2013/05/29

برامج كرتونية تغذي ظاهرة التطرف
برامج كرتونية تغذي ظاهرة التطرف


هيثم صالح – تشرين

لعل أكثر ما يعانيه المجتمع العربي والإسلامي منذ قرابة العقد وحتى الآن هو الانتشار المخيف لظاهرة التطرف الديني التي أصبحت تقض مضاجع هذا المجتمع وتهدد حاضره ومستقبله بكارثة فظيعة تذكرنا بما حصل في أوروبا خلال القرون الوسطى.

وأياً تكن الأسباب التي غذت هذه الظاهرة وأحدثت فرزاً كبيراً في تركيبة المجتمعات المتآلفة بنسيجها الفسيفسائي على مدى مئات السنين فإنه مما لاشك فيه أن بعض وسائل الإعلام، ولاسيما الفضائية منها، والتي انتشرت انتشار الفطر، ساهمت بشكل كبير في تصعيد هذه الظاهرة وإعطائها بعداً قوامه الأول البحث عن نقاط الخلاف مع الآخر تمهيداً لرفضه وصولاً إلى تكفيره ومن ثم قتله.

تجلت هذه الحالة بشكلها السافر المقيت على نحو أوسع  خلال السنتين الماضيتين من عمر الفوضى الهدامة التي اصطلح على تسميتها بظاهرة «الربيع العربي»، وتبنت الترويج لها والنفخ في أتونها مجموعة من القنوات الفضائية التي أصبحت معروفة ومكشوفة ولاسيما من خلال تسويقها شخصيات مرتبطة بأصحاب هذه الفوضى ومنظريها وبلبوس ديني ولا تكترث إذا قتل ثلث شعب دولة ما، أو تم تدميرها والقضاء على تراثها الثقافي والحضاري والقيمي، فالمهم أن ينجح أصحاب الفكر الظلامي في تنفيذ هذا المشروع والوصول إلى مايريده أصحابه وأدواته، أما الأخطر من ذلك كله فهو أن تتحول هذه الظاهرة من مجرد حالة تسيطر على عقول شريحة من المجتمع إلى ثقافة تلوث عقول الأطفال والناشئة مع التحفظ الشديد على تعبير ثقافة بمعناها العام.

مادفعنا للحديث عن هذا الموضوع هو قيام بعض الفضائيات العربية المتخصصة ببرامج الأطفال وأفلام الكرتون بتقديم نماذج تربوية وترفيهية تحمل في طياتها ترسيخ ثقافة التطرف، فتنطبع الفكرة في ذهن الطفل من خلال الصورة التي يشاهدها وقد تكون هذه الظاهرة مقصودة وإن لم تكن تبدو كذلك.

فعلى سبيل المثال «قناة طيور الجنة» المتخصصة ببرامج الأطفال تغذي في ذاكرة الطفل أن الشخص الجيد والحكيم والطيب هو الرجل الذي يرتدي ثوباً طويلاً إلى ماتحت الركبة مثلاً ويطلق لحيته وأحياناً يحلق شاربيه.

ومع تحفظنا على هذه القضية لأننا نحترم رجال الدين الأفاضل أصحاب الفكر التنويري الذين تتشبه بهم مثل هذه الشخصيات الكرتونية فإن ذلك لا يمنع أن يكون الرجل الطيب والحكيم وصاحب الأخلاق الحميد هو شخص أيضاً يرتدي البنطال والقميص والزي الرسمي إضافة إلى زي رجل الدين من كل الأديان.

في النتيجة، إذا كانت هذه الظاهرة مقصودة فهذا شيء تترتب عليه عواقب وخيمة لمستقبل أجيالنا القادمة، أما إذا لم تكن كذلك، فيجب على القائمين على هذه القناة وأمثالها من الفضائيات التي تعنى بشأن الطفولة الانتباه إلى ذلك وألا تبرمج أذهان الأطفال في اتجاه واحد لأن مجتمعنا يكفيه ماعاناه ويعانيه من هذه الظاهرة حتى الآن.

فأطفالنا بحاجة إلى مستقبل تسوده لغة الحوار وقبول الآخر والعيش معه في كنف الوطن لا أن يقصيه ويناصبه العداء بناء على أفكار مسبقة قد لايكون له علاقة في تسللها إلى ذهنه.. وهنا فإن دور الأهل والأسرة جوهري في لفت انتباه الطفل إلى أن الحياة لا تقتصر على ماتبثه وسائل الإعلام فقط.