2012/07/04

برامج الأطفال ضلّت طريقها
برامج الأطفال ضلّت طريقها

دارين شبير – دار الخليج

مصادر التعلم لدى الطفل متعددة، فإلى جانب الأب والأم والمدرسة، يلعب التلفزيون دوراً مهماً، فمن خلاله يتعلم الطفل سلوكيات وتصرفات جديدة، ويكتسب لغات وثقافات متنوعة، وأفكاراً قد تتماشى مع أفكاره أو تتناقض معها، ومن خلال ما نراه اليوم في برامج الأطفال نجد فرقاً شاسعاً بين ما كبرنا عليه وما يكبر عليه أبناؤنا، فلغة العنف والكيل باللكمات والصفعات والكلمات البذيئة أصبحت اللغة السائدة في المسلسلات الكرتونية، وكلمات الحب والإعجاب في ما يشاهدونه أصبحت الوجبة اليومية التي يتلقونها، ومحاولات الفتاة للحصول على من تحب أصبحت فكرة هذه البرامج ومضمونها . فما تأثير هذه البرامج في أطفالنا، وما البديل عنها؟ ناقشنا هذه الحقائق التي نعيشها مع عينة من المشاهدين والاختصاصيين في هذا التحقيق.

تتحسر زكية الصفار، مديرة فرع بنك المشرق بدبي، على اختفاء برامج الأطفال المفيدة التي لا تزال تسكن ذاكرتنا بكل الدروس والعبر التي تحتويها وتتساءل: أين “أبو الحروف” اليوم، و”افتح يا سمسم” و”المناهل” و”الحكايات العالمية”؟ لا أزال أذكر هذه البرامج، بكل ما فيها من فوائد، فقد كبرنا عليها وتعلمنا منها الكثير .

وتؤكد زكية أن برامج الأطفال اليوم مليئة بالعنف ولا تحتوي أي دروس يستفيد منها الأطفال، وقد منعت أطفالها من مشاهدة هذه البرامج، وعن البديل تقول: أشتري لهم أشرطة “افتح يا سمسم” و”الحكايات العالمية” وأتابعها معهم، وأناقشهم في الحكمة والدروس التي تقدمها، وأصبحوا يستمتعون بمشاهدتها كما أستمتع أنا تماماً .

وطالبت زكية بعودة هذه البرامج المفيدة وتطويرها من حيث التقنيات ليقبل عليها الأطفال فيستفيدوا ويتعلموا، ويبتعدوا في الوقت نفسه عن العنف والسلوكيات السيئة . وأكدت أن ابنها تأثر بإحدى الشخصيات الكرتونية وأضافت: أصبح يقلد “شراك” في كل شيء، تصرفاته وحركاته ونظرات عينيه، ومن هنا بدأت أشعر بالخطر، فمنعته وإخوته من مشاهدتها، واستبدلتها بما يفيدهم .

وذكرت زكية أنها من خلال متابعتها برامج الأطفال لاحظت أن أغلب المسلسلات الكرتونية العربية مليئة بالعنف، وأن الأجنبية تحتوي على فائدة أكبر، واستنكرت هذا الأمر، قائلة: الأولى أن تعرض قنوات الأطفال العربية ما تغرس من خلاله القيم والأخلاق في نفوس أطفالنا، ويا حبذا لو كان من بين ما تقدمه قصص عن الأنبياء بشكل جميل، فالطفل يتأثر بما يشاهد أكثر مما يقرأ، وبهذا يمتلك وعياً بدينه وأخلاقه .

ترى موزة عبدالله، موظفة استقبال في محل للإلكترونيات بدبي، أن برامج الأطفال سيئة بالمضامين التي تقدمها، والتي يحتوي أغلبها على العنف والغزل، وتقول: من يتابع سلوكيات الأطفال الذين يتابعون المسلسلات الكرتونية، سيلاحظ أنها مليئة بالعنف الذي يكتسبونه من مشاهدتهم تلك المشاهد، كما أن الفتيات في سن المراهقة يغلب على حديثهن الكلام عن الحب والرومانسية تماماً كما يشاهدن في مسلسلات كرتونية كثيرة، كما يتنافسن في تقليد بطلات تلك المسلسلات من خلال اللبس والماكياج رغم صغر أعمارهن .

وتؤكد موزة أنه من الضروري أن يحرص الأهل على تعزيز تعاليم الإسلام وترسيخ العادات والتقاليد التي تحمي الأبناء من الانجراف وراء ما يشاهدونه مضيفة: على الأهل دور كبير، والدور الأهم أن يساعدوا أبناءهم من خلال اختيار المسلسل الجيد والبرنامج الذي يفيدهم، ولا تزال بعض القنوات تحافظ على وجود هذه البرامج لديها، كما عليهم توعية أبنائهم بضرورة الاستفسار عما يلتبس عليهم، والإجابة عن كل تساؤلاتهم بعد تفكير عميق وواع، ما يساعد الأبناء على تكوين أفكار سليمة .

يستنكر عباس فرض الله، مساعد مدير خدمة العملاء في محال “شرف دي جي” مضامين برامج الأطفال، التي يحتوي أغلبها على العنف والشجار والملاحقة والمطاردة، ويقول: لم تكن هذه برامجنا في السابق، فقد كبرنا على “افتح ياسمسم” وتعلمنا من “المناهل” وبرامج كثيرة لا نزال نذكرها حتى اليوم، ونذكر الآداب والعادات الحسنة التي تعلمناها منها، أما اليوم فأطفالنا مظلومون بما يقدم لهم مسلسلات فقيرة المضامين غنية بالعنف .

وذكر عباس أنه يستعجب رؤية الأطفال في كل مكان يمارسون العنف ويتشاجرون بشكل دائم، متابعاً: حتى طريقة لعبهم عنيفة لا تخلو من الضرب والشجارات والصراخ، وهذا تقليد لما يرونه على الشاشات .

وأكد فرض الله أن تأثير تلك البرامج يظهر مستقبلاً في الأبناء من خلال تحولهم لأشخاص عدوانيين .

ومن خلال عمله في “شرف دي جي” يقول: ألاحظ إقبال الأطفال على شراء الألعاب الإلكترونية التي تحتوي على العنف، أكثر من الإقبال على البرامج التعليمية التثقيفية الهادفة، وهذا مؤسف، وسببه يعود لمحاولة هؤلاء الأطفال تطبيق ما يرونه .

ويطالب عباس القنوات بإعادة تقديم البرامج الهادفة، وعما إذ كان أطفال اليوم يتقبلونها يقول: سيتقبلونها إذا تم تقديمها بطريقة جذابة، تجاري التقنيات والتطور حيث يمكن تقديم برامج من نوعية “افتح يا سمسم” ولكن بشكل جديد ومتطور .

تعاني حياة صقر، ربة منزل، المسلسلات الكرتونية، وتحار في ما تختاره لأطفالها، وسبب ذلك ذكرته بقولها: لا يخلو أي مسلسل من الألفاظ النابية والتي أستغرب كيف تتم الموافقة على عرضها في برامج من المفروض أنها مخصصة للأطفال، وأستغرب كيف تسمح الرقابة لمثل هذه الألفاظ بالمرور من دون أن تحذف، وتضيف: الأسوأ من ذلك اللهجة التي تتم ترجمة المسلسل إليها، حيث لاحظت أن هناك مسلسلات كثيرة مترجمة إلى العربية ولكن بلهجة مصرية، وكان الأفضل أن تبقى اللغة عربية دون لهجة، لأن الطفل أيضاً يتأثر باللغات واللهجات، وأستاء من هذا الأمر، فنحن بالكاد نستطيع تعليم أبنائنا لهجتنا لنسمعهم يتحدثون خليطاً من اللهجات فتضيع لهجتهم الأساسية .

وعبرت حياة عن استيائها من البرامج التي تكون موجهة لفئة المراهقين، والتي غالباً ما تتحدث عن الحب ونزاع الفتيات على أحد الفتيان، أو العكس، وتقول: ابنتي في العاشرة من عمرها وتحب هذه النوعية من المسلسلات الكرتونية، ما يسبب خلافاً دائماً بيني وبينها، حيث أحاول إقناعها بأنها غير مناسبة، لأجدها ترفض الأمر قائلة إنها برامج للأطفال وجميع شخصياتها كرتونية .

وتوجه حياة رسالة للمسؤولين عن قنوات الأطفال قائلة: أتمنى أن تحسنوا اختيار البرامج التي تعرضونها على شاشاتكم، فهي حقاً غير مناسبة لأطفالنا، ولتؤدوا رسالتكم بوعي .

لا تزال رقية أبو بكر، مديرة فرع بنك “ستاندرد تشارترد” بدبي، تتابع برامج الأطفال، ومن خلال متابعتها لاحظت ليست كبرامج الأمس، وعن ذلك تقول: برامج اليوم ليست تعليمية وهادفة كالسابق، فكثير منها بلا مضمون ولا معنى، ولكن هذا لا يلغي حقيقة تقديم بعض القنوات لبرامج كثيرة هادفة .

وذكرت رقية أن العنف هو الوجبة الأساسية في برامج الأطفال، قائلة: يؤثر ذلك في الأطفال بشكل مباشر، ويرتبط الأمر بوعي الأهل وانتباههم لأطفالهم، فإن كانوا على علم بنوعية البرامج التي يتابعها أطفالهم، فسيقل التأثير السلبي فيهم، وترى رقية أن برامج الأطفال القديمة ك”الحكايات العالمية” ذات قيمة وهدف، وتطالب القنوات بإعادة بثها، مضيفة: لا نزال نحن الكبار نذكرها، وأعتقد أن الأطفال سيحبونها لأنها تقدم حكاية مفيدة يومياً .

من جهتها ذكرت الدكتورة فاطمة السجواني، اختصاصية نفسية بمنطقة الشارقة التعليمية، أن الطفولة هي مرحلة الاكتساب والتخزين التي تتم فيها برمجة ذاكرة الطفل، وأي مؤثرات خارجية سواء كانت إيجابية أو سلبية تؤثر بشدة في عقلية الطفل وتفكيره ونموه اللغوي في تلك المرحلة وما بعدها، وتقول: تؤثر المؤثرات الخارجية في نمو الطفل، فإما أن تكون من خلال البرامج التلفزيونية أو التنشئة الاجتماعية وكلها تؤثر في لغة الطفل، والإعلام ببرامج الكرتون التي يعرضها، والتي تحتوي على الخيال والإثارة ما يجذب انتباه الطفل ليكتسب منها أكثر من غيرها، ويعدها في أحيان كثيرة قدوة له بغض النظر عن محتواها وقيمتها ومضمونها، فهو في سن صغيرة لا يستطيع التمييز فيها بين الواقع والخيال وبين المقبول والمرفوض، فمرحلة نضجه لم تكتمل بعد . وتضيف: معظم المادة الموجودة على شاشات الأطفال منقولة من ثقافات أخرى، ومترجمة أو مدبلجة، وقد تابعت برنامجاً على إحدى القنوات الكرتونية المعروفة والتي تلقى إقبالاً كبيراً من الأطفال، يحاكي الحضارة الصينية بعاداتها وموروثاتها وثقافتها التي قد لا تناسبنا، ليتفاعل الأطفال معها من دون أن يعلموا أنها تختلف عنا في أمور كثيرة .

وذكرت الدكتورة فاطمة السجواني أن برامج الأطفال تشكل خطراً على الطفل إن لم تكن مدروسة بعناية ومنتقاة بوعي شديد، قائلة: بما أننا لا نستطيع أن نوقف تلك البرامج فعلى الأهالي أن يحذروها، وعليهم أن ينتقوا لأبنائهم البرامج الغنية بالمضمون والقيمة، وأن يحاولوا أن يشاركوهم المتابعة، حتى يصححوا لهم بعض المفاهيم، ويحموهم من التأثيرات السلبية لتلك البرامج، فالانعكاسات تظهر في سن صغيرة حيث يقلد الطفل ما يراه أمامه ويؤذي نفسه، أو يختزل الكثير من السلوكيات لتظهر في مرحلة لاحقة على هيئة كلمات وتصرفات غريبة على مجتمعنا .

عن كيفية انتقاء برامج الأطفال تحدث أشرف يونس، مدير قناة “إم بي سي 3” فقال: يتم الانتقاء بناءً على عدة عوامل أبرزها جودة المحتوى البرامجي، من ناحية توفيره مزيجاً تثقيفياً ترفيهياً راقياً يقدّم المعلومة الصحيحة، ويلائم الشريحة العمرية للأطفال واليافعين الذين تتوجه إليهم القناة، ولا يتعارض أو يختلف مع منظومة القيم والأخلاق العربية لمجتمعاتنا، كما تراعي عملية انتقاء البرامج عناصر أخرى كضرورة وجود العبرة الأخلاقية والمعلومة، وارتفاع المستوى الفني والتقني للمواد، إلى جانب عوامل أخرى تتنوع حسب كل عمل يتم عرضه، كالحصرية أو اسم وسمعة وعالمية الجهة المنتجة، وتاريخ الإنتاج، إلى جانب تفاعل الجمهور مع ما نعرضه .

وأكد يونس أن البرامج تعرض على الرقابة قبل عرضها على الشاشة مضيفاً: يتم ذلك عبر 3 مراحل، “لجان المشاهدة” التي تضم مزيجاً من الشرائح العمرية والاجتماعية والعلمية التي تُجري تقييماً لأي مادة تعرض على “إم بي سي 3” ومن جميع النواحي التقنية والعلمية والأخلاقية والنفسية، قبل أن يتم اعتماد هذه المادة للعرض، و”الرقابة” التي يُراعى فيها العديد من العوامل إذ يمكن أن تضمّ بعض الأعمال لقطات أو عبارات قد لا تنسجم مع منظومة القيم الأخلاقية والفكرية والدينية لمجتمعاتنا، وهو ما نعمل على تفاديه من دون الإضرار طبعاً بجوهر المادة المعروضة، و”المتابعة” التي يقوم فيها فريق مختص بمتابعة ردود أفعال المشاهدين من الأطفال وذويهم سواء عبر الاتصالات الهاتفية التي ترد إلى المجموعة أو القناة، أو من خلال الرسائل والتعليقات التي تصل عبر الموقع الإلكتروني، ويتم التعامل معها بمنتهى المهنية والجدّية، أو من خلال الدراسات والأبحاث التي تُعنى بآراء المشاهدين وتقوم بقياس انطباعاتهم وآرائهم وحساب نسب المشاهدة .

وأكد يونس أن برامج الأطفال تؤثر في لغتهم، أما عن التعامل مع هذه المشكلة فقال: نراعي هنا أن تنسجم اللغة العربية المستخدمة في كل برنامج أو مسلسل مع الشريحة العمرية التي يتوجه إليها، ولا سيما في البرامج المنتجة محلياً، والتي يمكننا التحكم في لغتها تحكماً كاملاً، بحيث تزداد بساطة اللغة المستخدمة كلما خاطب المحتوى الشريحة الأصغر عمراً، والعكس . وإلى جانب ذلك تقدم “إم بي سي 3” بعض البرامج والمسلسلات والأفلام العالمية بلغتها الأم (الإنجليزية) وذلك ليتمكن الطفل العربي من تقوية لغته الإنجليزية التي تعدّ لغة العصر والعلوم، ويسهل علينا التوجه إلى الطفل عموماً، بغض النظر عن جنسيته، ولا سيما الأطفال غير الناطقين بالعربية والمقيمين في منطقتنا العربية والخليجية على وجه الخصوص، ولا يمكننا التخلّي عن مسؤولياتنا الأخلاقية تجاههم .

وتحدث يونس عن مضامين برامج الأطفال فقال: معظم برامج الأطفال التي تُنتج محلياً أو تلك التي تنتجها أكبر الاستوديوهات العالمية برامج لا تخلو من المضامين والقيم الهادفة، غير أن المضامين والقيم الهادفة تتنوع وتختلف من مجتمع لآخر، وذلك حسب الخلفية الثقافية والدينية والحضارية لكل مجتمع، وهنا تكمن المفارقة التي يجب أن نكون واعين لها، فمن الضروري أن نعرف أن بعض الأفكار التي قد تعدّها بعض المجتمعات الغربية مقبولة كقيمة أخلاقية أو ثقافية تُقدّم للطفل على سبيل المثال، يمكن أن نعدّه في مجتمعاتنا غير قابل للعرض أو للاستهلاك، وهنا تكمن ضرورة الرقابة الذاتية على المحتوى المُستحوذ بغضّ النظر عن اسم وعالمية الشركة المنتِجة له، وهو ما نتوخى فيه الحذر والحرص، فأطفالنا أمانةٌ في أعناقنا، ولا سيما أن التلفزيون يشكل رديفاً تربوياً لصيقاً ودائماً للمدرسة والأسرة ولا غنى عنه