2012/07/04

جلسة جدل غير معلنة بين المؤلف والمخرج
جلسة جدل غير معلنة بين المؤلف والمخرج

آلجي حسين - تشرين دراما

النص.. بلا مبالغة هو الأب الشرعي الوحيد للصورة. هكذا أعتقد, أو ربما ألجأ إلى الصورة كأهم عنصر أبني عليها الأحداث الدرامية, وأقيس بمقياسها, وقد أنتهز الفرصة هنا لكي أدافع عن النص, ليس لأنه المحرك الأوحد للدراما, بل لأنه فوق هذا وذاك مظلوم. ‏

عادة ما يرجع المهتمون بالدراما في تقييمهاتهم إلى الصورة النهائية لعمل, أو عملية تحويل النص إلى صورة والحكاية إلى قصة مصورة, وغالباً ما يكافأ مخرج العمل عن مجمل ما توصل إليه من رؤى إخراجية, مع إهمال واضح للكاتب (السيناريست) الذي بدأ في إشعال شرارة العمل أو الذي أشعل الشرارة نفسها. ‏

هي المعايير التي يسير بمقتضاها أي تنظيم أو جمعية تهتم بتقييم العمل الدرامي, وفي العديد من المناسبات نسمع عن تكريم المخرجين والممثلين, وفي الوقت الذي نصل فيه إلى تتبع خطوات الكاتب, نرى أنفسنا في مواجهة دهليز مملوء بالأسئلة من مثل: ‏

من يذكر الكاتب الدرامي؟ ‏


هل كتابة أسماء المؤلفين على شارة العمل تكفي؟ ‏


لماذا الاهتمام بالمخرج على حساب المؤلف؟ ‏

النص بوصفه محركاً للعمل ومفتاحاً للقصة, هو في النهاية يبقى حبراً على ورق, هذا برأي المخرجين, وفي حين يكتب على الشارة اسم الكاتب بعبارة مثل (قصة وسيناريو وحوار) أرى أنه من المفيد تحليل هذه المعادلة الخاطئة في الأساس. ‏

السيناريو- أصلاً- يشمل الحوار والوصف, أي إن السيناريو يعني السيناريو والحوار في آن واحد فمن الطبيعي أن الذي يكتب السيناريو هو كاتب الحوار نفسه, هذا إذا لم نتطرق إلى الفكرة والحوار وهكذا, فهو موضوع مغاير, إذاً الآن حذفنا كلمة حوار وبقي لدينا قصة وسيناريو. ‏

يتفق منظرو الأدب والنص بشكل خاص على أن كلمتي قصة وسيناريو يمكن الاستعاضة عنهما بمفردة (نص) فهذه المفردة بالطبع تمنح لمن كان نصه فعلاً يستحقها, فمفردة (النص) من شأنها أن تعلي من سمو الكاتب وعمله إلى مرتبة متألقة من الدقة والاحترافية والرصانة سواء في الشكل أو المضمون, فكلما ارتفعت قيمة العمل المكتوب ازدادت فرص الوصول إلى مفردة (نص), رغم أنها كانت حكراً على الأعمال الروائية والشعرية والمسرحية وغيرها. أي إن النص كان محصوراً بالأدب. ‏

ومن جانب آخر يمكن الاكتفاء ببديل آخر لا يرقى إلى مستوى النص ولا يهبط إلى مستوى الحدوتة الشعبية بأسلوب كتابتها, البديل هو كلمة (تأليف) وهو إعلاء من شأن الكاتب أيضاً واختصار لمفردات كثيرة, فكلما ازدادت قيمة النص المكتوب ازدادت صلاته مع الأعمال الأدبية الراقية. ‏

هي الصورة الذهنية السابقة نفسها, وكأن بعض الكتاب لم يتصفحوا الكتاب المهم والمرجع القيم في السيناريو كتاب (السيناريو) لـ «سد فيلد» أو لم يقرؤوا أي سيناريو لفيلم أميركي على سبيل المثال. أقول هذا لأن القواعد الدرامية في النصوص المكتوبة تتخلخل إما عن جهل وإما... عن جهل. ‏

لن أدخل في تفاصيل وآلية الكتابة الدرامية وقواعدها, لكنني سأعود للإجابة عن الأسئلة الثلاثة المطروحة في بداية المقال.. ‏

بلا شك, نادراً ما نسمع عن جهة تكريمية أكرمت الكاتب, وقد لا نلومها في ذلك, لكونها تعتمد على الصورة في إنتاجها ولكوننا (نعيش عصر الصور) ولكون أكثر من 80% من معلوماتنا نتلقاها من حاسة البصر سواء أكانت تلفزيونية أو سينمائية أو مشاهدات حية... لكن ألم يقارب الكتاب في نصوصهم المواضيع المتعلقة بالصورة؟ أو بصيغة أخرى: ألم يمهدوا للصورة؟ ‏

لن أعود إلى مقولة الممثل (لورانس أوليفييه) المشهورة عن المسرح والتلفزيون والسينما, وهي مستهلكة بنظر البعض, لكن يجب الأخذ بعين الاعتبار أنه من ضمن الأسئلة التي طرحتها في استمارة وزعتها على بعض المهتمين بالدراما سؤال: ما إذا كان بالإمكان تعداد أسماء عشرة من الكتاب المسرحيين في سورية؟ بالطبع الإجابات كانت مخجلة, هذا فيما يتعلق بالمهتم فما بالك بالمتلقي؟ ‏

رغم ذلك, لا أحد يتذكر الكاتب الدرامي لا بالخير ولا بالشر, المدح والذم يتحمله بالكامل المخرج مع طاقمه التمثيلي, وكمثال على ذلك: مسلسل (ما ملكت أيمانكم) احتل فيه النص محل الصورة وكانت بطولته جنباً إلى جنب الإخراج الذي لم يقلّ أهمية, لكن: هل تذكر أحد ما اسم الكاتبة الدكتورة هالة دياب؟ ‏

هذا الحديث يقودنا إلى السير في دهاليز السؤال الثاني: ‏

كعادة سينمائية قديمة, اعتمدت عليها كل الشارات على كتابة اسم المؤلف في البداية ثم أسماء الممثلين والطاقم الفني فاسم المخرج بصيغة تصميمية مميزة على الأغلب. ‏

البعض يعتبر قواعد الشارة التلفزيونية والسينمائية مقدسة, الكاتب مثله مثل المخرج له الحق في إظهار اسمه على الشارة بتميز واضح, ولا مشكلة إن ظهر اسمه بالتناسق مع اسم المخرج في المشهد نفسه (الصفحة المشهدية) دون الإخلال بالمضمون الإخراجي. ‏

الجمهور لا يتحمل الذنب, وبهذه الطريقة هو لم يحفظ اسم المؤلف لأخطاء إخراجية أو لمغالطات من جهات تكريمية, وكأن النص أمسى مجرد خطة يسير بمقتضاها المخرج بحرفيتها, ولا تغيب عن بال المهتمين مسلسلات قوية على مستوى النص مثل «الفراري» و«أخوة التراب» و«أسعد الوراق» و«الحور العين» و«الزير سالم» وغيرها مع التحفظ على أسماء كتابها المهمين. ‏

هم جنود يعملون خلف الكواليس وهو عذرهم. ‏

ما سأقوله قد يثير حفيظة بعض المخرجين: كتابة النص أصعب من إخراجه!. ‏

هي حقيقة اعتنقها, فالعديد من الإخراجات المتشابهة في التقاطها لزوايا التصوير واختيارها للقطات وتفصيلاتها لكوادرها وعمليات المونتاج لديها, تعطينا فكرة عن الكسل الإخراجي المنمط, في حين أن النص إن تشابه مع نص آخر فسيكون الرفض مصيره, اللهم إذا استثنينا المسلسلات التي تعتمد على الأجزاء, أي إن الكثير من المسلسلات تتشابه مع بعضها في تصويرها وإخراجها, وما يشفع لها هو النص, فالنص قد يموت للمرة الأولى حتى في أبسط المعالجات الدرامية. ‏

ما أطرحه ليس دعوة للخلاف بين الجانبين النصي والمصور, هو دعوة لأخذ الجانب المهمل حقه في الظهور, هل من يعمل في الصمت يظل صامتاً؟ ‏