2012/07/04

دمشق تشرين دراما الاحد 21 شباط 2010 سامر محمد إسماعيل العودة للكتابة عن أعمال أخرجها الراحل هاني الروماني لن تكون عبارة عن نزهة في الدراما، بل هي دعوة إلى الاشتباك مع رقابات عدة، وعي لم يتركه الروماني على غاربه، رغم إصراره على نسخة مجايلة لأعمال درامية مصرية استطاعت أن تتبوأ ضمير المشاهد العربي من خلال كيمياء خاصة تتحرك في الاجتماعي الذي لا ينفصل عن سياقاته التاريخية أو السياسية. من هنا كانت حياة الأحزاب السياسية في سورية المعين الأصلي لدراما تجاورت مع أهم التحولات الاجتماعية في المجتمع السوري الناشئ بعيد الاستقلال والخلاص من الاستعمار المباشر، فثمة العديد هنا من الأحلام القومية الكبرى، وهي على أكثر تقدير كانت تتهيأ لإثبات الأبعاد العلمانية في مجتمع يتوق إلى التغيير والتطور واللحاق بركب الأمم المتحضرة، لقد أدرك الروماني أن نص /دياب عيد/ يوفر له بنية لرواية تلفزيونية معقولة، لكن حجم الجرأة وطريقة المعالجة الدرامية لم تستمر على سويتها في الأجزاء التالية للجزءين الأول والثاني، حيث انساقت القصة إلى ما يشبه أعمال البيئة، ‏ ‏ ولم تتمسك بالروي التاريخي للأحداث، وأكثر من ذلك أن «القيشاني» لم تستطع مياهه الرائقة أن تنطلي على الرقابة، فهذه الأخيرة كانت ما تزال تراوح عند أخطاء التقدير، متذرعةً بأن حركة الأحزاب في سورية ليست مجالاً للتسلية وتزجية الوقت، مؤكد لم تكن نية المخرج والكاتب أن يصرفا أوقات المُشاهد، بقدر إصرارهما على تسجيل نسخة من «ليالي حلمية» أخرى لكن بلهجة سورية، هذا الحلم الذي اتضحت خيوطه مرةً بحكايات العشق بين نساء حارة القيشاني ورجالها، ومرةً في الحديث، محض الحديث عن أحداث كبرى في حياة الوطن السوري، سيرتبك أمام معطيات مختلفة، فالصحافة الوطنية التي وقفت آنذاك في وجه المخططات الكولينيالية الكبرى، والفتيات والفتيان المنتظمين في الأحزاب الجديدة ستتحول حكاية نضالهم السري إلى مواعيد عشاق وحيارى، وسيصير التحدث عن النظريات الإيديولوجية نوعاً من نصب الشراك لامرأة تداوم على اجتماعاتها الحزبية، إلا أن ما يشفع لهذه المفارقة هو أسبقيتها في تناول الموضوع، لكن أي موضوع؟ مداورة على حواف التاريخ، تحاشي الدخول في التفاصيل، مع بعض التلميحات الجانبية عن انتعاش المد الوطني والقومي، ووقوف الأحرار في وجه الهلال الخصيب ومد خطوط التابلين الأمريكية عبر الأراضي السورية.‏ ‏ على مستوى آخر حقق «الحمّام» نظافة اليد أمام سرد التاريخ من وجهات نظر مختلفة، لكن للأسف لم تكن هذه الرؤى إلا على هيئة جلسات سمر يتكلم فيها الشاب البعثي مع الفتاة القومية الاجتماعية، أو نرى بأم العين اجتماعات الأحزاب الاشتراكية والشيوعية في سياق إثبات وجود التيارات السياسية كلها على مساحة العرض التلفزيوني، أسلوب لجأ إليه كل من الروماني ودياب في إدارة مجموعة كبيرة من الأحداث السياسية الكبيرة، انقلابات عسكرية، الوحدة مع المصريين، العدوان الثلاثي، النكسة، إلخ.. في هذا السياق ركز المسلسل وعبر أجزاءه الخمسة على تقديم صورة مغايرة للحارة الدمشقية، عاكساً مقطعاً هاماً من دخولها في معترك السياسة، وما يحسب هنا لهذا العمل هو رؤيتنا للمرأة الدمشقية «عنايت- صباح بركات» التي خلعت ملاءتها السوداء لتصير في عداد الشيوعيين السوريين الجدد، هكذا تحولت هذه المرأة التي كانت تغري تجار الدامسكو والبروكار في أسواق الحريقة والحميدية إلى إكمال تعليمها في الجامعة، من الحرملك الشامي إلى بيان ماركس وكتب دار التقدم، مفارقة اجتماعية التقطها القيشاني وسجلها ضمن تصور جديد عن نساء دمشق ورجالاتها، هذا الطرح سيكون مقدمة جيدة في التعاطي مع توثيق جريء وحقيقي لواقع المدينة السورية، لكن الغريب في الأمر أن التصور الدرامي ذاته بدأ اليوم بالخفوت والتراجع، فمن غليان الأحزاب السورية في خمسينيات وستينيات القرن الفائت، من نساء يخلعن الملاءة ويصحن باسم المطرقة والمنجل، إلى أبواب الحارة ومتاريسها، حيث لا أحزاب ولا كتل عمل وطني، فدمشق أصبحت في أعمال الحارة افتراضية، ومن كان في صورة هاني الروماني بداية تسعينيات القرن العشرين، أمسى اليوم من القبضايات والبلطجية، نكوص لا مبرر له سوى أنه يعكس بجلاء تراجع المؤسسات عن القيام بأدوارها، وطغيان الشعوذة والتقيّات والخرافة على الخطاب المعاصر، فمع تحفظي على الكثير من الجوانب الإبداعية في القيشاني، إلا أن ذلك يطرح تساؤلاً عن هذا النمط من التفكير، كيف اضمحل واختفى خلف أعمال تمولها بورصة النفط العربي، المال الجاهل الذي يستردنا إلى قبيلته وعشائره المسفوحة على طول الصحرا