2012/07/04

خالد تاجا.. نصف قرن برئة واحدة
خالد تاجا.. نصف قرن برئة واحدة


جهاد أيوب – بلدنا


في رحيل المخضرم خالد تاجا خسرت الدراما حالة خاصة


خالد تاجا.. من أبرز الوجوه الفنية، وتحديداً بعد انتشار الدراما السورية بثبات وقوة، حيث أوجدت حيرة سرعان ما سقطت في خانة الماضي؛ لأن تلك الدراما لم تكن مصادفة، بل وصلت إلى ما وصلت إليه جراء تعب وسهر وتجارب سابقة وحالية، وفجأة لمع نجم رجل مسن في عالم الشاشة الفضية، حاد الملامح، طيب الوجه، سريع الحركة والابتسامة، يؤدي كلّ الأدوار، ولا يهتمّ لطول مشاهده أو قصرها؛ بل هو من يعطي الدور قيمة،

ويبرزه على طريقته بذكاء تمكث خلفه تجارب واجتهادات مهمة.

خالد تاجا (1939 - 2012) غيّبه الموت منذ أيام بعد نصف قرن من مرضه بالسرطان، عاش حياته برئة واحدة، لم يكن يخاف المرض، بل يمازحه بالقول: “أنا أخوّف المرض”.. من أركان الفن السوري، بدأ كاتباً ومخرجاً وممثلاً في المسرح إلى جانب أنور البابا المعروف بشخصية “إم كامل”، والقدير عبد اللطيف فتحي (أبو كلبشة) في مسرح الحرية أوائل الخمسينات، وبعدها اتجه إلى السينما كتجربة ليس أكثر مع المخرج نبيل المالح، وبعد نجاح الفيلم “رجل تحت الشمس” كرت المسبحة مع السينما السورية، لكنّ سوء الإنتاج، وقلّة الخبرة في التوزيع، وعدم انتشار النجم السوري عربياً، باستثناء دريد لحام ونهاد قلعي عن طريق بيروت، تقلّص دور الفن المسرحي والسينمائي السوري، فابتعد خالد عن الفن إلى أن بدأت الدراما التلفزيونية تأخذ مساحة مهمة على صعيد الداخل، ومن ثم الفضاء العربي الأشمل، فعاد خالد بأدوار لافتة ومميزة منها “أيام شامية”، و”أيام الغضب”، و«الزير سالم»، و«الفصول الأربعة» و«الحصرم الشامي».. هذه الأعمال أحدثت زوبعة في نجومية خالد، ونستطيع القول نجومية ما بعد الخمسين، وهذه ظاهرة قلّما تحدث، فشهرة العطاء الفني تبدأ منذ الصغر وصولاً إلى مرحلة النضوج، وقد تصيب النجومية أو تخيب، ويبقى الفنان «سنيداً» ليس أكثر، بينما مع خالد تاجا الحالة مختلفة، نجوميته برزت بعد بلوغه الخمسين، نجومية الشيب نافست الشباب، وشكلت حالة كان كلّ الفنانين السوريين يتباهون بها ويفتخرون بأنّه حصل على نجومية محلية وعربية في الكبر، وهذه ظاهرة قليلة الحدوث!!

نجوميّة تاجا كانت نجومية راسخة، مشبعة بالتجارب الناضجة، صاحبها يمتلك كاريزما يحسد عليها، ولا يجاريه فيها أحد، له بصمة واضحة في كلّ دور قام به، شخصية مركبة تستطيع أن تلون دورها ببساطة، لديه ثقة ولدى من يعمل معه من كتاب ومخرجين بأنّه يؤدي الكوميديا كما يؤدي الميلودراما بقوّة واقتدار.

وصل خبر وفاته إلى أسرته مساء الأربعاء الماضي، ذهب الجميع إلى المستشفى القريب من منزله حيث يعالج، علمت عصابة متخصصة في سرقة التحف بموته، وبخلوّ المنزل سارعت إلى سرقة المنزل بكلّ ما فيه من تاريخ ولوحات تشكيلية باهظة الثمن، وتماثيل لم تكن موجودة عند غيره، فهو مولع بالآثار والأثريات والأنتيكا والبيت الشرقي بكلّ ديكوراته...

لم يكن يقبل أن يزوره أيّ صحفي في منزله خوفاً من أن يلتقط الصور لمجموعته، ولم يكن يقبل أن تنظف الخادمة الغبار عن تماثيله، كان يعاملها كأولاده، يزيّنها، ينقل مكانها، ينظفها ويفتخر بها، ولكن في غفلة موته والفوضى الوطنية والوطنجية في سورية تّمت سرقة أحلام خالد تاجا!!

ذات يوم أجريت في منزله حديثاً خاصاً تحدّث فيه بوضوح وجرأة، انتقد الواقع الفني العربي والسوري، وحذّر من الغرق في متاهة النجاح والنجومية، طالباً أن يبقى القائم على الدراما السورية في حالة قلق وخوف حتى نقدم الأفضل، كان يعتبر تيم حسن من الوجوه المهمة عربياً، وانتقد ذهاب الفنان السوري للعمل كبطلٍ ثانٍ في الدراما المصرية أو أي دراما عربية، معتبراً أن إمكانات جمال سليمان أو أيمن زيدان  أهمّ ممّا قدماه في المسلسلات المصرية التي تركز على أبناء وطنها ولا تهتم للقصة والوجوه الأخرى حتى لو كانت أهم مما عندها، كان مؤمنا بأنّ الدراما السورية أنقذت الفن العربي وتحديداً التلفزيوني من السقوط!!

تحدث مطولاً عن عشقه لسورية، وتحديداً إدمانه الشام، كان خائفاً على الوطن ككل، يفتخر بأنّ المجتمع السوري ليس طائفياً، ولا عنصرياً وقومياً يعتز بعروبته، وبعد أحداث سورية أدركت مدى خوفه، كان يفتخر بوجود مقاومة في لبنان، وقال حرفياً: “ لقد زرعت الشمس في كلّ العالم هذه المقاومة التي خرجت من أصغر بلد في العالم، وبصراحة بعد كلام السيد حسن نصر الله لا كلام، لا بل معيب الكلام”!!

في العام 2008 ظهر خالد تاجا عبر قناة المنار، طالباً حذاء الشهيد عماد مغنية من السيد حسن، وبسرعة البرق تمّ له ذلك، استقبله السيد وأهداه المصحف الشخصي للشهيد ولفحته، وبدوره سلّم تاجا السيد قصيدة ننشرها هنا حصريا:

«بعد أن رحلت ـ قالوا لنا من أنت

لم نكن نعرف اسمك

لم نكن نعرف رسمك

كنت جسراً للعبور ـ كنت نصراً

هنا كان ياما كان في حالك الأيام

بيننا رجل يحب الشعر ـ اسمه مغنية

أصبح رمزاً للحرية

كان فصلاً في الخطاب

كان فصلاً في الجواب

وفي الثواب .. وفي العقاب

هزم الطاغوت

مرغه بالتراب

بعد أن ..

أن رحل

جاءنا الجواب

هذا بعض من عماد

مفتاح الجنة في يده

كان منه وإليه

رحمة الله عليه

روحه في راحتيه

أرضه في مقلتيه

شهد الشهادة وهو حي

ألف رضوان عليه

يا نصير الضعفاء .. الشرفاء .. الفقراء

كنت منا .. كنت فينا

نعم ربان السفينة

بلا هرج ولا مرج

أعدت لنا كرامتنا .. أعدت لنا ابتسامتنا

أعدت لنا الشرف المسفوح من حكام أمتنا

يا بطل النصرين.. وشهيد القبلتين

يا حبيب الأحسنين.. الحسن والحسين

يا حبيباه.. يا صديقاه.. يا رفيقاه

يا رفيق درب الصادق الوعد الأمين

يا سليل الفاتحين المؤمنين

بجنة رضوان إيمان اليقين

رحلت مرفوع الجبين

أبيض الوجه ناصعاً بلون الياسمين

لم يطويك النسيان

يا رجل في زمن الخصيان

لن يطويك النسيان

يا سيد الزمان والمكان

فنم قرير العين.. يا رفيع الشان

أشبالك الميامين الكبار

يقرؤونك السلام

يعاهدونك السير على خطاك

كما أعددتهم .. وعلى هواك

يا أيها الأسد الملاك

بعد أن رحلت ..

قالوا لنا من أنت» .


الراحل في سطور


- محمد خالد بن عمر تاجا  (1939 - 2012)

-  عمل في السينما، ومن أفلامه نذكر “رجل تحت الشمس” عام 1970 مع نبيل المالح، و”الفهد” عام 1972.

-  عمل في التلفزيون، ومن مسلسلاته نذكر: “جريمة في الذاكرة”، و”أيام شامية” 1992، “يوم بيوم” و”يوميات مدير عام” 1995، و”الفصول الأربعة”، و”نساء صغيرات” من العام 1999 إلى العام 2002، و”الزير سالم” 2000، و”التغريبة الفلسطينية” 2004، و”زمن العار” 2009، و”الحصرم الشامي”.