2012/07/04

«جحر أرنب».. أين المفرّ من المأساة
«جحر أرنب».. أين المفرّ من المأساة

زياد عبد الله – الإمارات اليوم

إنه جحر أرنب يمكنك المرور منه، لكن إلى أين؟ إن كان من تبحث عنه فُقِد ولن يعود أبداً، ربما الأمر صالح أيضاً للاختباء والتواري، ودفن الذات بعيداً عما يحيط بنا، خصوصاً إن كنا محاصرين بمأساة، فالهرب أيضاً ناجح في تخليصنا مما يحاصرنا، ليحضر السؤال مجدداً، إلى أين؟ فحفرة في الأرض لن تواري شيئاً ما دامت المأساة في أعماقنا وذاكرتنا، والهرب لن ينجح ما لم يكن هرباً من الذات، الأمر الذي لا يتحقق أبداً ما دمنا مصرّين على الحياة.

فيلم Rabbit Hole «جحر أرنب» لن يكون متمركزاً حول المأساة بوصفها فعلاً له أن يصدمنا بناء على الكيفية التي قدم بها، إنه غير معني بالمفاجأة وتحقيق ذلك الذهول الذي يرفع الأدرينالين وما إلى هنالك مما صار لا يحمل أدنى دهشة من كثرة إصرار الإنتاجات الهوليوودية على إدهاشنا، فنحن في عصر الدهشة من الدهشة نفسها، وعلى هدي ذلك سينتمي الفيلم إلى ما بعد الحدث الجلل، وقد تم اقتباسه عن مسرحية لديفيد أبيري قام هو أيضاً بتحويلها إلى سيناريو، المعلومة التي لها أن تستوقفني كون الملمح المسرحي غائب عن الفيلم، والبناء الدرامي للفيلم منقول إلى حيز وسيط آخر هو الوسيط السينمائي، ولعل أول ما يمكن التفكير به لدى مقاربة الفيلم هو غياب الظل الثقيل أحياناً للمسرحيات التي يتم اقتباسها إلى السينما، حين يمضي الفيلم في الحيز المسرحي والمعادل له سينمائياً: مساحة الكادر الواحد، والاتكاء على الحوار بما يجعلنا قيد مسرحية معروضة على الشاشة الكبيرة.

مساحة خاصة

لن نعثر على ذلك في فيلم «جحر أرنب»، الفيلم يمضي في مساحة خاصة جداً، ليس لأنه متمركز حول شخصيتين، أب وأم وحياتهما التي تمضي في مسار له أن يختزل بمساعيهما للتأقلم مع فكرة فقدانهما ابنيهما في حادث مأساوي، بل لأنه يجد معادلاً سردياً لما له أن يكون مونولوجاً أو حواراً، فكل ما تعانيه بيكا (نيكول كيدمان، وقد رشحت على هذا الدور لأوسكار أفضل ممثلة في دور رئيس)، يضاء عبر الفعل ورد الفعل، وهي تبتكر ما يبعدها عن المأساة لكي تواصل حياتها مع زوجها هوي (أرون اكهارت)، واجدة في التخلص من كل ما له صلة بابنها حلاً ما، والذي سرعان ما يتكشف عن أنه حل فاشل، وإلى جانب ذلك سنجد هوي ضائعاً، يسعى لايجاد ما يتسق مع حلول زوجته، ومن ثم مضيه في عالم خاص به سرعان ما يهجره.

جلسات الاعتراف غير مجدية، التخلص من ثياب ابنها وألعابه، بل المسعى للانتقال من بيتها إلى بيت جديد لن يفيد شيئاً، كل ذلك ستسعى بيكا للقيام به، ولتكون المفارقة كامنة في مسعاها للتواصل مع جيسن (مايلز تيلر) الفتى الذي كان سبب وفاة ابنها، أي الذي دهس ابنها بسيارته، كما لو أنها تجد فيه عزاء ما، لا ليس عزاء، شيئاً لا يمكن فهمه، مثلما كل أفعالها التي تفقد السيطرة عليها، كأن تقوم بصفع امرأة في مركز تسوق، لأنها رفضت شراء ما يرغب ابن تلك المرأة شراءه من الحلوى، وصولاً إلى منحها أختها الحامل كل متعلقات ابنها، الأمر الذي سرعان ما تكتشف خطأه.

التباس

التباس الأفعال سيكون كشافاً دقيقاً جداً لدواخل الشخصيات، ولعل في ذلك ما يدفع إلى معاينة الفيلم بوصفه ناجحاً تماماً في تحقيقه، فمع السينما يمسي التعبير عن حزن شخصية على سبيل المثال، أمراً يستدعي بناء المواقف وتتابعها بما يخدم أن نعيش الحالة بعيداً عن التوصيف الأدبي، أو سرد مشاعر الشخصية على الورق، ولنكون في «جحر أرنب» أمام ضياع، بحيث تصير كلمة «ضياع» هي الكلمة المفتاح لما تقوم به بيكا، ومن ثم الالتباس الذي يتكئ أولاً وأخيراً على حالة بيكا وبحثها المضني عن التأقلم مع وفاة ابنها، التأقلم الذي كما يبدو لن ينجح معه شيء، دون فجائعية أو تضخيم في المشاعر، فالفيلم معني بالمسعى لضبط تلك المشاعر، التي لا تصل ذروتها إلا عند اصطدامها بما يستدعي تصاعدها، مثلما هي حالة البكاء العارمة التي تهبط على بيكا وهي تراقب جيسن يمضي فرحاً برفقة أصدقائه، أو نوم هوي في سرير ابنه وهو ينتظر بيكا التي كان يظن أنها قد هجرته. وفي خط موازٍ يحضر هوي، إنه على أعتاب الأشياء، لكن تبقى الأولوية لديه حبه زوجته، والنبالة التي يتحلى بها في مسعاه لقبول كل شيء لتصبح أفضل، وعليه فإن كل أفعاله التي تمضي به بعيداً عنها سيتراجع عنها، ومنها في المقام الأول خيانتها.

دراما محكمة


فيلم «جحر أرنب» الذي أخرجه جون كاميرون ميتشل، دراما محكمة، ومعبر سينمائي مهم للتعرف إلى الكيفية التي تبنى فيها الشخصيات، وهي تتأقلم مع المأساة، وتقديم التصعيد الدرامي على هدي الحالات والمواقف التي تأتي الأفعال وردود الأفعال في سياقها وفية تماماً لحدث واحد، حدث وقع لم نشاهده، وحين تتم استعادته، فإننا لن نرى ابن بيكا، بل سنراها هي تراقب ما حل بابنها. أجمل ما في الفيلم أنه مسعى لأن يكون على اقتراب مع الحياة من دون مبالغات أو بهارات تشويقية، نحن نتابع ما نشاهده ونعيش الحالات في مجالها الإنسانية من دون إقحامات أو مبالغات، وصولاً إلى النهاية التي تفتح الباب أمام تواصل الحياة، الحياة العادية وطيف الابن المتوفى يحوم في أرجائها