2012/07/04

المونتير: يوسف عثمان
المونتير: يوسف عثمان

أعتبر المونتاج عملية إخراج ثانية تعتمد على الحس الذوقي. لا أطالب بجائزة لي وإنما لهؤلاء الذين عملوا لسنوات وأبدعوا من أجل الفن في سورية. الأجر الذي نتقاضاه لا يعادل أبداً الجهد والضغط الذهني الذي نبذله. بوسطة- دينا حجازي إنها لحظة تحقق فيها حلمه بدخول مديره إلى غرفة الأشرطة, وهو يحاول العمل على أجهزة المونتاج. كانت هي نقطة التحول في حياته ليكون أحد الأشخاص الذين أسهموا ببرامج ومسلسلات لا نستطيع نسيانها (ما يطلبه الجمهور, غداً نلتقي, الكواسر...)، ولتكون مسيرته المهنية مجموعة من الذكريات التي تتلاحق لتحكي قصة مشواره الطويل المفعم بالأحداث الممتعة. وبهذا الحديث المليء باللحظات المميزة التقت بوسطة مع المونتير يوسف عثمان وهو يعمل على مونتاج مسلسل "رجال مطلوبون" في شركة(صورة) للإنتاج الفني حيث دار معه هذا الحوار:  لو تعرف لنا، بشكل بسيط، عملية المونتاج؟ المونتاج يعني ربط اللقطات أو المشاهد أو الأحداث مع بعضها, وأعتبرها عملية إخراج ثانية، وتعتمد على الحس الذوقي, فالمخرج يعطي خيارات لترتيب اللقطات وأحياناً يترك الخيار للمونتير في وضع لقطة عامة أو قريبة للمشهد. من الممكن أن يقوم أي مونتير بتنفيذ المونتاج, ولكن ليس بنفس الحس, هناك أشخاص يخطئون في تركيب المشهد حسياً كإظهار وجه الممثل حزيناً والحالة قد لا تحتمل ظهوره بذاك التعبير. المونتير يجب أن يرى المسلسل كالمشاهد, وكما يتوقع المشاهد حدوثه. حدثنا عن البدايات التي دفعتك للعمل كمونتير؟ في عام 1982 في الشهر التاسع, كنت أستعد لامتحانات الشهادة الثانوية, وكنت وقتها أحب متابعة المسلسلات التلفزيونية. في ذلك الوقت كان لدي صديق يعمل في التلفزيون, ودائماً يستفزني في أن عمله ممتع. فذهبت إلى والدي وطلبت منه أن يسمح لي بالعمل في التلفزيون بعد حصولي على الثانوية. وفعلاً أخذت الشهادة وتقدمت لوظيفة في التلفزيون وتم قبولي في مكتبة الأشرطة (الأرشيف) التي تحتوي كل الأشرطة التي يتم بثها في فترة الإرسال, فكانت تدور دائماً في رأسي رغبة في تجربة المونتاج على الأشرطة, فغيرت دوامي من نهاري للدوام الليلي وأول مرة حاولت فيها كانت أغنية "أنا مغرم فيك" للفنان وديع الصافي وكانت الساعة حوالي الثالثة صباحاً, وفي .. انشغالي دخل إلى المكتبة بشكل مفاجئ الأستاذ منير الرفاعي ووجدني أقوم بعملية المونتاج فسحبت يدي فوراً عن الجهاز, ولكنه طلب مني الاستمرار وراح يوجه لي بعض الملاحظات, وعند خروجه أخبرني أن أزوره غداً في مكتبه, وفي اليوم التالي وافيته إلى مكتبه حيث وظفني في قسم المونتاج, وهكذا لم أبقى في الأرشيف إلا شهرين. وتم قبولي بصفة مونتير عن طريق لجنة مؤلفة من ثمانية أشخاص - يعتبروا مؤسسيي التلفزيون السوري- وأذكر منهم (ماري كلش وعبد القادر قصاب). وأول برنامج قمت بمنتجته كان "اللغة والناس" الذي كان يقدمه يوسف صيداوي في سنة 1983م. بعدها انتقلت إلى برنامج "ما يطلبه الجمهور" من عام 1984م إلى 1999م.  لو تخبرنا عن حدث حصل معك ولا تستطيع نسيانه؟ الحدث الذي لا أستطيع نسيانه عندما كان الرئيس الخالد حافظ الأسد يتصل مع رائد الفضاء محمد فارس أثناء رحلته إلى الفضاء. كنت لمدة أحد عشر يوماً أواكب الحدث من مبنى الإذاعة للقيام بتجارب الاتصال مع الأقمار الصناعية, وكان المبنى كله (مستنفر) وكان الأمر إذا رميت الإبرة يُسمع صوتها لأن الجميع كان مترقباً للحدث بكل حواسه. وأذكر وقتها أنني وضعت أغنية "بالسلامة" لعصمت رشيد بعد نهاية الاتصال، وفعلاً بكى الجميع من شدة تأثرهم. وأيضا هناك عمل كنت مسروراً جداً بالعمل فيه مع المخرج بسام الملا في مسلسل "أيام شامية" بسبب الألفة التي جمعت العاملين والممثلين مع بعضهم, وأذكر المعاملة اللطيفة للممثلة هالة شوكت رحمها الله التي كانت كأم للجميع. * كيف يتم التعاون بين المخرج والمونتير؟ في الماضي كان المونتير يرافق كل مراحل التصوير أما الآن لا حاجة لذلك فالكاميرة تسجل كل شيء, والمونتاج يبدأ عندما ينتهي تصوير المسلسل يتم التجميع النهائي للحلقات, وعندما ينتهي التصوير أجتمع مع المخرج لترتيب اللقطات وتبادل وجهات النظر. هل سافرت خارج سورية للعمل بمهمة, وهل لمست اختلافاً في طريقة العمل؟ سافرت إلى دبي للعمل وكان معظم الفنيين من سورية، ولم أشعر باختلاف المهنة, فالفنيون السوريون محترفون بمهنتهم في مجال الدراما والسينما والبرامج. ولكني كنت أشعر بالغربة وأشتاق لوطني, وكنت أواجه مشكلة ربما يواجهها معظم الدارسين بسورية( ففي دول الخليج يدرسون اللغة الانكليزية في مدارسهم بشكل أفضل بكثير من مدارسنا). ما هي الأعمال التي عملت فيها؟ من البرامج التي عملت فيها اللغة والناس, ما يطلبه الجمهور, تحية المساء, غداً نلتقي,(والآن يتم عرض مشاهد منه في قناة دراما باسم دقائق درامية), نجوم وأضواء, بانوراما, أضواء على الأحداث, نشرات الأخبار, الندوات, وكنت معتمداً في البعثات الإعلامية مع الرئيس الخالد حافظ الأسد، والسيد الرئيس بشار الأسد. وأول مسلسل عملت فيه كمساعد مونتير كان "الطبيبة", هناك الكثير من المسلسلات وأذكر منها "لك يا شام"، "العبابيد"، "أيام شامية"، "بقعة ضوء" خمسة أجزاء، "الانتظار"، "على حافة الهاوية"، "عن الخوف والعزلة"، "الدوامة"، "ليس سراباً"، "طارق بن زياد"، "رجال مطلوبون". وعملت أيضاً للأطفال "كان ياما كان" وبرامج مع هالة الأتاسي, وقمر عمراية. وقمت بمونتاج بعض المسرحيات في الماضي مع الفنان محمود جبر رحمه الله, ومسرحية حمام بغدادي, وهناك الكثير من المسرحيات التي لا أذكرها. بالاضافة الى عدد من "الفيديو كليب" مع مجموعة من الفنانين منهم وديع الصافي وسيد مكاوي ونور مهنى ووليد توفيق وهاني شاكر وراغب علامة وأصالة نصري وماجدة الرومي ودليدا رحمه وجوليا بطرس, والفنان عبد الرحمن آل رشي في "أنا عربي". ما رأيك بعدم حصول المونتير على جوائز تقديرية؟ أنا لا أطالب بجائزة لي، وإنما لهؤلاء الذين عملوا لسنوات وأبدعوا من أجل الفن في سورية. والكثير من المسلسلات التي عملت فيها حصلت على جوائز. وأشعر بالحزن عندما يحصل عمل مميز من أعمالي على جائزة ولا يتم تكريم المونتير, ومؤخراً أضيف لمهرجان أدونيا جائزة أفضل (ماكيير), فهل من المنطق تجاهل عمل المونتير؟. ماذا عن الجهد الذي يبذله المونتير بهذه المهنة, وهل الأجر الذي تتقاضاه يعادل هذا الجهد؟ في المونتاج حواس الجسد كاملة تعمل, وأنا أعزل نفسي تماماً عن العالم الخارجي, وأوجه تركيزي على العمل فقط. هناك ساعات عمل طويلة أقضيها على جهاز المونتاج تصل أحياناً لثماني عشرة ساعة, وفي أوقات أخرى نصل النهار مع الليل كما هو الحال في رمضان عندما نسلم حلقات لمسلسل يعرض على شاشة القنوات وأعمال التصوير والمونتاج جارية. الأجر الذي نتقاضاه لا يعادل أبداً الجهد والضغط الذهني الذي نبذله. وأن طالبنا بزيادة الأجر سيأتي غيرنا ويعمل بأجر أقل, ولا أظن بنفس سوية العمل. ما الذي يميز، من وجهة نظرك، عمل مونتير عن آخر؟ الشاشة هي التي تحكم بالنهاية, هناك كثيرون ممن دخلوا هذا المجال ويعملون كمنفذين للمونتاج ولكن دون حس فني. هل أنت عضو في نقابة الفنانين؟ لست نقابياً, ولقد تأخرت في الانتساب للنقابة, والآن هم يطلبون شهادة جامعية، مع العلم أن أهم الأسماء الموجودة على الساحة الفنية العربية مثل غازي شلاش الذي يعمل في (MBC) ومعتز دياب لم تقبل بهم النقابة!!. هؤلاء الأسماء يجب أن يستثنوا وتراجع سيرهم المهنية, ويتم قبولهم على هذا الأساس . المونتير يوسف عثمان ما هي أحلامه, وهل هناك مخرج ترغب بالعمل معه؟ أحلم بنقابة (للمونتير), وأن أقوم بمونتاج فيلم سينمائي, وأن يتم تكريمنا في يوم من الأيام وتكريم كل العاملين في الأعمال الفنية, ابتداءً من عامل البوفيه إلى آخر شخص. ومن الأسماء التي أرغب بالعمل معها رشا شربتجي. شكراً يوسف عثمان