2012/07/04

النخب ومحاولات تكريس الفكر الطائفي...هل ينجح الإعلام الموجّه الذي كرسته فضائيات مشبوهة ؟
النخب ومحاولات تكريس الفكر الطائفي...هل ينجح الإعلام الموجّه الذي كرسته فضائيات مشبوهة ؟

اسماعيل مروة – الوطن السورية

يأتي صوت الصبية مع صورة متألمة لتقول: نحن لسنا كذلك، نحن لسنا من الطائفيين، أصدقائي وصديقاتي من مختلف الشرائح، ويأتي آخر ليتحدث عن قوميته، وبأنه محترم في المجتمع لكن يشعر اليوم بالخطر الذي يهدد شريحته القومية...! وعندما أتحدث مع بعض الأصدقاء من النخب الثقافية أجد كلاماً متفسخاً تفوح منه روائح الطائفية والتمييز، وأسمع بعض رجال الدين لأجدهم ليسوا أقل جهلاً، بل هم أقل حرصاً على تماسك مجتمع من أجل غايات محددة، وأتذكر قدرة الإعلام والقنوات الفضائية التي حذرنا منها كثيراً في زرع هذه البذور الفاسدة في المجتمع...!

وكأني أسمع أن كل الحكايات عن الوعي كذب بكذب، وبأنكم لا تختلفون عن أي مجتمع بني طائفياً! وبأن التنوع لم يفد شيئاً! وبأن الفكر القومي والعلماني لم يقدم شيئاً!...

التنوع الديني والطائفي

كنت أستمتع بسماع أغنيات تتحدث عن الوحدة الوطنية في بلد عربي عندما تعدد المطربة أسماء محبيها، ولم أكن أعلم أنها باختيارها لمحمود وحسين ومعروف وطوني و... تحدد الطوائف بدقة، ولا تكتفي بتحديد الدين، وعندما علمت شكرت المولى أن هذا الموضوع بعيد عنا تماماً، فنحن أكثر تنوعاً في كل المجالات، وما يتحلى به أبناء مجتمعنا السوري من وعي يكاد يكون فريداً ونادراً.

ولكن حين استمعت إلى أحاديث في الفضائيات هالني ذلك الحديث الطائفي من رجل عاش حياته في السلطة، ومن آخر ناضل في حزب علماني، ومن ثالث لا يعرف شيئاً عن طائفته، لكنني لم أعره انتباهاً، فهو لا قيمة له، أما أن تجلس إلى صديقك الذي تشاركه الأرض والسكن والبناء والهواء والطعام، وهو من النخبة لتسمع منه مثل هذا الحديث المتعفن فهذا أمر خطر للغاية!! عندها تدرك أن الفتاة التي تحدثت عن رفضها للطائفية لم تتحدث من فراغ!

بين الأمس واليوم

استرعى انتباهي الحديث عن مشكلات الطائفية التي تحولت إلى بعبع في حياتنا اليوم، ونحن في مجتمع أقرب إلى المدينة، ولم أكن لأتخيل تلك القدرة والسرعة على التقوقع لدى مختلف شرائح المجتمع على تنوع الطائفة والقومية، ولم أكن لأتخيل أن ترفع مثل هذه الشعارات في مجتمعنا، وعندما نقول: لا للطائفية، فهذا يعني أنها موجودة...!

وعندما نقول: لا للمناطقية فهذا يعني أنها موجودة! وعندما نقول لا للاختراق، فهذا يعني أنه موجود! فهل أقبل بعد رحلة علمانية وصلت إلى قرن من الزمن أن القرن لم يكن سوى رحلة في عمق الانتماءات الضيقة؟!

في الأمس خرج نزار قباني من القيمرية إلى شارع الأمين وباب توما فالأموي ورسم لوحة بانورامية متكاملة لدمشق وثقافتها فتراه يقول مخاطباً ولده توفيق:

أشيلك يا ولدي على ظهري

كمئذنة كسرت قطعتين

فأذكر حين أراك

علياً... وتذكر حين تراني

الحسين.... ويخاطب الشام قائلاً:

يا شام أين هما عينا معاوية

ويخاطبها مرة أخرى:

يا ابنة العم والهوى أموي / كيف أخفي الهوى وكيف أبين؟

ويخاطب عبد الناصر:

وأصرخ يا أرض الخرافات احبلي / لعلّ مسيحاً ثانياً سوف يظهر

ويتحدث عن جميلة بوحيرد العلمانية المناضلة:

إبريق للماء وسجان

ويد تنضم على القرآن

تسترجع في مثل البوح

آيات محزنة الإرنان

من سورة مريم والفتح

هكذا كان أدبنا في الأمس القريب ينهل من كل ما يحيط به، وفي الشام وحدها مغارة مريم عليها السلام على جدار بيت مسلم، والشمعات التي تنيرها غير معلومة المصدر! وفي أدبه خرج حنا مينه بمجتمع الصيادين من أحياء اللاذقية ليقدم مجتمعاً حقيقياً دون غاية إعلامية متعدد الشرائع والطوائف والقوميات، وها هي بقايا صور لا تزال راسخة في أعماقنا ووجداننا ووجدان مجتمعنا.

لم يكتب هؤلاء عندما كتبوا بطلب من أحد، ولم يكونوا مهددين، لذا جاء أدبهم تصويراً وتشريحاً وتحليلاً ومساعداً على الحب، فما حالنا اليوم؟

هل يعقل أن يكون حديث النخب الإعلامية طائفياً؟

وهل يمكن للنخب الثقافية أن تعزز الطائفية؟

وهل من حق النخب السياسية زرع الفكرة الطائفية؟

لن يكون للطائفية أي وجود في مجتمعنا السوري ولا حاجة للبحث عن أدلة، فهي فكرة آيلة للسقوط أمام الوعي والزمن ولن ندخل في أتون هذه الطائفية التي إن صحت أحرقت أصحابها.

لن تحرق الطائفية سوى من يفكر بها ومن ينادي بها، أما الذين يعيشون الحياة كما يجب وببساطة التنوع، فإنهم سيكونون في موضع الحماية، ولن يفيد أحدنا العودة إلى فكر مهجور لا يعرف عنه شيئاً..

إن مجرد الحياة والبقاء في مثل هذا الفكر المتفسخ هو الموت عينه بل هو أقسى من الموت..

لا خطر، ولكن نحوا هذه النخب الكاذبة واتركوا عناصر المجتمع الحقيقية هي التي تحكم علاقاته.. وما بين الحكم والحياة مسافات بعيدة، والمجتمع ليس جزءاً من السلطة والحكم..

فهل أتخيل هذا النوع من الحياة؟ هل أتخلى عن نخبويتي ووعيي من أجل الآخر؟! وهل يستطيع جاهل ملك منبراً أن يستبيح وعيي تجاه أحبتي؟

إن استطاع فعل ذلك أكن عندها غير مستحق لتصنيفي النخبوي، وكل ما ناديت به من أفكار لم يكن سوى تجارة وترويج وتسويق لبضاعة فاسدة.. وعندما تحق الحقيقة ستلفظني ذاتي ومن ثم مجتمعي لأكون مجرد مدعٍ