2012/07/04

بخلاء الدراما السورية
بخلاء الدراما السورية


بسام سفر – تشرين


يروي كاتب البخلاء الجاحظ قصصاً عديدة عن البخل منها قصة تمام بن جعفر الذي كان مفرط البخل, وكان يقبل على كل من أكل خبزه بكل علة, ويطالبه بكل طائلة, وحتى ربما استخرج عليه انه كان حلال الدم.

وكذلك فإن الدراما السورية حظيت بالعديد من البخلاء كشخصيات درامية, وفي مقدمة هؤلاء الفنان الراحل فهد كعيكاتي في شخصية أبو فهمي من أيام دراما الأبيض والأسود, وهو الشخصية التي تنتمي في طباعها الى شخصيات البخلاء, حيث لا يشتري أي مادة من السوق قبل ان يتذوقها, ويحكم عليها, وإذا وجدها ذات مذاق طيب, يعيد التذوق والأكل مرة ثانية وثالثة ورابعة حسبما تسمح وضعية البائع صاحب الرزق.. وأبو فهمي مقتر جدا في ضيافة الآخرين ونجد ذلك في أكثر من مشهد, وبهذا يشابه تمام بن جعفر الذي ذكره الجاحظ.. وفي كتابه أيضا نجد قصة ليلى الناعطية التي يقول فيها: ما زالت ترقع قميصا لها وتلبسه, حتى صار القميص الرقاع وذهب القميص الأول. وزقت كساءها ولبسته حتى صارت لا تلبس إلا الرفو, وذهب جميع الكساء. وسمعت قول الشاعر: إلبس قميصك ما اهتديت لجيبه فإذا أضلك جبيه فاستبدل.. فقالت: إني إذا لخرقاء! أنا- والله- أحوص الفتق وفتق الفتق, وأرقع الخرق وخرق الخرق.

وإذا بحثنا في بخلاء الدراما السورية نجد أن «سمعان بو قعقور» أقرب في الطباع والسلوك الى طباع ليلى الناعطية, حيث انه باستخدام الجاكيت المزيت والبنطال والنظارة السميكة يدلل على طباع البخل والتقتير الشديد, فهو لا يستخدم حتى الأغراض التي تقدم إليه كهدية لكي يوفرهم مع أنه لم يدفع ثمنهم وخير مثال على ذلك عندما يقدم له كبير بيت بو قعقور الفنان دريد لحام «شفرات الحلاقة وزجاجة العطر» فلا يستخدمهم. وقدم الفنان حسام الشاه شخصية البخيل في العمل الدرامي «وادي السايح» عن نص لحسن الحكيم وإخراج محمد بدرخان حيث يتناول الشخصية من «وجهة نظر غير تقليدية تجعل هذه الشخصية قريبة من القلب ومحببة الى النفس مهما بلغت درجة دناءتها, وقد ساعدت مجموعة المواقف الطريفة التي يضع النص فيها هذه الشخصية الفنان الشاه على ان يرسم ملامحها العامة, ذلك ان النص تعمّد، ومن خلال أكثر من شخصية،  ان يتسم بالطرفة، ومنها شخصية البخيل التي أداها ببراعة حسام الشاه ناقلا إياها من إطارها التقليدي المنفر والقميء الى إطار يدفع الى محبة الشخصية مع الإبقاء على موقفه السلبي من تصرفاتها»(1), ومن الشخصيات اللافتة للنظر في قضية البخل ما قدمه الراحل خالد تاجا في عمليه الأخيرين «العشق الحرام, والخبز الحرام» الأول من تأليف بشار بطرس, وتامر اسحاق وإخراج اسحاق, والثاني من تأليف مروان قاووق, وإخراج اسحاق, ففي العشق الحرام يلعب دور صناعي وتاجر كبير يتزوج من فتاة في مقتبل العمر ويبذخ عليها بالمال وبينما يقتر على والدتها, أما في الخبز الحرام فنجده في شخصية عبد الوهاب الرجل الغني صاحب المعامل والعقارات لكنه المقتر شديد البخل الذي يعامل عائلته بأسلوب سيء جدا من اجل الحفاظ على المال. وأكثر من يتضرر من أسلوب التعامل الابنة «هيام, رواد عليو», إذ يكون سبب شقائها, وهذا ما يدفعها لترك منزل والدها الذي يعيش على أساس ان المال هو سيد كل شيء وهو كل شيء.. ولا يستطيع المشاهد السوري والعربي ان ينسى دور البخيل مصلح الساعات الفنان حسن عويتي في «وراء الشمس» من تأليف محمد العاص وإخراج سمير حسين, وكذلك الفنان عويتي ذاته في «حافة الهاوية». ففي العمل الأول نجده يوميا يعتدي على الاكل -زوادة- المعوق بسام كوسا, من أجل توفير وجبة الغداء, ويستمتع الفنان عويتي في إظهار مقدار بخل وتقتير هذه الشخصية عبر فعل الاعتداء اليومي, بينما في العمل الثاني نجده يحتفظ بالفاكهة في كيس ورقي في غرفته, ويأكل وحده بعيدا عن أنظار أهل بيته «زوجته وابنه» ويعطي زوجته مصروف البيت بغاية الدقة الحسابية, وتتم محاسبة الزوجة على الصرف في البيت بطريقة شايلوكية. أما حضور البخل لدى الشخصيات النسائية في الدراما السورية خير من قدمته بطريقة تقارب الواقع الحياتي الفنانة المخضرمة ذات الحضور الكوميدي العالي الفنانة سامية جزائري, في حضورها بسلسلة النجوم إذ نجدها بخيلة جدا ولاسيما مع أزاوج بناتها, وكذلك في العمل الكوميدي «يوميات جميل وهناء», فهي لا تطبخ في منزلها وإذا حصل ذلك, فنادرا ما يتم لذلك تجدها دائما في موعد الغداء على سفرة بيت جيرانها «جميل, أيمن زيدان» و«هناء, نورمان أسعد», ورغم التلميحات والكلمات غير المباشرة التي يعلق بها أبناء العائلة على الفنانة جزائري, إلا أنها لم تقلع عن هذه العادة اليومية. وتبقى عملية إحصاء بخلاء الدراما السورية تحتاج إلى قراءة أوسع بكثير مما قمنا به, لكن هذا يقوم على مبدأ التذكير بالعديد من الشخصيات الدرامية السورية التي لعبها الفنانون السوريون في ميدان الفعل الدرامي كظاهرة درامية «شخصيات البخلاء».