2012/07/04

بواكير الإنتاج في المؤسسة العامة للسينما
بواكير الإنتاج في المؤسسة العامة للسينما

    كان من أولويات عمل المؤسسة العامة للسينما إنتاج الأفلام الروائية الطويلة ومع ذلك فخلال سبع سنوات من تاريخ إنشائها لم تنتج سوى فيلم روائي طويل واحد وعدد من الأفلام السياحية والروائية القصيرة. لقد ظهرت محاولات الإنتاج الروائي عقب إنشاء المؤسسة مباشرة ومن أولى المحاولات فيلم قصير بعنوان "زهر في المدنية" لمحمد شاهين، كما ظهرت محاولة ثانية على يد المخرج جان لطفي بعنوان "طائر القرية" وبقي ضمن الأفلام المتوسطة الطول، وكانت المحاولة الثالثة على يد المخرج نبيل المالح لنقل رواية لممدوح عدوان بعنوان الأبتر، وقد فشلت هذه المحاولة. ونتيجة هذا الوضع حدث شرخ بين السينمائيين السوريين وبين إدارة المؤسسة التي أصبحت على قناعة بعدم قدرة السينمائيين الموجودين في المؤسسة على أخراج أفلام طويلة. فيلم سائق الشاحنة واستدعت إدارة المؤسسة المخرج اليوغسلافي بوشكو لإخراج أول أفلامها الطويلة، سائق الشاحنة" مع أن المؤسسة كانت تضم ثلاثة مخرجين تخرجوا من معهد السينما بباريس وهم أحمد عرفان – صلاح دهني – خالد حمادة، وكانت للأول تجربة روائية طويلة وللمخرجين الآخرين تجارب في الأفلام القصيرة، تماماً كما هو حال المخرج بوشكو الذي لم يكن معروفاً في عالم السينما في بلاده. وأكثر من ذلك كتب بوشكو سيناريو الفيلم وساعده الراحل نجاة قصاب حسن كما شارك في التصوير مصور يوغسلافي إلى جانب جورج لطفي الخوري وقام بالمونتاج المونتير العراقي صاحب حداد. استغرق إنجاز أول فيلم روائي طويل من أفلام المؤسسة العامة للسينما نحو عامين، فقد بدأ تصويره في عام 1966 وعرض في السابع من نيسان 1968 وشارك في أداء شخصياته خالد تاجا، صبري عياد، هالة شوكت، عبد اللطيف فتحي، ابتسام جبري، محمد صالحية، ناديا فريد، أحمد أيوب. وعلى الرغم من كل الإشكالات التي أحاطت بالفيلم اعتبر فيلم سائق الشاحنة بداية طيبة لسينما القطاع العام، ونوعية جديدة في السينما العربية، فقد تجاوز سلبيات الأفلام التجارية التقليدية، وطرح قضية من واقع الحياة آنذاك، وغاص في مشكلات السائقين الأجراء وعلاقتهم بأصحاب الشاحنات. الفيلم عن فريد الفلاح البسيط الذي يحاول أن يثبت وجوده في مهنته كسائق شاحنة، ويحلم أن يكون له شاحنته الخاصة، ويتحقق شيء من الحلم بصعوبة لكنه يخسر أشياء كثيرة. ويتعلم درساً مهماً، وهو أن لا يخوض معركة بعيداً عن زملائه. في ذات العام الذي عرض فيه سائق الشاحنة عاد المخرج نبيل المالح، ليكون رابع سينمائي سوري يحمل تخصصاً جامعياً في السينما، ويقدم نبيل مشروع فيلم روائي طويل (الأبتر) فترفضه الإدارة ثم يقدم مشروع فيلم (الفهد) فيرفض ثم يوافق عليه، ثم يوقف تصويره قبل أيام من الموعد المحدد في أيار 1969 وقد نفذ الفيلم بعد سنوات في مرحلة السبعينات. وينتج عن هذا الروتين الذي حكم عمل وإنتاج المؤسسة العامة للسينما آنذاك، توقف إنتاج الأفلام الروائية الطويلة واقتصار الإنتاج على أفلام قصيرة تفاوت عددها بين عام وآخر، وترك بعض السينمائيين المؤسسة. وما يدفعنا للاعتقاد أن الأسباب الإدارية كانت العائق دون إنتاج كمي ونوعي آنذاك، أن الفورة الإنتاجية التي انطلقت في بداية السبعينات تمت بذات الأجهزة التقنية، وذات المخرجين والسينمائيين الذين عملوا في الستينات.   عن ذاكرة السينما في سورية