التي أقدمت عليه هذه المهرجانات وفوقها مهرجانات تورنتو وروتردام ولندن من بين أخرى، هو ترويج لسينما اعتمدت التعليق على الأحداث التي وقعت في بعض دول العالم العربي منذ عامين ولا تزال .

من ناحيتها، لم تستطع السينما العربية أن تبقى بعيدة عن طرح أعمال تتناول “الثورات” و”المتغيّرات” و”الإرادات الشعبية المطالبة بإسقاط نظام ما” . ومن ناحيتها، كانت مهرجانات السينما الغربية موكلة بتشجيع هذا التيار من الأفلام وعرض ما تحتويه من مواضيع وتجارب على روّادها .

وكما هو معروف، فإن الوضع الحالي في عدد من الدول التي تعاني الإضطرابات والصراعات السياسية والحزبية فيها، أثمر تصوير عدد من المخرجين بتصوير أفلام جماعية مثل “التحرير: الطيب والشرير والسياسي” و”18 يوماً” ولكنها ليست سياسية التحليل، أولاً بسبب عدم احتوائها على عناصر التحليل الضرورية، وثانياً لأنها كانت، بكل وضوح، ضروريات تطلّبتها الأحداث وسمحت بها التطوّرات التقنية التي جعلت المادّة المصوّرة ممكنة بأدوات أكثر ليونة وسهولة وأقل كلفة .

بالتأكيد ليس كل فيلم لا يتعامل والوضع السياسي تحليلاً غير سياسي في كيانه . في الفيلم القصير لعلي أحمد حريز “آدم” (2011) الذي هو كناية عن مشاهد لرجل يجول في ساحات القاهرة وميادينها ثم يقف ليطلق صرخة مدوّية، الكثير من التعبير عن حاجة الإنسان المصري للتغيير . كذلك أسهمت بعض الأفلام المصرية الأخيرة التي أنتجت قبل ثورة يناير بوضع المسألة على المحك . ومن بينها “678” لمحمد دياب . في واقعه هو أكثر من مجرّد فيلم واقعي النفس يحذّر من حالة اختناق وفقدان وعي ويدور حول قضايا نسوية في الوقت ذاته . والحال ليس وقفاً على الأفلام التي تتعامل وثورة ميدان التحرير للتخلّص من حكم مبارك ووضعها الحالي للتخلّص من استبداد النظام الذي جاء بديلاً، بل ينتشر ليشمل معظم الدول التي تتعرّض لأحداث مشابهة، فدائماً هناك من يحمل الكاميراً سريعاً لكي ينقلها ويتحدّث فيها ويسهم، حسب تصوّره على الأقل، في عرضها على المشاهدين .

بعض هذه الأفلام تمحورت حول الوضع السوري وكان من بينها “كما لو أننا نمسك بالكوبرا” لهالة العبد الله، الذي انطلق في الواقع كفيلم تسجيلي عن رسّامي الكاريكاتير المصريين لكن خلال تصويره أدركت مخرجته أنها لا تستطيع أن تترك الثورة السورية من دون أن تدلو بدلوها فيه فوضعت مشاهد تتعامل وتلك الثورة . طبعاً لا غُبار على الموقف وعلى حريّة المبدع ورسالته، لكن نتيجة القطع واللصق أن الفيلم لا شيء كبير . ساعتان مليئتان بالحوار الذي يتكرر من مشهد طويل إلى مشهد طويل آخر .

مشكلة السينما العربية التي أمّت هذا الجانب من الأحداث تتوزّع في نواح بالغة الأهمية من دون أن تتجاوزها، وفي المقدّمة حقيقة أن لا شيء مما تستطيع الكاميرا السينمائية تسجيله في غمار الفيلم التسجيلي لم يسبق لأفلام الإنترنت ولكاميرات التلفزيون أن صوّرته . هذا أقرب إلى حكم بالقضاء على أي مشروع يريد الدخول في هذا المضمار كما حاولت الأفلام التسجيلية الكثيرة التي تداولت الوضع في مصر .

الناحية الثانية، هو أنه لتقديم سينما أفضل على المخرج أن يبتعد عن الرغبة في نقل الأحداث على شاشته . ليس فقط لأن المتداول الآني سبقه إلى ذلك، بل أيضاً لأنه بوضع مسافة فنيّة فاصلة، يقترب الفيلم ومخرجه أكثر من الموضوع المراد التعبير عنه . والثالثة هي أن المخرج بحاجة للخروج من التفكير داخل الصندوق لأجل طرح نفسه كبديل فني لما هو قائم .

فيلمان مصريان أقدما على ذلك في الوقت الصحيح: “الشتا اللي فات” لإبراهيم البطوط الذي يتعرّض جانبياً لمساويء الحكم السابق و”الخروج للنهار” لهالة لطفي الذي لا يحمل كلمة سياسية واحدة، لكنه مجبول بالواقع السياسي والاجتماعي لأبعد حدود .

مثل هذين الفيلمين ما تحتاجه السينما العربية (مصرية وسواها) للخروج من وضع يقرن الجاد بمدى حديثه عن “الثورة” . وهي ما تحتاجه لتغيير ذلك الوجود “الديكوراتي” للسينما العربية في المهرجانات الدولية .