2012/07/04

«تعب المشوار».. لـ فادي قوشقجي وسيف الدين سبيعي مشوار بين التعب والعتب
«تعب المشوار».. لـ فادي قوشقجي وسيف الدين سبيعي مشوار بين التعب والعتب


ريم الشالاتي - تشرين

انتهى مؤخراً على قناة أبو ظبي عرض مسلسل (تعب المشوار) للكاتب فادي قوشقجي والمخرج سيف الدين سبيعي إنتاج شركة بانة للإنتاج الفني. المسلسل هو الثاني الذي يجمع الكاتب بالمخرج بعد مسلسل (عن الخوف والعزلة) الذي عُرض منذ ثلاث سنوات تقريباً, عبر شراكة متفاهمة ومتناغمة بين قوشقجي الذي يعتز بورقه ويعده ثروة خاصة لا يسلمها إلا لمن يقدرها ويحسن التعامل معها, وبيّن السبيعي الذي يرى في نصوص قوشقجي أهمية نابعة من رصدها واقع الحياة الاجتماعية السورية بروح صادقة وشفافة .

تعب المشوار المسلسل الإهداء لروح الفنان فؤاد غازي والذي استلهم العنوان من أغنيته الشهيرة (تعب المشوار) والتي ترددت كثيراً في المسلسل, يتناول حالات التعب التي تعاني منها العلاقات الاجتماعية بين الأفراد في المجتمع السوري, وقد نجح المسلسل إلى حد ما في رصد الطبقة المتوسطة التي عانت غياباً قسرياً عن الدراما السورية في السنوات السابقة, كما نجح في الاقتراب من الحالة الاجتماعية السورية بشكل خاص بعيداً عن مراعاة حسابات التسويق عربياً. ‏

بعيداً عن أجواء الأكشن, العنف, الإثارة, الجرأة المجانية والفضائحية نسج مسلسل تعب المشوار حكايته من خلال حكايات الناس والعلاقات القائمة بينهم, البطل سعيد الذي جسده الفنان عباس النوري بأداء مزج بين حرفية المهنة وعشق الهواية, رجل في الخمسينيات من العمر مثقف, متنور, ساخر وعبثي ممثلاً لجيل أثقلت روحه خيبات ألقت بظلالها حتى على علاقة الحب الصافية التي جمعته بالصبية ميسون (ديمة قندلفت) لتخنقها في النهاية وتردي به صريع برد الوحدة والذكريات. رغم أن سعيد يعيش حالة من العبثية تجاه مفاهيم اجتماعية معينة كالزواج مثلاً, إلا أنه يظهر بحالة من الانسجام بين التفكير وبين سلوكه المجتمعي بعكس صديقه (جسد الدور زهير عبد الكريم) الذي يعيش حالة من التناقض بين أفكاره وتصرفاته بعد أن غير جلده وانقلب على نفسه. ‏

بمقابل شخصية سعيد كان هناك شخصية ظافر (نجاح سفكوني) صديق سعيد الحميم المنتمي للجيل نفسه والأكثر ايجابية وموضوعية في التعاطي مع المحيط والعلاقات الإنسانية. سعيد الذي بدا في المسلسل كعازب أبدي لم يبرر وجهة نظره عبر نقاشاته بموضوع تخليه عن ميسون بشكل مقنع, بقدر ما بدا وكأنه يصر على موقفه لمجرد العناد والإخلاص لفكرة بدت جامدة بعيدة عن التغير والتغيير, فهل كان الخيار الأمثل لسعيد التخلي عن الحب و ميسون التي بدت أكثر شجاعة منه في تقبل العلاقة والدفاع عنها بكل مشكلاتها؟ سؤال آخر لفتني يتعلق بتأسيس سعيد لمشروع ثقافي جمالي هام وهو المعهد الموسيقي, لماذا ربط الكاتب تأسيس المشروع بالمال الذي حصل عليه سعيد من جائزة يانصيب؟ ألأنه مشروع فني ثقافي تأسس بمال أتى بطريقة سهلة كمجازفة؟ لماذا لم يكن المشروع نتيجة حصيلة مال خاص جناه سعيد عبر حياته, أو بالمشاركة مع مجموعة أصدقاء ‏

بعيداً عن شخصية سعيد طرح المسلسل مجموعة من القضايا الاجتماعية للنقاش بعضها لم يدافع عنها المسلسل بشكلٍ كاف , كموضوع علاقات الحب خارج إطار الزواج ممثلة بقصة الحب التي جمعت سهير (كاريس بشار) بكفاح (رامي حنا) والتي دارت سجلات كثيرة حولها ممن عارض الفكرة لمجرد كونها خيانة أخلاقية سواء كانت من طرف المرأة كما بدت في المسلسل أو من قبل الرجل الذي يمنحه المجتمع رخصة لممارستها من مبدأ الخيانة خيانة سواء أكانت بدافع الحب أو غيره, ورغم أن المسلسل غلف هذه العلاقة بتراجع سهير عنها مؤقتاً عندما عادت الأمور إلى مجراها الطبيعي مع زوجها كمال (باسل خياط) إلا أنه عاد ووضع هذه العلاقة على المحك عندما افتضح أمرها قبل إتمام الطلاق. الزوج كمال في المسلسل استخدم هذه العلاقة للضغط على زوجته سهير وفي الواقع نعرف إنه كان بإمكانه استخدامها كورقة لابتزاز زوجته والضغط عليها كما يريد في ظل قانون يشجعه على فعل ذلك, ليس الزوج فقط حتى والد سهير المثقف والمتنور وكذلك أخوها همام (قيس الشيخ نجيب) لم ترق لهما هذه العلاقة, في الوقت الذي لم تستطع سهير ولا كفاح الدفاع عنها بقدر ما تركا الأمر لمرور الوقت وحدوث الطلاق لتصبح العلاقة مقبولة . ‏

مهنة التمثيل وتقبلها اجتماعياً من القضايا المثارة أيضاً في المسلسل عبر شخصية سوزان (جيني إسبر) والتي لم يدافع عنها المسلسل أيضاً بشكلٍ كاف, فلا سوزان ولا شادي (شادي مقرش) ولا سعيد استطاعوا الدفاع عن ظهور سوزان بمشاهد وملابس جريئة, ولم تتضح تفاصيل مهنة التمثيل كمهنة تتطلب من الممثل تجسيد كل الأنماط الاجتماعية بعيداً عن الأحكام القيمة أو الاجتماعية, كما لم توضح سوزان مثلاً أنها أدت هذه المرة دوراً لشابة متحررة بطريقة لباسها وقد تؤدي في أدوار أخرى شخصيات ملتزمة أو حتى متعصبة دينياً لجهة اللباس أو السلوك. لدرجة أن هذه المشكلة (التمثيل) أثرت على علاقة الحب التي تجمع شادي بسهر (رنا شميس) التي رفض أخوها (قام بالدور باسم ياخور) زواجها منه لجملة من الأسباب أهمها أن أخته ممثلة ودون أن تدافع سهر عن موضوع التمثيل أو أن تعرض على الأقل وجهة نظر موضوعية هذا من جهة, من جهة أخرى لم يكن مبرراً بالقدر الكافي رفض خطوبة شادي وسهر من قبل أهلها, لأننا إذا اعتبرنا هذه البيئة المحافظة متعصبة كما بدت في المسلسل, فمن غير المنطقي أن تكون سهر الشابة العصرية المنفتحة التي تعمل في شركة اتصالات وترتبط بعلاقات صداقة و تمارس نشاطاتها الاجتماعية بشكل متحرر, من غير المنطقي أن تكون سهر ابنة هذه البيئة أصلاً. ‏

هناك الكثير من التفاصيل التي مرت في المسلسل وكانت تحتمل مناقشة أكبر أهملت لصالح نقاشات وسجالات طويلة ومكررة أحياناً, كتفاصيل علاقة همام بغروب, رامز وكندة, الشخصية التي أداها خالد القيش وزوجته الغيورة بشكل مرضي, وحتى شخصية شادي المهووس بفكرة الهجرة التي تراجع عنها بزمن قياسي بدا غير مقنع لاتخاذ قرار العودة. إلا أن ذلك لا يعني أبداً التقليل من شأن الأفكار التي طرحها المسلسل بل على العكس, طالما استطاع المسلسل أن يثير حوارات ونقاشات حوله فهذا يعني أنه استطاع طرح شيء هام, لأنه من مهام الدراما عرض المشكلات الاجتماعية وإثارة التفكير فيها من دون تقديم الحلول. ‏

بالانتقال إلى الجانب الفني للمسلسل لابد من الإشادة بالأداء المحترف لكل الفنانين والفنيين في العمل بقيادة المخرج سيف الدين سبيعي, والذي يثبت مرة بعد أخرى أنه مخرج متمكن من أدواته يعمل على كل التفاصيل بدقة, سواء بانتقاء الممثلين والعمل على تفاصيل أدائهم, بناء الكادرات وزوايا التصوير, تجريب أساليب إخراجية جديدة والتي بدت منسجمة ومتناغمة بأناقة مع موضوع المسلسل بعيداً عن كونها مجرد استعراض عضلات مقحم على النص, وخصوصاً تلك الحلول الإخراجية التي قسمت الصورة إلى اثنتين أو ثلاث, لتظهر رد فعل شخصية بعيدة عن مسرح الحدث حيناً, ولتظهر دمشق الخالدة حاضرة وشاهدة على ما يجري في أحايين كثيرة. ‏