2012/07/04

تجاوز الثمانين ومازال رافضاً الاعتزال كلينت إيستوود آخر عمالقة السينما
تجاوز الثمانين ومازال رافضاً الاعتزال كلينت إيستوود آخر عمالقة السينما

دار الخليج – محمد هاني عطوي

في صباح ذلك اليوم الصيفي، وفي استوديوهات “وارنر” وبالتحديد في منزله الصغير (البنغل) الكائن في مزرعة خاصة في قريته الصغيرة المسماة مالباسو، كان اللقاء مع

أحد عمالقة الشاشة العالمية الذي وصل بسيارته المرسيدس الرمادية اللامعة متأنقاً هادئاً مشرق المحيا تبدو عليه علامات الحيوية رغم بلوغه الثمانين من العمر .

إنه“عملاق الكاوبوي” كلينت استوود الذي لم يزل يعلق على أحد جدران مكتبه الجميل البسيط ملصقاً للفيلم المشهور “من أجل حفنة من الدولارات

جلس استوود بأريحية على كرسيه ممدداً رجليه الطويلتين منتظراً الأسئلة كي توجه إليه، وفي عينيه بريق أزرق متربص . يذكر أن الفيلم الحادي والثلاثين “الآخرة” وهو من

إخراجه لقي انتقادات بسيطة وأرباحاً قليلة حتى في الولايات المتحدة، وكعادته يجد استوود الأعذار باعتباره إنساناً لا يقبل الأمر الراهن أو المحتوم بل يعتمد على حدسه ورجاحة عقله، ولذا يقول “أذواق المشاهدين لا يمكن توقعها أو التنبؤ بها، وأياً كان حكمهم فأنا لا يمكنني فعل شيء آخر ولا بد لي أن أنتقل إلى عمل آخر

المعروف عن استوود أنه سينمائي لا يخضع لما تمليه عليه قواعد هوليوود، فهو يعني ما يقول ويفعل ما يعتقده صحيحاً، وهو مؤمن بما حقق حتى الآن . وعن فرنسا بدأ حوار مجلة “لوفيغارو” مع كلينت ايستوود

متى كانت رحلتك الأولى إلى فرنسا؟

- المرة الأولى التي جئت فيها إلى باريس كانت عام 1966 في شهر مارس/آذار خلال عرض الثلاثية الايطالية لسرجيو ليون “من أجل حفنة من الدولارات”، وكان ذلك في

سينما ركس الكبيرة حيث كان صاحبها هلمان من كبار المشجعين والمتحمسين لهذا الكاوبوي الايطالي . في تلك الآونة كنت  غير معروف ولكن عندما عدت بعد 5 سنوات

مع دون سيجيل لعرض فيلم “ضحايا” كان الأمر قد تغير وبدأ الناس يعرفونني، ثم تمت دعوتي إلى دورات من مهرجان “كان” كما أنني صورت جزءاً من فيلمي الجديد “الآخرة” في فرنسا البلد الذي كان حسن الطالع بالنسبة لي .

هل أنت مؤمن حتى تقوم بعمل فيلم عن الآخرة؟

- مع فيلم “الآخرة” أردت أن أعمل فيلماً لا علاقة له بالدين بل فيلماً روحياً . أما مسألة إن كانت هناك آخرة أم لا فلا تشغلني كثيراً علماً بأنني فكرت في ذلك عندما أردت تصوير هذا الفيلم .

ما الأمور التي تأسف أو تندم عليها؟

-

لا أؤمن بالندم أو الأسف على شيء فأنا إنساني حدسي فما إن اتخذ القرار حتى أشرع بالتنفيذ ولا أؤجل ما عزمت عليه . والرفض عندي لا يعني أن المشروع الفلاني لن

يلقى النجاح، بل أرى عندها أنه من الأفضل أن يتبناه شخص آخر غيري . والأمثلة على ذلك عدة، فعلى سبيل المثال من الممكن أن اخلف الممثل الكبير شين كونري وأن

أكون جيمس بوند الجديد في فيلم “في مخابرات جلالة الملكة” وكنت وقتها اتسلح بالمحامي نفسه الذي كان يعمل لحساب المنتج كوبي بروكولي الذي اقترح أن أرث

عرش تلك الفترة في عام ،1968 وكان ذلك بالنسبة لي بمثابة الصفقة المربحة جداً على الصعيد المادي، لكنني كنت حينها قد انتهيت للتو من العمل في الثلاثية الشهيرة

“من أجل حفنة من الدولارات” ولم أر نفسي قادراً على توقيع عقد جديد خشية أن اتقوقع في بوتقة معينة على المدى البعيد، علاوة على ذلك كنت أرى أن الدور لا بد أن يقوم به رجل انجليزي الأصل وكان عليّ أن أعمل بجهد كبير كي أكون مقنعاً للمشاهدين، ولذا اعتقد أنهم وجدوا العنصر المناسب لذلك الدور .

والمثال الآخر الذي لا أنساه أنه في عام 1977 طلب مني فرانك ويلز حين كان رئيساً لاستوديوهات “وارنر” أن اجسد دور “سوبر مان”، والحقيقة أن تجسيد شخصية كرتونية

شهيرة كهذه ما كان يستهويني على الاطلاق، ولا شك أن الفكرة كانت جيدة ولكن ليس معي، لذا قدمت في تلك الفترة فيلماً جميلاً “الطيب والقاسي والمجنون” بدلاً منه

وقد حقق الفيلمان نجاحاً منطقع النظير لوارنر . ولقد حاولت أنا وستيف ماكوين ايجاد عمل مشترك ولكن كلما كنا نخرج من عمل ما، كان يصرخ في وجهي قائلاً: “المشكلة هي أنك مشهور وكبير إلى حد أنني لا أكاد أظهر أمامك” .

يقال إنك لاعب غولف محترف فمتى بدأت هذه الرياضة؟

- بدأتها في الثالثة عشرة من عمري، كنت اجمع مصروفي من أجل عطلة نهاية الأسبوع لأشترك في نادي للغولف بالقرب من أوكلاند . والحقيقة أنني لم اتلق دروساً فيها

أبداً بل كان مجهوداً شخصياً، علماً بأنني شرعت بالتعلم بالشكل الصحيح عندما بلغت الثلاثين ولم أزل العب حتى اليوم عندما تتيح لي الظروف . ومنذ بضعة أعوام خططت ملعباً شخصياً مع مبنى خاص بكل أدواته .

من هواياتك التي نعرفها هوسك بالطيران فكيف ومتى تعلمت هذه الهواية؟

- بدأ الأمر في صيف 1968 أثناء تصويري لفيلم “سوق الغرب الخيرية” في الأوريجون، وقتها استأجرت منزلاً في باكيرستي وكان على فري

ق التصوير نقلي إلى هناك بطائرة

هليكوبتر موديل (بيل - 47) وكان الطيار معلماً محترفاً وحاصلاً على شهادات، واقترح عليّ أن اتعلم قيادة الطائرة، وبالفعل تدربت عدداً لا بأس به من الساعات . وفي شهر

يونيو/حزيران 1989 وقبل ذهابي إلى زيمبابوي لإخراج فيلم “صياد أبيض وقلب أسود” ذه

بت إلى صالة عرض بورجيه للطيران وط

لبت أن يجهزوا لي طائرة بمحرك واحد . وبعد

انتهاء التصوير، قضيت بعض الوقت في مركز التدريب بمنطقة “إكس أون بروفانس” الفرنسية ريثما يتم الانتهاء من طائرتي . وبالفعل حلقت من هناك لأصل في بضع ساعات إلى قريتي (كارميل) ولن أخفيك إذا قلت لك إن قيادة الطائرة تجعل الإنسان كورقة في مهب الريح، ف

الأمر ليس هيناً كما يتخيل البعض .

ماذا عن المرأة في حياتك، وهل كان لها تأثير من قريب أو من بعيد؟

- والدتي هي أكثر شخص احببته وأحبه في حياتي وكذلك جدتي التي كنت أسكن عندها حيث كان والداي يبحثان عن عمل أثناء الأزمة الكبرى في ثلاثينات القرن الماضي

. وجدتي أثرت كثيراً في تكوين شخصيتي حيث كانت امرأة مستقلة وتقدمية، وكنت بالنسبة لها أفضل الشبان، ولذا علمتني قيادة السيارة وكانت تتركني أقود سيارتها .

أما دينا زوجتي فلقد كان لها تأثير كبير في حياتي حيث جعلت مني رجلاً أفضل من ذي قبل بفضل تش

جيعها وحنانها، كما تعلمت منها ا

لصبر إلى اقصى الدرجات، والتوافق بيني وبينها كبير للغاية فنحن تقريباً نتوافق في غالبية الأمور التي تخص العائلة وتربية الحيوانات والسفر ورياضة الغولف بالطبع .

وماذا على صعيد الأسرة وكيف علاقتك مع أولادك وأحفادك؟


- اليوم اعتقد أن علاقتي ممتازة بأولادي مع العلم أن هذا الأمر لم يكن كذلك على الدوام، ففي بداية مشواري المهني في السينما كنت أبحث عن الشهرة والنجاح وكنت دائم الغياب بحثاً عن التألق فيلماً بعد فيلم .

وعندما صرت أباً في وقت متأخر، قررت أن أكرس وقتي وجهدي لابنتي فرانشسكا (18 سنة) ومورجان (15 سنة) رغم انشغالي الدائم بالعمل وكنت أشارك في كل النشاطات المدرسية التي تشاركان فيها وكذلك النشاطات خارج إطار المدرسة، وأعتقد أنني علمتهما العادات والتقاليد الأصيلة التي ورثتها بدوري عن أسرتي .

عملت في السينما وحققت نجاحات كبرى فهل كنت تتوقع الاستمرار في هذه المهنة وهذا النجاح طوال هذه المدة؟

- لم أكن أتخيل بالتأكيد البقاء طوال هذه المدة في هذه المهنة خاصة عندما حاولت تحقيق ثغرة مهمة لدى دخولي إلى عالم هوليوود في خمسينات القرن الماضي .

والحقيقة أنني كنت دوماً قلقاً من عدم استمرار النجاح، فالحياة أخذ ورد وصعود وهبوط، والحظ يلعب دوراً في حياتنا، وأياً كانت الموهبة التي أملكها فإنها عامل مهم في

المعادلة التي توصلك إلى النجاح ولقد تأكدت من ذلك من خلال عدة تجارب خضتها في هذه المهنة، أما على صعيد الصحة فكنت على الدوام انتبه إلى صحتي وأمارس

الرياضة بشكل منتظم وأنتبه لطعامي وأتناول الفيتامينات، ولم أدخن قط إلا أمام الكاميرا، وأنا متابع جيد لكل ما هو جديد في المجال الطبي وخاصة العلاج النظري الذي درسته في الجامعة في وقت ما في نيويورك .

هل تفكر في الاعتزال أم أنك من المناضلين حتى الرمق الأخير؟

- لا أفكر في الاعتزال أبداً علماً بأن البعض يدّعون ذلك بدلاً مني، والحقيقة أن التقدم في العمر يجعل الإنسان يقدر الأمور أكثر من ذي قبل، وأنا لست بكّاء على الماضي ولا

من الذين يحنون إليه، بل أبقى دائماً على وضعية التعلم لكل ما هو جديد ومازلت أبحث عن التحديات، وهذا أمر محفز يجعلني أشعر أنني لم أزل شاباً وحيوياً . وما دمت

أشعر بأن الشيخوخة لم تنل مني فسأقوم بعمل الأفلام، فها هو مانويل دو أوليفيرا قد بلغ المئة ومازال يمثل ويعمل . ولنا أن نذكر جون هوستن الذي صور آخر أفلامه وهو على الكرسي المتحرك وتحت تأثير الأكسجين،

هلا حدثتنا عن آخر أفلامك أو أفلامك المقبلة؟

- حالياً أعمل على إنتاج أولي للسيرة الذاتية التي تخص الرئيس الأمريكي هربرت كلارك هوفر، وهو الرئيس الحادي والثلاثون للولايات المتحدة، وسنبدأ العمل مع نهاية شهر

فيرابر/شباط الجاري . وأراد الممثل ليوناردو دي كابريو العمل معي وقدم لي السيناريو الذي حرره دوستان لونس بلاك المخرج والمنتج وكاتب السيناريو المعروف الذي نال جائزة الأوسكار عن فيلم “ميلك” عام 2008 .

قرأت السيناريو ووجدته مكتوباً بعناية فائقة ويتناول الفترة التي كان فيها هوفر مديراً “للإف بي - آي” من (1924-1972) . وأعتقد أن الموضوع مهم وليوناردو دي كابريو متحمس له وأنا من المعجبين به، حيث وجدته مميزاً في فيلم بداية (Imception) لكنني لم أشاهد بعد فيلمه (Shutter Islamd) .

ويمثل الرئيس هوفر تحدياً كبيراً بالنسبة له كممثل شاب لأن الدور ليس سهلاً أبداً، وربما ستكون هذه فرصة كي يثبت أنه يمتلك موهبة فذة وقدرات تمثيلية جديدة . وحتى الآن مازال دي كابريو يبحث ويقرأ ولقد تحدثنا مع (الإف بي آي) بهذا الخصوص لاختيار بعض المواد من أرشيفهم . وأتمنى أن يحالفنا الحظ كما جرت العادة .