2012/07/04

جود سعيد : فيلم «صديقي الأخير».. سؤال عن الهوية... أسعى لخلق معادلات بصرية... تحكي عن الشام بداية 2011
جود سعيد : فيلم «صديقي الأخير».. سؤال عن الهوية... أسعى لخلق معادلات بصرية... تحكي عن الشام بداية 2011


فؤاد مسعد - الثورة


من المُنتظر أن تدور كاميرا المخرج جود سعيد يوم الخميس القادم في مدينة اللاذقية مُعلنة انطلاق تصوير فيلم (صديقي الأخير) الذي يعتبر الفيلم الروائي الثاني له بعد (مرة أخرى) ،

الفيلم الجديد كتب نصه جود سعيد شراكة مع الفارس الذهبي وهو من إنتاج مشترك بين المؤسسة العامة للسينما وشركة فردوس دراما ، وتمثيل : عبد اللطيف عبد الحميد ، لورا أبو أسعد ، عبد المنعم عمايري ، سوسن أرشيد ، أحمد الأحمد ، مكسيم خليل ، فادي صبيح ، جمال العلي ، جرجس جبارة ، مازن عباس .. والطفلة نايا علي ، وهو بإطاره العام يتناول حكاية طبيب مُنتحر يقوم المحقق بإعادة اكتشاف حياته من خلال ما تركه من أشرطة وأقراص (DVD) قام بتسجيلها ، ومن خلال التسجيلات والأحداث نقرأ واقع المجتمع السوري مع بداية عام 2011 .. الفيلم يُقدم رؤى ويثير العديد من الأسئلة ، ولتسليط الضوء عليه بشكل أكبر كان لنا هذا اللقاء مع المخرج جود سعيد :‏

إلى أي مدى كان هناك انسجام فكري بينك وبين الفارس الذهبي أثناء كتابة النص ؟‏

كانت لدي الرغبة في أن أتشارك الكتابة مع أحد ، والتقيت فارس أمام المؤسسة العامة للسينما مصادفة وتحدثنا عن الموضوع وحاولنا خوض تجربة الكتابة المشتركة لعدة أيام فاكتشفنا أن الأمور سارت بانسجام وتوافق كبيرين فأكملنا النص ، والذي حدث أن ما كنت أراه كان يكمله وما كان يضيفه كنت أكمله ، أي أننا فكرنا بتناغم في عملية خلق النص ولذلك ظهر بسرعة ، وهي شراكة يمكن أن تستمر في أعمال أخرى .‏

ما الأسئلة التي يثيرها الفيلم في انتقاله من الحالة الخاصة إلى الحالة العامة ضمن إطار الواقع السوري ؟‏

الأسئلة المُثارة هي نفسها وتعتبر نتاج مرحلة طويلة من حياة المجتمع السوري ، والفيلم يجمع بين هموم أفراد وهموم مجموعة سكانية وهمّ شخص أكبر من الحالتين هو هم إنساني عام ، وتتداخل هذه الخطوط لخلق صورة للمجتمع السوري حاولنا أن نلخصها ونركزها بفترة زمنية هي الأيام العشرة الأول من عام 2011 ، عن طريق مجموعة من الشخصيات ، وتم اختيار الزمن بالمصادفة وليس له أي دلالة .‏

يثير الفيلم سؤال الهوية إضافة إلى مجموعة أسئلة أخلاقية يُعاد طرحها في مواجهة المجتمع وهي ترتبط بالصح والخطأ ، أي إعادة وضع بديهيات هذا المجتمع على محك السؤال . والفيلم فيه رسالة ذاتية أقدم من خلاله رؤية واقعية وأقول أن هناك شيء ما انهار ولكن هناك أمل ، ربما أنه كان الأفضل أن ينهار .‏

ـ ما تقوله يتقاطع بشكل أو بآخر مع الرؤيا النهائية لفيلم (مرة أخرى) رغم أن لكل منهما قصته المختلفة عن الآخر تماماً ؟‏

هذا صحيح ، ففي النهاية أنا مخرج كلا الفيلمين وهناك ما أحب قوله ولكن أقدمه بطريقة مختلفة مع لحظة وشخوص مختلفين ، فالعائلة موجودة لأن مجتمعنا قائم عليها ، وهي موجودة بقوة هنا كما هي في (مرة أخرى) ، والعلاقات الرئيسية بين الأب والابن التي تكوّن علاقاتنا في المجتمع هي قائمة أيضاً .‏

ـ سؤال الهوية عريض جداً ، فأين ستذهب فيه عبر (صديقي الأخير) ؟‏

لمعرفة الإجابة علينا سؤال (ماريا) الفتاة الأجنبية الصغيرة في الفيلم والتي تحمل مقومات الثقافة السورية أكثر من كثيرين بالمعنى الإيجابي للكلمة ، ولديها إيمان وحب لهذا المكان فهي فتاة يعوّل عليها . واستطاعت ببساطة الطفل أن ترى ما لم يره كثيرون .‏

ـ أخوان أحدهما ايجابي والآخر سلبي عبر جدلية الأبيض والأسود .. فلِمَ هذه المباشرة في طرح القصة ؟‏

الدراما المباشرة وحالة الصراع هي واجهة الفيلم ، فهناك شخصان في العائلة وما يربط بينهما ليس لديهما يد فيه وهو رابطة الدم ، كل منهما أخذ خطاً في حياته ، وبالتالي كيف يرى كل منهما الأمور وإلى أين سيصلان . ولكن هناك أسئلة أعمق يثيرها الفيلم وهي ما تحدثنا عنه قبل قليل .‏

ـ من خلال السيناريو يظهر أن هناك رؤيا إخراجية مختلفة وتوظيف للمكان والأشياء (مكان العزاء والانتخابات ، شاشة العرض) فما الحلول الإخراجية التي تسعى إلى أبرازها في الفيلم ؟‏

هي معادلات من حياتنا اليومية قد لا ننتبه لها لأننا نعيشها بشكل يومي وتحولت لتصبح جزءاً يومياً من الحياة ، ولكنها ليست بديهية ، فهي تقول شيئاً وتؤثر . وهذا ما أحاول إبرازه في الفيلم وأبني عليه الفكر الإخراجي .‏

لقد سعيت من بنية الفيلم إلى خلق معادلات بصرية تحكي عن الشام بداية عام 2011 وكيف أراها ، هذا من ناحية أما من ناحية أخرى فهي استكمال للأسلوب الذي أحاول بناؤه وأخرج منه لمكان آخر .‏

ـ هل هناك حالة سرد ذاتي للشخصية الرئيسية من خلال تسجيلاته على كاميرا الفيديو ؟‏

هي محاولة لسرد مادة شخصية بطريقة مختلفة لها علاقة بالشخص نفسه لأنه احتفظ من خلال تسجيلاته على كاميرا الفيديو بجزء من ماضيه للجميع عبر التوثيق ، وتركه كأثر مصور بصري . بمعنى أنه لم يمت ، فهو خيط رئيسي يعيد اكتشاف هذا الشخص بعيون صديقه الأخير الذي هو المحقق فيعود ليرى الأمور بوجهة نظر أخرى .‏

ـ يجري تحقيق بعد عملية الانتحار ، ولكن كأن الفيلم بعيد عن خط التشويق البوليسي ؟‏

يحوي الفيلم واجهة بوليسية ، ولكن هناك ما له علاقة بالاجتماعي والنفسي والكوميدي ، هي كوميديا لم يتم البحث عنها وإنما ظهرت رغماً عنا وأظهرتها الشخصيات والواقع ، فعندما كنا نكتب لم نفتش عنها ولكن بتنا نُفاجأ بها ونضحك من الألم .. إنها الكوميديا السوداء .‏

ـ بعد أن قدم القطاع الخاص مجموعة من الأفلام فجأة انكفأ للخلف ، ولكن بالوقت ذاته نرى أن هناك فيلماً جديداً يُنتج وبشراكة بين مؤسسة السينما وشركة فردوس لإنتاج !..‏

أعربت شركة فردوس بعد فيلم (مرة أخرى) عن اهتمامها بدخول تجربة سينمائية معي ، ودخلوا معنا شراكة بالعمليات الفنية والتوزيع ، أما فيما يخص انكفاء القطاع الخاص مؤخراً فأرى أن القطاع الخاص أمزجة مختلفة وهذا حقه ، فليس لدينا صناعة سينمائية بعد ، وبالتالي كل من يبادر تجاه صناعة فيلم سينمائية فهو مشكور ، وأرى أنه قبل أن يتحرك قطاع التوزيع في سورية وتصبح هناك صالات تغطي جزءا من تكلفة إنتاج الأفلام فكل مُغامر نرفع له القبعة .‏

ـ ما سبب انسحاب الجهة الفرنسية التي سبق وأعربت عن نيتها الاشتراك في إنتاج الفيلم ؟‏

دون الخوض في التفاصيل ومن هي تلك الجهة ، أعتقد أن سبب الانسحاب (الذي أتفهمه) هو مزيد من الضغوطات ، أما بالنسبة لي ففرنسا هي ثقافة ولن يتغير تأثري بها ومحبتي لهذه الثقافة التي علمتني السينما ، ولذلك لم أغيّر أي كلمة تقريباً في النص وسيبقى الجانب المتعلق بفرنسا كمكان وإحدى الشخصيات كما هو . فالعلاقة بين البشر دائماً فوق السياسة وهذا ما حاولت قوله في (مرة أخرى) وهنا أربط القول بالفعل .‏

ـ أي سحر يملكه المخرج عبد اللطيف عبد الحميد (ممثلاً) ليؤدي إحدى الشخصيات الرئيسية في (مرة أخرى) واليوم هو البطل الرئيسي في (صديقي الأخير) ؟‏

إنني أستمتع بالعمل معه ممثلاً ، فأرى أن لديه نوعا من الطزاجة والعفوية والصدق فهو يصل إلى الناس بأقصر الطرق وهذا ما لمسته من التجربة السابقة عبر (مرة أخرى) كما أنه يلبي رؤيتي بأقصر وأسرع الطرق . فهو بالنسبة إلي خيار ممتع العمل معه .‏

(أعراس الخريف) الفيلم الذي سبق وأعلنت أنه سيكون المكمل لفيلم (مرة أخرى) من حيث تناوله الحالة السورية اللبنانية .. هل سيرى النور في الفترة القريبة القادمة ؟‏

هو مشروع قائم ومؤجل ، وما أن أنتهي من (صديقي الأخير) حتى أعود لتحضيره . فهو يحتاج لوقت حتى تتوفر الإمكانيات المادية الخاصة به ، وسيكون له جزء ثالث وقد يكون هناك جزء رابع ضمن الخط نفسه (الحالة السورية اللبنانية) .