2012/07/04

بعد محاولة منعها من الغناء: فيروز ونصف قرن من    مواجهة الأزمات!
بعد محاولة منعها من الغناء: فيروز ونصف قرن من مواجهة الأزمات!

  محمد منصور- القدس العربي الأزمة التي تتعرض لها السيدة فيروز مع ورثة الراحل الكبير منصور رحباني، الذين شنوا حرباً عليها بسبب التحضير لتقديم مسرحية (يعيش يعيش) مجدداً على مسرح كازينو لبنان... حيث تسلمت إدارة الكازينو إنذاراً من ورثة منصور الثلاثة تطالب بالامتناع عن عرض أي عمل للأخوين على أي من مسارح كازينو لبنان دون الحصول على موافقة من جميع الورثة. وتطور الأمر إلى ما يبدو في المحصلة (تحت ذرائع ومسميات مختلفة) محاولة لمنع السيدة فيروز من غناء تراث الأخوين رحباني الذي طالما التصقت به والتصق بها... هذه الأزمة الجديدة- القديمة، ليست هي أولى الأزمات والمشكلات في حياة السيدة فيروز، التي قضت ما يقارب الستين عاماً في العمل الفني الراقي، ولم تتلوث يوماً في تقديم أي عمل فني هابط، ينال من مكانتها الرفيعة في ذاكرة أجيال وأجيال . هنا استعادة لأبرز المشكلات والأزمات التي واجهت السيدة فيروز خلال مسيرتها الفنية الطويلة. الخجل والخوف من الجمهور! كانت أولى الأزمات التي واجهت السيدة فيروز في بداية حياتها الفنية مطلع خمسينيات القرن العشرين، هي الأجر المنخفض الذي كانت تتقاضاه كمغنية في الإذاعة اللبنانية، ثم الخوف من مواجهة الجمهور والظهور على المسرح... وقد ربطت الصحافة آنذاك بين المشكلتين، فكتبت مجلة (الصياد) في عددها (382) الصادر بتاريخ 13 كانون الأول/ديسمبر 1951 إلى جانب نشر صورة لفيروز ما يلي: (هذه أول صورة تنشر للمطربة فيروز في الصحف... و'الصياد' هي أول صحيفة في لبنان تثير مشكلة هذه المطربة التي يملأ صوتها المخملي عشرات التسجيلات في جميع محطات الإذاعة العربية ومع ذلك فهي لا تكسب في لبنان أكثر من مرتب فتاة كورس، أي أقل من ثمن فستان من الدرجة الترسو! وعيب فيروز أنها دخلت قصر المجد الفني من باب الإذاعة، وهو أضيق أبوابه وهي لا تزال طالبة ومن أسرة فقيرة مؤلفة من تسعة أشخاص ينامون جميعهم في منزل متواضع جداً مؤلف من غرفتين، وليس لهذه العائلة من ثروة ومورد غير صوت فتاتها الصغيرة الذي يتألق دائماً في جميع البرامج الموسيقية بمحطة الإذاعة ولكن بالسخرة ومجاناً لوجه الفن الرفيع)! وقد ذهبت جميع المحاولات التي بذلها الأخوان رحباني في حمل فيروز على الظهور أمام الجماهير... فالفتاة خجولة يحمر خداها ويتلعثم لسانها إذا قال لها أحد زملائها 'أحسنت يا ست' وعندما تتكامل قوى فيروز النفسية وتظهر على المسرح فتكون النجمة التي رشحتها وترشحها 'الصياد' لاحتلال مكان الصدارة بين المغنيات اللبنانيات... وكل ما نرجوه من حضرة مدير الإذاعة هو أن يشملها بعطفه لأنه الوحيد الذي يستطيع أن ينصف هذه الفنانة). صدقت مجلة 'الصياد' في تنبؤاتها المبكرة... فسرعان ما احتلت فيروز مكان الصدارة ليس بين مطربات لبنان، بل أضحت بما قدمه لها الأخوان رحباني نسيجاً متفرداً في الأغنية العربية... أما مشكلتها مع المسرح والخجل والخوف من مواجهة الجمهور... فقد تجاوزتها فيروز لتغدو ذكرى من زمن البدايات! فيروز لا تغني على العشاء! في مطلع عام 1965 وكانت فيروز قد أضحت مطربة مشهورة في الوطن العربي... كان الرئيس التونسي السابق الحبيب بورقيبة يتهيأ للقيام بزيارة رسمية إلى لبنان، وقبل أن يصل أبلغ مستضيفيه رغبته بالاستماع لصوت فيروز... فقرر الرئيس شارل الحلو إقامة حفل للضيف الكبير وأبلغ الأخوين رحباني اللذين طلبا مبلغ (75) ألف ليرة لبنانية تكاليف إقامة الحفلة، خفضت فيما بعد إلى 30 ألف ليرة بمطلب من الحكومة التي عادت فطلبت التنازل عن هذا المبلغ فوافق الرحبانيان. انقضت أيام... وقبل وصول الضيف بأسبوع، اتفق أن تقام الحفلة في تياترو لبنان، وأن تكون فيروز وكذلك الأخوين ربحاني والمخرج صبري الشريف متبرعين... على أن تتولى الدولة دفع أجور العازفين والراقصين وباقي المشتركين من عمال وفنيين... وبوشر بإعداد الفرقة وتهيئة البرنامج الذي تضمن اسكتشات وطنية، وموشحات أندلسية، ولوحة عن فلسطين. وفجأة أبلغ الأخوين رحباني وفيروز عن طريق حسن الحسن مدير الإذاعة اللبنانية، ونبيل خوري مدير البرامج، أنه صرف النظر عن إقامة الحفلة في تياترو لبنان، وتقرر إقامتها على مسرح فينيسيا. ورفض عاصي الرحباني هذا التغيير على اعتبار أن في مسرح فينيسيا فرقة ليلية وبرنامج دائم لا يمكن إيقافه، ولا بالمستطاع فك الديكورات الثابتة وتغيير شكل المسرح ليتلاءم مع احتياجات فرقته التي تقوم عادة بإجراء تمارين وبروفات تستغرق خمسة أيام على المسرح ذاته، التي تقيم عليه الحفلة... وعلاوة على ذلك فالمسرح المذكور غير معد فنياً، ولا يتسع لأعضاء الفرقة والموسيقيين والراقصين الذين أدخلوا على البرنامج... وقد طلب عاصي الرحباني مكاناً آخر، ولكن كما يقول: (لم نلق آذاناً صاغية، وكان ذلك إيذاناً ببدء الأزمة... ووضعتنا الحكومة في مأزق، حاولنا التخلص منه بأن طلبنا مسرح اليونيسكو فقيل لنا: غير جاهز. قلنا: بيت الدين... فقيل: بعيد. قلنا: هاتوا أي مكان معقول... فقيل: دبروها على العشاء... وهنا أدركنا أن اهتمام الحكومة بالفن سطحي، وسيان عندها إذا قدم هذا الفن بشكل لائق، أو بشكل يسيء إلى الفن ولبنان معاً). ورفض عاصي الرحباني أن تغني فيروز على العشاء... وتم إقرار حفل بديل يشترك في إحيائه كبار مطربي لبنان آنذاك: (نور الهدى، صباح، نجاح سلام، وديع الصافي، سميرة توفيق، سعاد هاشم، نصري شمس الدين) ترحيباً بالرئيس الضيف... إلا أن الحبيب بورقيبة اعتذر بلباقة قائلاً إن صحته قد توعكت! لكن الأزمة لم تنته، فقد أصدر رئيس الوزراء اللبناني الحاج حسين العويني قراراَ شفهياً بمنع إذاعة أغاني فيروز في إذاعة لبنان... وقد تابعت مجلة (الأسبوع العربي) في عددها الصادر بتاريخ (15/3/1965) هذه الأزمة... كموضوع رئيسي، تصدرته صورة على كامل الغلاف للسيدة فيروز مع عنوان مثير: (الرئيس عويني يقول: حلوا عني أنتم وفيروز). وقد قدمت للموضوع في صفحاتها الداخلية بالقول: (قبلت فيروز الدعوة لزيارة تونس، بعد أن حال سوء التفاهم بين الحكومة والرحبانيين دون تحقيق رغبة الرئيس بورقيبة في سماع صوتها. وحكاية فيروز والضيف والمسرح تتكرر للمرة الثانية، وكانت المرة الأولى عندما زار شاه إيران بيروت. ومنذ ذلك الوقت، لم تنتبه الحكومة إلى ضرورة إنشاء مسرح تقدم فيه للضيوف 'مآدب' من الفكر والأدب!) وقد حفل الموضوع المذكور بمواجهة مثيرة مع رئيس الوزراء اللبناني حول قرار منع بث أغاني فيروز في الإذاعة اللبنانية... حيث كتبت (الأسبوع العربي): عندما سألنا الحاج حسين العويني عن قرار منع إذاعة أغاني فيروز من الإذاعة اللبنانية رد لأول وهلة: (غير صحيح أنا لم أمنع ولم أوقع أي قرار منع... أما إذا كان أولو الشأن في وزارة الأنباء قد اتخذوا هذا القرار... فهذا من صلاحيتهم، وعلى كل حال... اسألوا وزير الأنباء والإرشاد والسياحة). وقلنا له: لكن الصحف كتبت أنك أنت الذي أصدرت قرار المنع؟ فقال: (إذا قالوا فليكن... أنا منعت... منعت... منعت. أود أن أسألكم هل عمل فيروز لائق؟ إنها تريد أن تفرض على الدولة أين تغني... أليس ذلك عدم لياقة من حضرتها ومن زوجها وابن عمها؟! وعلى كل حال لدينا الآن أعمال أهم من فيروز وسواها، أرجوكم حلوا عني، وخلونا نشتغل بغير شغلة)! وقد علقت فيروز التي كانت تصور وقتها فيلم (بياع الخواتم) علقت على قرار المنع بالقول: (تألمت كثيراً لما حصل، بعد أن أعددت نفسي للنزول عند رغبة ضيف لبنان وعقيلته... ومع أنني وقفتُ على سير الحوار منذ البداية... إلا أنني لا أستطيع التعليق لقلة خبرتي في المسائل الفنية المتعلقة بالمسارح... ولكنني أؤكد أنني لم أطلب مالاً، ولكنني طلبتُ مكاناً مناسباً. وقد استغربت إجراء رئيس الوزراء بوقف إذاعة أغاني من الإذاعة، وهو الذي أكن له كل احترام... ولم أنس باقة الورود التي أرسلها إلي، تعبيراً عن تقديره... عندما قدمت على شاشة التلفزيون (أغاني العودة) خلال احتفالات عيد الميلاد الماضي). انتهى كلام فيروز... وانتهت الأزمة لاحقاً بعدما منعت الإذاعة اللبنانية أغاني فيروز لمدة سبعة أشهر، لكنها كرست قيمة فنية عليا، تستحق أن تكون شرفاً عظيماً في سجل تاريخها وتاريخ الأخوين رحباني: فيروز لا تغني في القصور وعلى موائد العشاء... بل في مسارح فنية محترمة! ويشهد التاريخ الفني لفيروز مع الأخوين رحباني ومن دونهما... أنها لم تخرق هذا العهد والتقليد... وأكثر من ذلك: لم تغن فيروز يوماً لزعيم أو رئيس أياً كان حجمه أو نفوذه... بل غنت للمدن والأوطان وأذكت جذوة التاريخ في مدنياتها العربية التي أنشدتها... فيما ظلت صرختها للوطن: (ع اسمك غنيت ع اسمك رح غني) هي عنوان من عناوين سموها وترفعها عن التزلف السياسي الذي مارسه كبار الفنانين العرب في عصرها! الخلاف.. وأزمة البحث عن البديل! في 27-9- 1972، أصيب عاصي الرحباني وهو في أوج عطائه الفني بجلطة دماغية، أو نزف مفاجئ في الجهة اليسرى من الدماغ حسبما قال الأطباء... نقل على إثرها فوراً إلى المستشفى. نزل الخبر على فيروز كالصاعقة... كانت الحالة الصحية له حرجة للغاية، وكان التوتر الذي عاشته فيروز كبيراً لدرجة أنها دخلت المستشفى في حالة انهيار عصبي قبل أن تعود لتتماسك من جديد... وأمام جمهورها الكبير وجمهور عاصي المبدع... وقفت فيروز على المسرح لتتجاوز أزمتها بالفن والغناء... غنت لعاصي في مسرحية (المحطة) من ألحان ابنها زياد: سألوني الناس عنك يا حبيبي كتبوا المكاتيب وأخدها الهوا بيعز عليي غني يا حبيبي لأول مرة ما منكون سوا! سألوني الناس عنك سألوني قلتهن راجع اوعى تلوموني غمضت عيوني خوفي للناس يشوفوك مخبى بعيوني! لكن هذا الألم على عاصي المبدع الكبير... والإنسان الكبير... لم يمنع فيروز الزوجة بعد ذلك بسنوات من أن تهجر بيت الزوجية وتنفصل عن عاصي ومنصور فنياً... وإذا كان ما يهمنا من الحديث عن أزمات فيروز، أزماتها الفنية دون محاولة تفسير أسباب الخلاف بينها وبين عاصي الذي يدخل في باب الحياة الشخصية للفنان... فإن أقسى أزمة واجهتها فيروز بسبب انفصالها عن عاصي... هي أزمة البحث عن اللحن المناسب. ومن الإنصاف هنا إعادة التأكيد باستمرار على الأهمية الاستثنائية للفن الرحباني في صناعة أسطورة فيروز... من دون أن نغفل مزاياها العظيمة كفنانة بالطبع. طرقت فيروز باب محمد عبد الوهاب الذي سبق أن لحن لها بوجود الأخوين رحباني: (اسهار- خايف أقول اللي بقلبي- سكن الليل- مر بي) لكنه اعتذر بلباقته لأن عاصي صديقه... لكن يبدو أن عبد الوهاب لم يقم اعتباراً للصداقة وحدها وحسب، بل شعر بأنه لن يستطيع أن يضيف جديداً لفيروز بعدما قدمه الرحابنة لها. خاضت فيروز بعد عاصي تجربة مع فيلمون وهبي في ألبوم (دهب أيلول) الذي كتب كلماته الشاعر جوزيف حرب (ياريت منن- ورقه الأصفر- طلعلي البكي- يا قونة شعبية) ثم في أغان لاحقة... واستفادت من نبوغ ابنها زياد الذي كان قد قدم لها ألبوم (وحدن) وشكلت هذه الإرهاصات الأولى لتجربته المختلفة والمتفردة... التي تابعتها معه فيما بعد... وتجلت بشكل أوضح في ألبوم (معرفتي فيك) عام 1987 ثم في (كيفك أنت) لكن ذلك لم يمنعها من البحث عن اللحن البديل منذ بداية خلافها مع عاصي ومنصور، فقررت أن تتعاون مع الملحن الكبير رياض السنباطي الذي رحب بهذا التعاون، ولحن لها في مطلع الثمانينات ثلاث قصائد كتب إحداها الشاعر المصري عبد الوهاب محمد، وكتب الثانية والثالثة الشاعر اللبناني جوزيف حرب... إلا أن فيروز لسبب مجهول لم تقدم هذه الألحان لجمهورها.... ورحل رياض السنباطي وحمل نجله الفنان أحمد السنباطي راية المطالبة بتقديم تفسير لعدم غناء هذه الألحان أو الإفراج عنها... إلا أن فيروز التزمت الصمت طيلة ثلاثة عقود... وبقيت ألحان رياض السنباطي لها، شاهداً على أزمة البحث عن ملحن يضيف لها جديداً بعد تعاونها مع الأخوين رحباني! أزمة الحرب الأهلية اللبنانية والبقاء في الوطن! وفي الحد الفاصل بين الوطني والفني... عاشت فيروز أزمة الحرب اللبنانية الأهلية التي استمرت خمسة عشر عاماً. كان وجه الأزمة بالنسبة لفيروز التي غنت: (بيقولوا صغير بلدي... بالغضب مسور بلدي) و(لبنان الكرامة والشعب العنيد) ليس في وطن جميل يتمزق ويحترق على وقع اقتتال أبنائه وانفجار طوائفه وحسب... بل كانت في وجه آخر أن صوتها الذي ارتبط بلبنان الوطن الواحد، كيف يمكن أن يغدو شيعاً وطوائف؟! عاشت فيروز هذه الأزمة مع الأخوين رحباني في أعمالها المشتركة الأخيرة معهم، ثم عاشتها بمفردها... رفضت أن تنقسم أو أن تنحاز لطائفة أو مليشيا أو صوت، كانت صوت لبنان الواحد... فانطلقت أغنياتها ومسرحياتها من الإذاعات المملوكة للأحزاب والمليشيات المتقاتلة لتوحدهم ولو على أثير البث فقط. ورفضت فيروز في أزمة وطنها أن تهجر لبنان كما فعل الكثير من فناني لبنان الكبار... سكنها صمود (غربة) في (جبال الصوان) وهي تغني: (اللي بيجي من برا بيضلو برا...) وانجلى نبل (زاد الخير) في (ناطورة المفاتيح) وهي تأبى أن تهجر الأرض والبيوت... فرفضت أية عروض كانت تقدم لها للإقامة خارج لبنان... وأكثر من ذلك رفضت فيروز أن تغني في بيروت الشرقية أو الغربية... بيروت المحكومة للميلشيا والأحزاب والحراب... ووقفت عام 1994 في ساحة الشهداء لتغني في بيروت بعد أن تأكدت أن الحرب الأهلية وضعت أوزارها وبعد أن أزيلت المتاريس والحواجز من شوارع المدينة التي عادت مدينة كل اللبنانيين... فكان صوتها عنوان (بيروت الشط الدافي وبحر البيوت... بيروت البلد الل ما بتموت) كما غنت لها في مسرحية (بترا)! مسوّرة في أبراج الصمت والنبل! وقصة فيروز مع الأزمات لم تنته... فهذه السيدة التي ضربت ستاراً من الصمت حول حياتها الشخصية، وشكلت حالة استثنائية في الوسط الفني العربي في النصف قرن الأخيرة... حالة شديدة الرقي، لم تتلوث بالنميمة الفنية، والتصريحات الصحافية المثيرة، وكواليس حفلات المجتمع، وسيل الحوارات الصحافية والتلفزيونية والظهور في برامج الإثارة والفرقعات الإعلامية... لم تنجُ رغم ذلك من الألسنة المرة التي حاولت مساسها والتجريح بها، عبر تناول سيرتها الشخصية بشكل غير لائق... كما رأينا على سبيل المثال في المقال الذي نشره أحد الكتاب اللبنانيين عقب رحيل منصور الرحباني في جريدة 'الراية' القطرية بتاريخ (7/2/2009) بعنوان: (فيروز والأخوين رحباني... فصل من سيرة مأساوية) وأثار لغطاً كبيراً... إذ شكل صدمة لعشاق السيدة فيروز، ليس لأنه قدم معلومات غير معروفة من كواليس حياتها الفنية وطريقة زاوجها من عاصي الرحباني في منتصف الخمسينيات التي زعم الكاتب أنها تحولت إلى حملة صحافية قادها صاحب مجلة (الصياد) لحض عاصي على القبول بالزواج بها بل لأنه شكل اعتداء حقيقياً على صورة فيروز الإنسانة التي عرّض الكاتب بفقر أسرتها ولم يتورع عن التجريح بشكلها، ونبش الكثير من القصص التي يدخل تأويلها في باب (الاستنتاج المغرض) والتي لا تعيب السيدة فيروز سواء صحت، أم كانت ملفقة... فلكل فنان عيوبه ونقاط ضعفه الإنساني التي تجعله في لحظة من اللحظات واحد من البشر، صورته شبيهة بكثير من صور أناس بسطاء آخرين! لكن صورة فيروز الفنانة تبقى نموذجا استثنائياً يحتذى... لطالما تسامت على الدخول في سجالات عقيمة، أو الانزلاق في معارك كلامية مسفة... فجعلت من الصمت رداً بليغاً على كل حملات الإساءة التي تعرضت لها، وجعلت من الصبر والتماسك والعمل الهادئ بعيداً عن الأضواء، عنواناً من عناوين البقاء وسط كل الأزمات التي اعترضت مسيرتها الفنية ولا تزال