2012/07/04

الملصق السينمائي بوابة العبور إلى عالم الأفلام
الملصق السينمائي بوابة العبور إلى عالم الأفلام

أسامة عسل - البيان

ملصق الفيلم بلغة أهل الفن السابع يعني بالإنجليزية (بوستر)، وبالفرنسية (أفيش)، ويعمل من خلال مفردات التعبير والتأثير على تقريب جو العمل العام، ولفت نظر الجمهور ودفعه إلى الاهتمام به وجذبه لمشاهدته معتمدا في ذلك على عنوان الفيلم وصور وأسماء النجوم، في تصميم يميل إلى فن التشكيل مستخدما الألوان وأحيانا الرسوم الإيحائية التي تخاطب عين المتفرج وغرائزه، ومن ثم يكون الملصق السينمائي هو البوابة التي يمر من خلالها المشاهد إلى عالم الأفلام، ويكون إما سببا في نجاح مذهل لعمل ما، أو عنصرا رئيسيا في إخفاق آخر.

هناك أسلوبان شائعان في تصميم معظم ملصقات الأفلام السينمائية، احدهما يعتمد مجموعة من الصور الفوتوغرافية من الفيلم يجري تقطيعها وتوزيعها في مساحة الملصق، أو تحديد صورة واحدة أو اثنتين تعبران عن مضمون العمل، مع استخدام لمسات فنية تقنية إليهما لإبرازهما من خلال الأجهزة الفنية الحديثة التي ظهرت في السنوات الأخيرة، والأسلوب الثاني هو رسم صور بشكل واقعي عادة لوجوه الممثلين الرئيسيين في كتل كبيرة، وهو الأسلوب المألوف في معظم ملصقات الأفلام الأجنبية والمصرية قديما، وفيه عناية بدقة التشابه أكثر من الاهتمام بجمالية التعبير، وقد جرت محاولات للخروج عن النمط المألوف في تصميم هذه الملصقات، وذلك باللجوء إلى أسلوب الرسوم الكاريكاتيرية، وهذا بالطبع يركز أكثر على الأفلام الكوميدية في دلالة على أنها ضاحكة وفكاهية وخفيفة.

ومع التطور اللاحق الذي شاهدته السينما على مستوى آلات التصوير والعرض وتقنية الألوان، وصل ذلك بدوره إلى صناعة الملصق، إلا أن القصص السينمائية النمطية جعلت فن الملصق يراوح مكانه لأن المضمون الذي لم يختلف إلا قليلاً ساهم في وقوفه عند حدود معينة، معتمدا فقط على المفردات نفسها لإحداث التأثير المطلوب في جذب المشاهدين.

وصدرت خلال السنوات الماضية العديد من الأفلام، ولكل فيلم صدر أكثر من ملصق للإعلان عنه، فهناك الملصقات التي تمهد لبداية عرض الفيلم، وتلك التي ترافق عرضه، والأخرى التي تواكب صدوره على أقراص مدمجة، وأحيانا يكون هناك العديد من التصورات للملصقات، وتشمل صورا لغالبية نجوم وأحداث الفيلم، وصلت أحيانا إلى 247 بوستراً لفيلم واحد، مثل (ذا دارك نايت)، وهو رقم ضخم قياسي كان الأول من نوعه ورافق النجاح الساحق للفيلم داخل وخارج أميركا، وهناك حاليا النماذج المجسمة للملصقات والتي زادت مع بروز خاصية الأبعاد الثلاثية، وكان لابد أن يصاحبها بوسترات من النوعية نفسها، ولتكلفتها العالية وشغلها مساحة كبيرة نراها فقط أمام صالات السينما، ومثال على ذلك أفلام مثل (آفاتار) و(كلاش أو ذا تيتانس) و(أليس في بلاد العجائب) وأعمال الكرتون (آيس إيج) و(حكاية لعبة) و(شريك)، وغيرها.

وفي السنوات العشر الأخيرة أدى الاعتراف بالقيمة الفنية لملصقات الأفلام الناجحة إلى جعل هذه الملصقات مقتنيات فنية، يبحث عنها جامعو التحف والآثار الفنية، وفي وقت قصير توسع سوق الملصقات السينمائية وبيعت فيه بعض تلك البوسترات بأرقام فلكية مثل ملصق فيلم (كينج كونج)، وهو أحد كلاسيكيات السينما في عصر الثلاثينات، حيث وصل سعره إلى 345 ألف دولار، وبيع ملصق فيلم (عروس فرانكنشتاين) بأكثر من 700 ألف دولار، وهو أغلى بوستر لفيلم في التاريخ بعد ملصق فيلم (ميتروبوليس) الذي أنتج عام 1927 وبيع بأكثر من 600 ألف دولار، وبالتالي يتضح أن الملصق الدعائي للفيلم هو من يحدد الانطباع عنه ويجعله يخلد في ذاكرة المشاهدين ويرفع قيمته المادية بمرور السنين.

وبعض هذه الملصقات واجهت مشاكل رقابية، خصوصا مع ظهور المد الأصولي لبعض الجماعات الدينية في دول مثل مصر والكويت، وتحايلت عليها شركات الإنتاج والتوزيع ببدائل أخرى حتى لا تتعرض ملصقاتها إلى الرشق بالحجارة وتمزيقها أو رفع قضايا عليها من قبل محامين تحت شعار (خدش الحياء العام).

وفي السطور التالية يسلط (الحواس الخمس) الضوء على صناعة ملصقات الأفلام، وكيفية تعامل شركات التوزيع المحلية معها وسوق بيعها كمقتنيات في مزادات وعلاقة، وموقف الرقابة منها.

الملصق السينمائي الناجح هو أهم وسائل الدعاية للأفلام وأقربها إلى الجمهور قبل دخول الفيلم ومشاهدته، ويعطينا الفكرة العامة للعمل والمعلومات الأخرى، كأسماء الممثلين والمخرج والمنتج وجنسية الفيلم وتاريخ إنتاجه، أو هو بعبارة أخرى إغواء للمشاهد من خلال لمسة جمالية تحاول جذبه في لوحة تشكيلية كاملة تعكس مضمون الفيلم وتصنيفه.

يقول كفاح غريزي المسؤول الإداري في شركة «أمبير انترناشيونال» لتوزيع الأفلام في منطقة الشرق الأوسط والذي يتعامل مع أكبر 5 استوديوهات لإنتاج الأفلام في هوليوود: يعتبر الملصق السينمائي رمزاً للفيلم وعنوانا دلاليا يؤشر إلى طبيعته وموضوعه، ويتحول تلقائيا إلى العلامة للتعريف بالعمل السينمائي الذي هو الفيلم المعروض، حيث يتصدر واجهات صالات العرض السينمائي، ويتصدر كذلك أشرطة الفيديو والأقراص المدمجة (السي دي والدي في دي).

البوستر الناجح

ويضيف غريزي: على البوستر السينمائي الناجح أن يلبي الحاجات المتعددة، فضلا عن كونه مثل أي ملصق يعلن عن بضاعة لكون السينما صناعة وتجارة إلى جانب كونها فنا، ويفترض بالملصق السينمائي أن يلفت الانتباه إليه، وأن يكون ماركة مميزة تلخص دلالات الفيلم وتصنف محتواه وتعرف بأبرز نجومه، والشركات الكبيرة في لوس أنجلوس تستخدم مصممين وفنانين في صناعة البوسترات الذين يبتكرونها وفقا لرؤية المخرج وطاقم صناع الفيلم، ومع التطورات الأخيرة أصبحت تلك الشركات تقدم مع كل عمل أكثر من ملصق وشكل يتناسب وطبيعة المنطقة المعروض فيها الفيلم، فمثلا هناك أفيشات خاصة بأميركا وأخرى بأوروبا تماما مثلما توجد ملصقات خاصة بمنطقة الشرق الأوسط، وغالبا تأتينا الملصقات جاهزة أو في مرات قليلة نضطر إلى طبعها في بيروت لجودة الطباعة هناك وأسعارها المنخفضة.

عادات وتقاليد

وحول الملاحظات على تلك الملصقات وإذا كانت لا تناسب ظروف وبيئة منطقة الشرق الأوسط، يقول كفاح غريزي: أصبحت شركات السينما على دراية بالعادات والتقاليد للمجتمعات العربية، وهم لا يعطون الفرصة لأي تعديلات، وإن وجدت ملاحظات يتم تعديلها فورا، إما عن طريقهم أو طريقنا بعد إطلاعهم عليها.

ويعلق على الجزئية نفسها نسيم خوري المسؤول في شركة «فرنت رو» لتوزيع الأفلام قائلا: الأمر يختلف بين أفلام الشركات الكبيرة في هوليوود والأفلام ذات الإنتاج المستقل، فنحن نشترط عندما نقوم بتوزيعها تغيير البوستر الخاص بها، وإدخال تعديلات تتلاءم مع كل دولة نوزع بها الفيلم، وفق العوامل السياسية والثقافية والاجتماعية والاقتصادية لكل بلد، فالمسموح في لبنان مثلا غير مسموح به في الكويت، ويختلف الأمر في القاهرة وبعض دول الخليج، لكننا في النهاية نحاول أن نحافظ على شكل الملصق إذا كان جيدا ومغريا للجمهور ولا توجد عليه أي تحفظات.

فنيات الملصق

وعن فنيات الملصق السينمائي، يستطرد خوري ويقول: اعتمد الملصق السينمائي حتى السبعينات من القرن الماضي على التصميم ورسم اليد، وكذلك على مهارة الخطاطين، قبل أن تلتهم المطابع الحديثة الصفقة بأكملها وتقدم من منظور تقني هائل إعلانات مختلفة مضيئة ومتحركة وتعتمد على فوتوغرافيا اللقطة وتجسيم الوجوه والأجساد، ما أدى إلى ضمور «الصنعة» وجعل رساميها وخطاطيها المهرة ينقلبون إلى زوايا الإهمال والنسيان بعدما عاشوا حياتهم يرسمون ويبتكرون إعلانات سينمائية كانت سجلا حيا وفريدا لمسيرة طويلة مع السينما، خصوصا العربية، وأفرزت برامج الكمبيوتر (الفوتوشوب، أدوبي الستريتر، والجرفيك) أنماطا جديدة من الملصقات سهلت المأمورية علينا كشركات توزيع، حيث يوجد في كل شركة قسم خاص للتصاميم ينفذ ما نريد بالشكل والأسلوب الذي نراه، خصوصا أن غالبية الأفلام الواردة إلينا تأتينا من أوروبا (فرنسا أو إيطاليا)، وتحتاج بالفعل إلى تدخل لتتناسب ملصقاتها مع الصيغة العربية.

عالم الأفلام

وتملك الملصقات السينمائية كما يقول نسيم خوري أهمية خاصة ودورا كبيرا ومؤثرا جدا في اختيار المشاهدين للأفلام، فهي بمثابة مدخل رئيسي لعالم الفيلم يؤشر إلى عنوانه وطبيعته وموضوعه من خلال كلمات وصور، قد تكون جميلة ومعبرة لدرجة أنها تختصر بشكل ذكي موضوع الفيلم فتجذب الأشخاص، أو تكون عادية فتترك الشخص في حيرة من أمره ومتردداً لأن موضوع الفيلم لم يتضح له، أو قد يكون الملصق سيئا فلا يتردد الشخص في عدم اختيار الفيلم، وهذا في بعض الأحيان قد يظلم العمل الذي قد يكون بدوره جميلا ولا بد من مشاهدته.

سوق المقتنيات

وترى غادة كوناش صاحبة «فنديما غاليري» المتخصص في بيع ملصقات الأفلام القديمة، أن الملصق الدعائي للفيلم هو من يحدد الانطباع الأول عنه ويجعله يخلد في ذاكرة المشاهدين، وهناك عشرات الملصقات لعمالقة السينما الكلاسيكية أمثال ستانلي كوبريك وهيشكوك وجيمس بوند وستيف ماكوين وجيمس دين ومارلين مونرو و أندري هيبورن تجد رواجا في سوق المقتنيات، الذي أصبح يهتم بالقيمة الفنية لملصقات الأفلام الناجحة وجعل منها مقتنيات فنية نادرة.

التقنيات الحديثة

وتعلق غادة على تطور التقنيات الحديثة في صنع ملصقات الأفلام قائلة: تطورت ملصقات الأفلام وتغيرت أساليبها وأشكالها تبعا لتغير الموضة والأذواق، فتصاميم الفنانين في فترة ما قبل الحرب العالمية الثانية كانت ملونة بصورة مدهشة، وكأنها تعكس الحل الذي يمكن أن تقدمه السينما لأزمات الناس، وفي العقود الأخيرة حلت الصور الفوتوغرافية محل الأعمال الفنية اليدوية، إلى درجة أنه لم يعد من المقبول أن يمثل الملصق المصنوع يدويا الأفلام الحديثة، ثم سيطرت التقنيات الحديثة في الرسم والتصوير بالكمبيوتر وباتت هي الأساس في صناعة الملصق الدعائي للفيلم، وهذا بلا شك من وجهة نظري نال من جودة الملصق الفنية.

وندرة الملصقات السينمائية التي تعود لبدايات السينما، ترجعها غادة كوناش لعدة أسباب، منها أن عدد الملصقات القيمة والمصنوعة يدويا لا يتجاوز ألفاً إلى ألفي ملصق، وقد ألقيت معظمها في أماكن مهملة، وبالتالي تضررت أو تلفت بشكل كامل، وهذا يعني أن عددا قليلا هو المحتفظ به إلى الآن، وتضيف غادة: توجد أشهر وأكبر أسواق الملصقات في لندن ونيويورك، والشيء الغريب أن آخر مكان يمكن أن تجد فيه الملصقات السينمائية النادرة هو هوليوود.

الملصقات والرقابة

وحول علاقة الملصقات السينمائية بالرقابة، يرى جمعة الليم مدير إدارة المحتوى الفني بوزارة الإعلام أنها تتعرض إلى قانون المطبوعات والنشر نفسه، مؤكدا أنه ليس هناك تشدد تجاهها مثلما يحدث في بعض الدول الأخرى، لكن من الأمور المرفوضة تماما احتواء الأفيش على ألفاظ أو جمل مسيئة للدين أو العادات والتقاليد أو الملابس العربية، وبعد الموافقة عليها تختم جميع أعدادها (ما بين 50 إلى 200 ملصق حسب أهمية الفيلم) وتراقب بعد ذلك ويخالف أي بوستر ليس مختوما، ويضيف جمعة قائلا: الموضوع لدينا مختلف لأننا لا نفسح فقط الأفلام الأميركية والعربية، بل أفلاما من دول أخرى مثل الهند والفلبين وإيران، وذلك لخصوصية بلدنا الذي يضم مزيجا من الثقافات المختلفة، وهذا يتطلب وعيا أكثر ورقابة من نوع خاص على الصور في تلك الأنواع المتعددة من الأفلام.

مشاكل الأفيشات

ويتعرض علي أبو شادي رئيس الرقابة على المصنفات الفنية في مصر سابقا إلى عدد من المشاكل التي أثيرت حول أفيشات الأفلام المصرية، قائلا: شوهدت في العقود الأخيرة أفيشات عديدة وقد قذفت من أشخاص مجهولين بالحجارة والطين أو ما شابه لتغطية أجزاء بعينها من أجساد نجمات برزت على ملصقات الأفلام، أي أن الرقابة الاجتماعية هنا كانت أكثر تشددا من رقابة وزارة الثقافة، ولعل أشهر تلك الحالات أفيش فيلم (شهر عسل بدون إزعاج) لأحمد فؤاد عام 1968، حيث ظهرت فيه الممثلة ناهد شريف وقد تعرى ظهرها تماما، بينما ظهر زوجها في الفيلم حسن يوسف وهو يهم بتقبيلها، ولعله الأفيش الأكثر جراءة الذي صدم الناس، خاصة بعد هزيمة يونيو، وأثار استياء الناس، وسرعان ما تمت تغطية ظهر الممثلة بما يوحى بأنها قد ارتدت ملابسها، ومن التجارب الحديثة أفيش فيلم (نوم في العسل) لشريف عرفة 1997 حيث ظهرت فيه دلال عبدالعزيز وعادل إمام وشيرين سيف النصر وقد اختفوا وراء ملاءة طويلة، بينما ظهرت أجزاء فاتنة من سيقان دلال وشيرين، وقد أثير حول هذا الإعلان الكثير من الاعتراضات في فترة تصاعدت فيها حدة العمليات الإرهابية وقضايا الحسبة ضد الأفيشات المشابهة، لذا سرعان ما تمت تغطية السيقان العارية بشكل ملحوظ، ويسوقنا هذا إلى مسألة تغطية الصدور على ملصقات أبواب السينما في مصر وقضايا الحسبة التي رفعت ضد صور بعينها لفيلم (أبى فوق الشجرة)، لكن من الواضح أن هذا النوع من الأفلام فرض أيضا أفيشات مختلفة لاحقا، باعتبار أن أشياء كثيرة قد تغيرت في المجتمع المصري، وفرضت نفسها على السينما وملصقاتها في السنوات الأخيرة.ص