2012/07/04

"المصابيح الزرق" ملحمة شعارها "الوطن أو الموت"
"المصابيح الزرق" ملحمة شعارها "الوطن أو الموت"


أحمد شلهوم - دار الخليج


يتصدى المخرج السوري فهد ميري إلى رواية الكاتب الكبير حنا مينة “المصابيح الزرق” من خلال العمل الذي يخرجه حالياً ويحمل الاسم ذاته .

ويظهر المخرج فهد من خلال هذا العمل حالة المنطقة الساحلية أثناء الحرب العالمية الثانية، ومعاناة طبقات مختلفة في تلك الفترة مما يخلفه الاستعمار في البلاد التي يحط رحاله فيها، وذلك في خط عام موازٍ تماماً لخط الرواية الموغلة في محلية البيئة، كما هي روايات الأديب مينة، ومع ذلك لا يرى المخرج في هذا العمل أنه بيئي بحت، بل يمكن إسقاطه على العديد من الأمور، في حين يرى بعض المشاركين فيه أنه بالإمكان إسقاط الأحداث على الأزمة الراهنة التي تعيشها سوريا من خلال أن العمل فيه روح الوطنية بامتياز، وفيه الخط المقاوم والممانع لكل من تسول له نفسه أن يتآمر على البلد ولا يريد لها الاستقلال والاستقرار، وينتهي بانكسارات عاطفية سببتها مخلفات الاحتلال إبان الاستقلال .

مسلسل “المصابيح الزرق” هو أكبر إنتاجات مؤسسة الإنتاج التلفزيوني والإذاعي للموسم ،2012 وهو ملحمة وطنية مصوّرة يحمل الطابع التاريخي الاجتماعي، تدور أحداثه في مدن الساحل السوري وريفه خلال فترة الحرب العالمية الثانية، ويروي مجموعة من القصص لشخصيات عاشت في تلك الفترة وكانت حياتها ممزوجة بين الفرح والحزن، البؤس والتفاؤل، ذاقت طعم الظلم وعملت من أجل لقمة العيش، وكانت تتنفس حرية وتحلم باستقلال بلادها .

وضمن حدوتة لطيفة يعرض العمل قصص حب جميلة فيها شوق وألم، انتظار وفرح، وبين الحرب ومأساتها يبقى الشعار الدائم “الوطن أو الموت” .

يتألف العمل من ثلاثين حلقة تلفزيونية كتب نصّه وحواره محمود عبدالكريم عن رواية الكاتب السوري الشهير حنا مينة، وهو يحمل الاسم نفسه .

وتقوم ببطولته نخبة من نجوم الدراما السورية منهم الفنانون سلاف فواخرجي، غسان مسعود، أسعد فضة، ضحى الدبس، جهاد سعد، أندريه سكاف، محمد حداقي، زهير رمضان، سعد مينة، تولاي هارون، محمد الأحمد، رنا جمول، جرجس جبارة، بشار إسماعيل، سوسن أبو عفار، وضاح حلوم، مجد فضة، حسين عباس، إضافة إلى الطفلين نوّار الحلو وسيدرا الزول وآخرين .

أما طاقم العمل الفني فيتكون من مدير إدارة الإنتاج ماجد صليبي، المخرج المنفذ شادي علي ومحمد حجازي، مهندس الديكور لبيب رسلان، مشرف الإكسسوار أحمد السيد، مهندس الديكور المساعد نصر دياب، مصممة الأزياء ظلال الجابي، الماكييرة سلوى عطا الله، منفذ الإنتاج إسماعيل أبو رافع، مدير التصوير جلال ناصر، مهندس الصوت أحمد شهاب، مدير الإضاءة جمال مطر، الإشراف العام المخرج فراس دهني .


“الخليج” زارت موقع تصوير مسلسل “المصابيح الزرق” الذي تنتجه مؤسسة الإنتاج الدرامي والإذاعي وسجلت اللقاءات الآتية .


بداية تحدث المخرج فهد ميري شارحاً فكرة “المصابيح الزرق” فقال: العمل هو رواية للكاتب السوري الكبير حنا مينة بعنوان “المصابيح الزرق”، كتب السيناريو محمود عبدالكريم، وهو عمل ملحمي بيئي تجري أحداثه في أربعينات القرن الماضي على خلفية الحرب العالمية الثانية، وتدور في المنطقة الساحلية من خلال بيت كبير (خان)، فيه مجموعة من الأسر منها من هي من الريف ومن جوار المدينة ومن مدينة اللاذقية أيضاً، تعيش جميعها في هذا الخان، الذي يشبه بشكل أو بآخر البيت السوري عموماً، ويحكي العمل عن مدينة اللاذقية ومعاناة الشرائح الاجتماعية التي يتصدى لها العمل، في تلك الفترة من ظلم واستبداد واستعمار وغير ذلك، ورغم هذه المعاناة كانت تجمع الناس بعضهم ببعض علاقات الحب والألفة والعلاقات الإنسانية النبيلة، كما أن للبحر مساحة في هذا العمل، فالكاتب حنا مينة مشهور بمساحات يخصصها للبحر في رواياته، ولكن ليس كالبحر الذي نعرفه بل بعوالمه وبيئته وشخصياته المختلفة .

وتابع المخرج: في العمل هناك الجانب الوطني وهو الجانب الأهم، إضافة إلى محاور الحب، ونرى كيف أن هذه العلاقات تنكسر على يد الاستعمار والفقر والظلم والاستبداد، ومن أوجد هذه المعطيات هو الاستعمار الفرنسي . ونرى في النهاية كيف يستطيع الشعب الحصول على الاستقلال بفضل تلاحمه وحبه لبعضه بعضاً ووحدته وإصراره، وبفضل روحه الجميلة التي تؤكد الحرص على التخلص من الاستعمار .

رواية “المصابيح الزرق” مشبعة بالمحلية شأنها شأن باقي روايات الكاتب حنا مينة الأخرى، هل يمكن تصنيف هذا العمل ضمن أعمال البيئة (الساحلية)؟

العمل بيئة ساحلية، وهذه البيئة من نسيج الشعب السوري وتنطبق على بقية المناطق السورية، فما كان يحصل في الساحل ينطبق على ما يحصل في دمشق ودرعا والمنطقة الشرقية، ولكن وعاء العمل هو البيئة الساحلية التي تميز الكاتب حنا مينة في الكتابة عنها .

ما التحدي الذي واجهتموه بتحويل العمل من أدبي إلى عمل درامي تلفزيوني؟

بداية، هذه ليست التجربة الأولى، فهناك تجارب عدة ومختلفة في هذا الإطار، ولكن في هذا العمل أعتقد أن السيناريو هو الرواية ذاتها، وقد تم وضع امتداد لها من ضمن نسيج الشخصيات فيها، ومن خلال تحويلها إلى شخصيات من “لحم ودم” تعيش معاناة ضمن بيئتها، ولم نضف محاور جديدة إليها، بل ربما هناك محور لا يتعدى أسطراً قليلة في الرواية تم تحويله إلى خط أساسي في المسلسل له حياته وتفاصيله ضمن وعاء العمل ككل .

إذا كان العمل يتحدث عن البيئة الساحلية فلماذا تنتقل أماكن التصوير بين دمشق وطرطوس واللاذقية ومناطق أخرى؟

نحن نصور في بيئة أربعينات القرن الماضي، وصعب إيجاد أجوائها في مدينة واحدة، إنما مازالت هناك مواقع موجودة في أماكن عدة، فنحن الآن في دمشق نصور مشاهد البيت الداخلي، وحوّلنا البيت إلى خان تقطنه مجموعة أسر، كما حولناه بمساعدة الديكور إلى بيئة ساحلية، وسيتم متابعة تصوير العمل في البيئة الساحلية ابتداء من طرطوس وانتهاء بمدينة اللاذقية وريفها، وقد نتجه إلى بعض شوارع المدن الأخرى ك”صافيتا” أو بعض القرى في الدريكيش، وسيتم عمل مونتاج فني لها .

الممثلون أجمعوا على أريحية التعامل معك في هذا العمل، وتحدثوا عن تعديلات على النص تخص رؤية المشاهد أو المحاور أو الشخصيات التي يؤدونها، هذه التعديلات ألا تبعد العمل عن الرواية؟

في النهاية هذا المسلسل هو عمل جماعي، ونحن أمام نص فيه شخصيات وأفكار، ولكل مشهد فكرته، وإذا جاء ممثل وقال جملته في المشهد بطريقة أخرى أو أضاف إليها من ضمن نسيج المشهد والفكرة، فبالنهاية هو ممثل وشريك، لكننا لم نخرج عن الفكرة، وإذا كان هناك اقتراحات من الممثلين تخرج عن فكرة المشهد أو المحور أو النص فهي مرفوضة، بالنهاية أنا أعطي حرية للممثل كي يعبر بأدواته ضمن سياق الرؤية العامة للعمل التي وضعها المخرج وهو الناظم الأساسي لها، لأن الاستفادة من ذكاء الآخرين أمر مهم جداً ويجب استثماره .

هل تطلب من النقاد عدم مقارنة نص الرواية بالعمل؟

بالتأكيد، فالرواية شيء والمسلسل شيء آخر، وهو مأخوذ من روح الرواية التي نجدها ضمن أحداثه، وإذا ما تم تكثيف المسلسل واختزاله بمشاهد معينة فستظهر الرواية وحدها فقط .

الفنان وضاح حلوم قال عن دوره: أجسد شخصية “بشارة” وهو أحد أشخاص العمل الغرقى في طين الواقع والحياة ضاغطة عليه لدرجة وصلت إلى الحد الذي لا يحتمل، وجاءت ظروف الحرب العالمية الثانية لتزيد هذه الضغوط، لكن ترى شبكة العلاقات بين شخصيات العمل، رغم كل الظروف الصعبة من فقر وجوع وألم ومعاناة، فيها شيء من الحميمية الجميلة والتواصل فيما بينها يتم وفق أسلوب كل شخصية .

وتابع: “بشارة” هو صديق ل”أبو رزوق” الذي يجسد دوره الفنان زهير رمضان و”عازار” الذي يؤدي دوره الفنان أندريه سكاف، وهناك طريقة خاصة في تعامل هذه الشخصيات مع بعضها بعضاً، تعتمد على الطرافة وخفة الدم “التنكيت” والمزاح الدائم الذي يصل في بعض المراحل إلى حد الشتائم، لدرجة يحس المتابع أن هذه الشخصيات تكره بعضها بعضاً، بالفعل، ولكن تأتي لحظة تظهر مدى محبة هؤلاء لبعضهم بعضاً ومقدار التضحية الذي يمكن أن يضحيها كل منهم فداء للبقية، والعلاقة بين هذه الشخصيات الثلاث فيها طرافة وخفة دم وواقعية في الوقت نفسه، كما أن بشارة هو شخصية “نسونجية” ينجذب نحو المطلقات أو الأرامل وهو مدمن على الكحول .

وأضاف الفنان حلوم: رغم أن العمل مغرق في البيئة المحلية (الساحلية)، فإنه يتحدث عن أحداث الحرب العالمية الثانية ويمكن إسقاطه على بقية أنحاء سورية، كما أن هناك الكثير من الإسقاطات التي تتعلق بكل مرحلة نعيشها، من خلال الثورة على الاستعمار والاحتلال وكل من يتآمر على البلد، والعمل يتحدث عن خط يقاوم المتآمرين على سورية وعلى الذين لا يريدون لها الاستقلال والسيادة، وهذا يشبه إلى حد بعيد الواقع الذي نعيشه اليوم، ويمكن إسقاط هذا الخط على الأزمة التي يشهدها البلد حالياً، فيعتقد المتابع أن العمل يتحدث عنها لكن بشكل غير مباشر .

وعن رسالة العمل: رأى وضاح أنه ذو بعد وطني وفيه رسائل عدة، منها العلاقات الإنسانية والمحبة وحب الوطن وحب الناس لبعضهم بعضاً والخط الأساسي فيه وطني بامتياز .

أما عن تعامله مع المخرج فهد ميري فقال: إنها تجربتي الثالثة معه، والعمل معه ممتع ومريح جداً، فهو شخص ديمقراطي إلى حد بعيد يترك للممثل هامشاً من الحرية كي يجتهد على الشخصية التي يجسدها بشكل لا تؤثر في الإطار العام لها .

وماذا أدخل من تعديل على دوره؟ أشار وضاح إلى أنه عدّل على الشخصية وأحياناً على المشهد بالتعاون مع زملائه الذين صور معهم، والتعديل كان أثناء تنفيذ المشهد وليس معداً قبله، كما أنه تم بموافقة المخرج فهد ومشاركته، والشرط الأساسي لهذا التعديل كان ألا يؤثر في الخط العام لا للمشهد ولا حتى للعمل، فالرسالة والهدف مصانان ضمن التعديل .

الفنانة رنا جمول تحدثت عن دورها قائلة: أجسد شخصية “مريم السودا”، ذات ماض غير مشرف، فهي بنت هوى (كما في نص الرواية الأساسي)، تتزوج من شخص فقير يجسد دوره في العمل الفنان “محمد حداقي”، ليس لديهما أطفال لأنهما لا ينجبان، ويعيشان في فقر مدقع في بيئة مغرقة بالفقر في مدينة اللاذقية في أجواء الحرب العالمية الثانية، ورغم هذه السوداوية تجد كيف أن هذه الطبقة تبحث في مشكلاتها وتجد حلولاً لها؟ وكيف يفرحون، ومتى يبكون، بمعنى آخر تجد أنهم يعيشون حياتهم بكل تفاصيلها وشجونها رغم قلة الحيلة وصعوبة الحياة .

وأضافت الفنانة رنا: أهم ما يميز طاقم العمل أنه متعاون جداً مع بعضه بعضاً، رغم الظروف المؤسفة التي تمر بها البلاد، فالجميع قلبه على العمل، والمخرج فهد مبدع ومجتهد ويساعد الممثلين أثناء تصوير المشاهد .

وعن التعديل الذي أجرته على شخصية “مريم السودا” قالت: تحاورت مع المخرج لتحديد بعض النقاط في الشخصية لتعديلها، فبحسب نص الرواية والسيناريو المبني على أساسها، فإن الشخصية يجب أن تذهب في اتجاه آخر غير الذي نعمل عليه الآن، ف”مريم السودا” قبل زواجها كانت حسب نص الرواية، وهي ابتعدت عن هذا الدرب لأنها تزوجت، لكنها تحاول أن تستعيد ماضيها وتاريخها (بنت هوى) في لحظات معينة بعد زواجها بسبب سوء الحالة التي تعيشها، فعملت مع المخرج فهد كي لا تذهب الشخصية بذلك الاتجاه على أنها لا تفقد ماضيها ولكن دون أن تستعيده، ودارت نقاشات كثيرة حول هذا الدور بشكل لا يؤثر في خط العمل بل يصب في مصلحته وفائدته .

بدورها قالت الفنانة سلاف فواخرجي: أجسد شخصية “رندة” الفتاة الرومانسية التي تعيش حالة حب مزدوجة بين الحبيب والوطن، ودوري هو أحد الأدوار الرومانسية التي تظهر مدى المعاناة والألم التي كان يعيشها المحبون في ذلك الوقت، خاصة عندما يقع الأمر في خيارين لا ثالث لهما أحلاهما مر، وهو إما اختيار الحبيب وفقدان الوطن وإما اختيار الوطن وفقدان الحبيب .

وأضافت الفنانة سلاف أن العمل يشكل ملحمة درامية لمنطقة مهمة من الجغرافيا السورية، وما يميزه هو اللهجات المتعددة التي تتحدث بها شخصيات العمل، ما يعطيه تنوعاً جميلاً .

الفنانة تولاي هارون تحدثت عن دورها بالقول: أجسد شخصية سيدة مسيحية تدعى “ميلو” تعيش في مدينة اللاذقية مع زوجها في فقر مدقع، يدفعها سوء الحال وقلة الحيلة والصعوبة البالغة في تأمين لقمة العيش إلى التفكير جلياً بالعودة إلى مسقط رأسها في بلدة صافيتا بريف الساحل، ففي حالة العذاب التي تعيشها الشخصية تتذكر أيامها الخوالي في البلدة مع رفاقها وجيرانها هناك، فتبدأ بإقناع زوجها بالفكرة، وتنجح في نهاية الأمر بذلك، وفي لحظة الرحيل والعودة إلى مسقط الرأس تعيش حالة حزن ويأس كبيرين نظراً لفراقها لمسكنها (وهو عبارة عن غرفة غير مناسبة للعيش تنبعث منها الرطوبة التي تسبب المرض)، ونتيجة لفراقها أهالي الحي الذي عاشت معهم أياماً اقتسموا فيها الحلو والمر مع بعضهم بعضاً .

الفنان زهير رمضان قال عن دوره أجسد في هذا العمل شخصية “أبو رزوق” وهو أحد أفراد شلة تجمعها علاقة خاصة (“عازار” الذي يؤدي دوره الفنان أندريه سكاف، و”بشارة” الذي يؤدي دوره الفنان وضاح حلوم)، هذه العلاقة القائمة على المزاح والطرافة والضحك، وقد أعجبتني هذه الشخصية لخصوصيتها الكبيرة، ف”أبو رزوق” الذي ينتمي إلى بلدة صافيتا في ريف الساحل السوري (ريف محافظة طرطوس)، يغترب بعيداً عن بلده ويهاجر إلى أمريكا اللاتينية (الأرجنتين)، ويفشل في حياته كمغترب، فيعود إلى وطنه الأم ولكن إلى أين؟ فهو قد باع كل ما يملكه في “صافيتا” من أجل السفر، فيستقر في مدينة اللاذقية ويعمل هناك في صيد السمك الذي لا يدر عليه المال اللازم لكي يسد احتياجاته ويؤمن له لقمة العيش . يتعرف إلى “بشارة” و”عازار” من خلال سكنه في خان تقطنه عائلات تعيش جميعها في ظروف اجتماعية سيئة، وتجمعه ببشارة وعازار علاقة خاصة تنبع منها روح الطرافة والمزاح الذي يحول قساوة العيش إلى بسمة في أرض صحراء يملؤها الهم واليأس.