2012/07/04

جسّد شخصية «رائد» المسرح العربي و«كومندان» باب الحارة.
جسّد شخصية «رائد» المسرح العربي و«كومندان» باب الحارة.


علي الحسن – الوطن السورية

ابن الدفعة الأولى من خريجي المعهد العالي للفنون المسرحية (1981) إلى جانب: أيمن زيدان، جمال سليمان، فايز قزق، ووقع عليه الاختيار في عرض التخرج يومذاك لتجسيد شخصية أبي خليل القباني رائد المسرح العربي وهو وإن كان الأقل ظهوراً على الشاشة بين جيل دفعته إلا أنه كان من (المحظوظين) الذين أوفدوا للتحصيل العلمي العالي خارج البلاد وكانت الوجهة فرنسا ليعود جمال قبّش، بعد سنوات إلى المعهد الذي تخرج فيه، مدرساً لمادة التمثيل حاملاً شهادة الدكتوراه في المسرح بعدما تناولت أطروحته مقارنة بين الجذور التي مهدت الطريق لولادة الممثل في أوروبا وبين نظيرتها في العالم العربي.

د. قبّش هو العميد الثامن منذ تأسيس المعهد (1977) والثالث من بين خريجي المعهد شارك ممثلاً في العديد من الأعمال الدرامية التلفزيونية منها: «عائد من حيفا، البحث عن صلاح الدين، يحيى عياش، خالد بن الوليد، وباب الحارة» حيث لعب قبّش دور الضابط الفرنسي (الكومندان) بحرفية عالية، وعلى صعيد السينما شارك في «وقائع العام المقبل»، «مطر أيلول»، «ما يطلبه المستمعون» أما مسرحياً فله مشاركات عدة بينها: «الزير سالم»، «مقام إبراهيم وصفية» و«سهرة مع أبي خليل القباني» مجسداً شخصية رائد المسرح العربي الدور الأبرز وربما الأحب إلى قلبه والأقرب إلى نفسه لكونه الدور الأول له وأول مشروع تخرج والبوابة التي انطلق منها إلى عالم الاحتراف.

د. جمال قبّش يعيش هذه الأيام حالة استنفار على مدار الساعة بعدما عيّن مؤخراً عميداً للمعهد العالي للفنون المسرحية تزامناً مع التحضيرات المتسارعة لاستقبال المتقدمين إلى المعهد بأقسامه كافة إيذاناً بدوران عجلة العام الدراسي 2011-2012 التي تقلع بعد أقل من شهر لذلك ينهمك د. قبّش في ترتيب أولويات المعهد إدارياً وتعليمياً ويعج مكتبه بملفات كثيرة ويظهر العميد جدية كبيرة في التعاطي مع المهمة الموكلة إليه كأمانة ومسؤولية، ويبدي حرصاً على أداء أفضل مراهناً على حصد نتائج طيبة بتعاون الجميع طارحاً مفاهيم جديدة أهمها «الانفتاح على السوق


الحالة الخجولة.. الجسور.. والحلم


في لقاء لـ«الوطن» مع د. قبّش سألناه عما ينوي فعله من تغييرات أو الأفكار التي ينوي العمل عليها فأشار إلى أن الأسابيع القليلة التي مضت على تسلمه عمادة المعهد والفترة القصيرة المتبقية على بداية العام الدراسي ليست كافية لتغيير دفة «القافلة» التي يجب أن يذهب المعهد باتجاهها معقباً أن هذا لا يعني أن المعهد كان يسير بالاتجاه الخاطئ لكنه يضع في عين الاهتمام «الناحية التكنولوجية» ذلك أنه يرى أن تطور المسرح في كل عناصره مرتبط بالتكنولوجيا والعامل الآخر الذي ينوي الاشتغال عليه هو «التواصل» بين العاملين بالقسم الإداري والتعليمي «والتواصل» مع الطلبة. ويرى د. قبّش أن واحدة من مشكلات المعهد وقسم التمثيل مثالاً هي افتقاره للتواصل مع الأقسام الأخرى مشيراً إلى أنه سيكسر هذه «الحالة الخجولة» حتى يصبح التواصل حالة موجودة بشكل عملي ما يمكن الطالب الممثل من التعامل مع جميع من يعمل بالعناصر الأخرى (إضاءة، صوت، ديكور، نقد..).

ويرى د. قبّش أن التواصل يجب أن يشمل أيضاً المؤسسات خارج المعهد وخاصة المسرح والسينما والتلفزيون فالطالب الذي يتخرج في المعهد لا يجد «الجسور» التي توصله إلى ساحة العمل إلا بطرق يلعب الحظ فيها والعلاقات الشخصية دوراً مهماً فماذا عن الطالب الذي لا يسعفه الحظ أو علاقاته للدخول إلى ساحة العمل؟ من هنا يشدد د. قبّش على التواصل وعلى أن وظيفة المعهد تخريج فنان جاهز للعمل في كل الفنون أولها المسرح ومن البديهي أن يكون جاهزاً للوقوف أمام الكاميرا والميكروفون، فالمعادلة لدى د. قبّش: «فنان صح وجيد وربطه مع سوق العمل» بمعنى ممثل فنان مثقف ومزوّد بحقيبة من المعلومات والتجارب العلمية التي خاضها في المعهد والتي ستكون سنداً له للانطلاق إلى الساحة العملية.

الإحباط.. الجرح.. والوردة

وعن اتجاه خريجي المعهد إلى الدراما الذين يديرون ظهورهم للمسرح في ظل أزمة مسرحية يقول عميد المعهد: إن المسرح حالياً في العالم عموماً وحتى المتحضر أصابته عدة إحباطات ونكسات ومتعارف عليه تاريخياً أن المسرح يحتاج إلى رعاية وخاصة أن الثقافة وفي الأزمات بجميع أشكالها هي المتضرر الأول لذلك فإن الرعاية تلعب دوراً كبيراً ووزارة الثقافة السورية تدعم المسرح وتقدم «الميزانيات» لتكون هناك عروض مسرحية «تليق باسم سورية» لكن إن أردت- يعقب د. قبّش- وضع الإصبع على الجرح فإن القوانين المتعلقة بالإنتاج المسرحي لم تتغير للأسف منذ تأسيس المسرح القومي على عكس الإنتاج التلفزيوني الدرامي حيث فتحت الأبواب حتى أمام رؤوس الأموال الخاصة التي ساهمت بهذا التقدم الكبير للدراما وهنا نجد أن العمود الفقري لصناعة الدراما بشكل عام والمسرح والتلفزيون بشكل خاص أساسه الممثل الذي- ينوه د. قبّش- يمثل لي وردة أو زهرة تحتاج أولاً إلى الشمس والتربة السليمة لكي يفوح عبقها. ويشير د. قبّش إلى أنه عندما لم يكن هناك إنتاج درامي لم يكن أمام الممثل إلا المسرح وأثبت وجوده ورفع اسم سورية عالياً لكن قوانين الإنتاج والحياة تغيرت ولم تتغير معها قوانين العمل للمسرح التي تحتاج إلى دراسة حتى نعيد المسرح بناسه جمهوراً وممثلين إلى الصالة والخشبة.

العبء.. التخبط.. والإرباك

أما عن المشكلات التي يعاني منها المعهد فيقول د. قبّش: إن واحدة من المشاكل هي «الأماكن» إذ يحتاج المسرح إلى «فضاء» وهذا الفضاء غير متوافر بشكل علمي وصحيح فالأقسام الخمسة الحالية إضافة إلى مدرسة الباليه للأطفال تشكل عبئاً ثقيلاً جداً بالنظر إلى الأماكن التي بحوزة المعهد حالياً ويعقب د. قبّش بالقول: إن هذا شيء طبيعي والسبب هو أننا عائلة تكبر وتكبر.

ومن الأسباب التي خلقت أزمة هو الحلم بتوسع أقسام المعهد تبعاً للنظام الداخلي والتطلع إلى أن يكون لدينا أكاديمية للفنون تضم جميع الفنون المتعلقة بالعمل الدرامي بما فيها الإخراج والسينما والتلفزيون والإنتاج. ويبدي د. قبّش تفاؤله بتحقيق الحلم بوجود وزير الثقافة د. رياض عصمت والفنان المتفهم لآمال وآلام المعهد والحريص على إيجاد الحلول للنهوض به.

إضافة إلى مشكلة عدد الطلبة فإن عميد المعهد يتوقف عند «التخبط» الذي يحصل عندما يفتتح قسم جديد دون النظر إلى البنى التحتية وعدم النظر إلى الكادر التدريسي المؤهل علمياً لهذا القسم إضافة إلى عدم وجود المنهج العلمي للقسم المفتتح وعدم وجود دراسات تتعلق بالساحة العلمية وحاجتها لهؤلاء المتخصصين في هذا القسم أو ذاك لذلك وعند افتتاح أي قسم يقبلون أعداداً كبيرة بحجة أن الساحة خالية وهنا يحدث إرباك للقائمين على إدارة المعهد.

«الوساطة».. أبناء الفنانين.. والضغوط!!

أما عن الفكرة التي تكاد تكون راسخة لدى راغبي الدخول إلى المعهد بأن دخولهم أو قبولهم يجب أن يكون مشفوعاً بـ«وساطة» أو «توصية» وكلما كانت «الوساطة» أثقل كانت فرص القبول أكبر وإن وجدت الموهبة فإن لـ د. قبّش رداً مختلفاً ووجهة نظر يسوقها على الشكل التالي: المعهد يقبل سنوياً في قسم التمثيل بين 10 و15 طالباً من بين عدد متقدمين يفوق الألف وعندما لا ينجح المتقدم أو المرشح فإنه يرمي اللوم والحجة على الآخر أن هناك «وساطة» فالمسألة تبريرية والشق الثاني أننا في بلد تأخذ «الوساطة» حجماً في علاقاتنا الاجتماعية وهذا ناتج عن ثقافة عمرها سنون طويلة. ويضيف د. قبّش: إنه عندما افتتح المعهد لم يكن للفنان سمعة تليق به ونعرف الأسباب ولكن مع ازدياد الاهتمام بالفن على المستوى الاجتماعي وتحديداً من القيادة التي اهتمت بالفن والفنان وعندما بدأنا نرى حصاداً جميلاً على المستوى الاجتماعي أصبح هناك اهتمام من كثير من العائلات لتقديم أبنائهم إلى المعهد وهذه مسألة جيدة وبالنظر إلى 15 مقبولاً من بين أكثر من ألف متقدم فمن الطبيعي أن يكون هناك نقد لسياسة القبول واستخدام مصطلحات كـ«الوساطة» كنوع من التبرير النفسي.

وضمن هذا السياق يلفت د. قبّش النظر إلى أنه قد يقول قائل إن لأولاد الفنانين الحظوة في القبول وهنا يعقب د. قبّش: علينا أن نقول الحقيقة إنه ومن المتعارف عليه تاريخياً أن لكل عائلة مهنة (حداد، لحام، نجار، طيان) تتوارثها الأجيال أباً عن جد هذا موجود حتى في الغرب ومسرح موليير وكورنيه وراسين مثال على ذلك ومن هنا جاءت تسمية معهد «الكونسرفتوار» (أول معهد لتخريج الممثل المحترف) للحفاظ على تقاليد الأداء المسرحي. والسؤال الذي يطرحه د. قبّش لماذا لا يتم الحديث عن كثير من أبناء العاملين في الوسط الفني وبينهم أسماء كبيرة لم يقبل أبناؤهم كدليل على أنه ليس هناك «وساطة» بالمقابل هناك ثمة من قبل في المعهد ولكن بعد أن تقدم لأكثر من دورة واشتغل على ذاته وطور أدواته واستطاع أن يحظى بقبول المعهد منهم مثلاً (غسان مسعود، عبد المنعم عمايري، تيم حسن، باسل خياط) ويلفت د. قبّش إلى أن اللجنة قد لا تستطيع سبر مقدار موهبة هذا المرشح أو ذاك لأسباب عديدة ولكن الإصرار والتطوير من أدوات المرشح من أجل إقناع اللجنة مسألة مهمة ولها حيّزها الذي يؤخذ بعين الاهتمام. ويلفت النظر إلى أن تاريخ المهنة ارتبط بتسميات تسيء إلى الفن بشكل عام والممثل بشكل خاص ومن المهم جداً أن يتمتع الممثل ليس فقط بالموهبة والعلم إنما «بأخلاقيات» تحتاج إليها المهنة وهذا ما شدد عليه- حسب د. قبّش- ستانسلافسكي في منهجه «إعداد الممثل» وسار عليه كل من الفنانين الراحلين: فواز الساجر وشريف شاكر.

وبالعودة إلى الحديث عن «الوساطة» في القبول ونحن على أبواب اختبارات فحص القبول في المعهد يشدد عميد المعهد العالي للفنون المسرحية في ختام لقائه«الوطن» على أن الوساطة في المعهد ستكون للموهوب فقط. وفيما لو جاءتني ضغوطات كبيرة لقبول بعض الطلبة غير الموهوبين فلن أخضع لها ولو اضطرني ذلك إلى تقديم استقالتي.