2013/07/25

خاص بوسطة-ماهر منصور

 

تابعت بُعيد رحيل نضال سيجري مادة فيلمية عنه، مغرقة بالوجدانية، صيغت بمحبة معديها لنضال، وأسمع اليوم عن فيلم يعد أيضاً عن نضال بمناسبة أربعين رحيله، سيتناول سيرته كإنسان، ويتضمن شهادات لأصدقائه، وأكاد أجزم أنه سيأتي بجرعة عاطفية كبيرة، سيبثها الفيلم بين ثناياه، فالحب كان العقد الذي جمع نضالاً مع كل من عرفه.

 

ولا نحتاج لكثير من البراهين حين نقول إن الراحل نضال سيجري، كان الصديق الشخصي لكل أبناء الشعب السوري، بل وأكثر، لذلك لا أعتقد أن أحداً يحق له وحده أن يصادر نضالاً في دائرة محبته دون محبة الآخرين أو حتى الحزن عليه، فالحزن على رحيل نضال، كما محبته، قضية عامة بمقدار ما هي قضية شخصية، وهذا أمر تلمسناه، خلال الأيام الفائتة، فقد كنا نتبادل العزاء بنضال كما كنا من قبل نتبارى على محبته.

 

من هنا أجد أن مادة فيلمية عن نضال سيجري تبقى في إطار الحديث العاطفي عنه والإنشاء، ستبقى ناقصة، ربما لأن العاشق أناني بطبعه، وكل منا يعتقد أنه يحب بطريقة لم يعرفها سواه، وبالتالي أرى أن رؤية فيلمية مغرقة بالعاطفة عن نضال سيجري لن تتكامل، إلا أن رصدت مشاعر كل من يحب نضال، ومن منا يستطيع رصد محبة (23) مليون سوري أحبوا نضالاً في فيلم...؟!

 

إن تقديراً حقيقياً لنضال سيجري، يتطلب تقديم قراءة هادئة عن تجربته الفنية، بوصفها التجربة- النموذج، لمن عاش الفن ولم يعش على الفن...وقد قضى الرجل حياته بوصفه ممثلاً لا يركن لنجاح كركتر بعينه فيكرره، ولا يستغل جماهيرية عمل في دور بعينه ليطالب بمساحة أكبر للدور القادم..وإنما كان نضال ينحاز إلى ولعه بفن الممثل، فكان يفضل العمل في ثلاثة أو أربعة أعمال بكركترات مختلفة على أن يقدم دور بطولة في عمل طويل قد لا يحقق له حالة الإشباع التي ينشدها من عمله أمام الكاميرا...وعن شخصياته الثانوية، يقول نضال في حوار لي معه: "كنت ألعب على هذه الشخصيات ولم أشعر أبداً أنني أضعت وقتي فيها، وبالعمل عليها ولطالما أحسست أن هذا الذي يقدم هو تفاصيل، وفي التفاصيل يختبئ الشيطان والممثل عليه أن يكون شيطاناً في لحظة وملاكاً في لحظة أخرى، والممثل بدون هذه التفاصيل يبقى عائماً على السطح، فأنا مع التفكيك وإعادة الربط لأنه لا توجد لدينا شخصيات مكتوبة بشكل محكم كالواقع، وبالتالي يجب أن نفكك الشخصية ونعيد بناءها طبعاً بالتعاون مع مخرج العمل إذا كان قادراً على استيعاب الممثل".

 

وسط تلك القناعات، ونتائجها المرضية سيلعب نضال سيجري في تلك الفترة دور البطولة في سهرة تلفزيونية لكن عندما سيرى نتائجها المتواضعة سيخجل كثيراً، وعندها، يقول نضال: "وضبت حقائبي وعدت إلى بيت أهلي في اللاذقية واختبأت، وتوقعت أنني لن أعمل بعد هذه السهرة الفاشلة على الأقل بنظري. لكن الذي حصل فيما بعد هو أن الصديقين مازن الناطور وحاتم علي اتصلا بي وطلبا مني العودة لأن المخرج لطفي لطفي يريد أن يتعرف علي، وفعلاً حين رجعت عرض علي المخرج لطفي عملاً عن مدينة دمشق هو (دمشق يا بسمة الحزن للروائية ألفت الأدلبي، وجاء هذا العمل  بعد  مرحلة خوف شديد".

 

ربما تصلح تلك الحادثة مدخلاً لفهم آلية عمل نضال سيجري في التلفزيون لاحقاً، وكيف استطاع النجم الشاب أن يصنع من خلال تأديته للأدوار الثانية في التلفزيون نجومية، تفوق أحياناً نجومية ممثلي الأدوار الأولى..ربما تصلح تلك الحادثة وتفاصيل فنية ثانية يعرفها أصدقائه لنتحدث عن نضال الفنان، وبقدر ما نمعن بتقديم نضال سيجري الفنان، بمقدار ما نمعن بتقديم نضال سيجري الإنسان، فالمرء يعرف بخليله. دققوا بوصية نضال ومن أين خرج نعشه لتعرفوا من كان نضال يخالل.

 

[email protected]