2014/10/27

بوسطة- محمد الأزن

 تم ضغط "بواب الريح1" من 33 إلى 30 حلقة

كلمة "تعايش" لا تصح بين أبناء البلد الواحد

ثمّة فرق بين الصهاينة واليهود ولست محامي دفاعِ عنهم

التاريخ الذي سلطّت عليه الضوء كان مغموراً لسنوات

 أعلن الكاتب السوريّ خلدون قتلان مؤخراً، أنّه بدأ بكتابة الجزء الثاني من مسلسل "بواب الريح"، دون أن تتضح بعد الجهة المنتجة له، حيث لم تبدِ شركة "سما الفن" منتجة الجزء الأولّ حماستها من حيث المبدأ لإنتاج جزءٍ ثانٍ للعمل، بحسب الكاتب، لكنّه قررّ كتابته، وتوقّع أن يكون جاهزاً لموسم 2015، وقال قتلان إنّ أحداث "بواب الريح2" ستبدأ: "من حيث انتهى، بأحداث فتنة 1860، لأنّ القصة لم تنته بعد، وهناك الكثير من الوقائع التاريخية التي يمكن تناولها، ومنها التغيرات التي طرأت على المجتمع الدمشقي تحت تأثير الفتنة."

ولا شكّ أن مسلسل "بواب الريح" بجزئه الأوّل (للمخرج المثنى صبح)، كان من بين الأعمال التلفزيونية الجيّدة القليلة التي عرضت في موسم دراما رمضان 2014، لكنّ ثمّة مآخذ على النص الذي كتبه خلدون قتلان، أحلناها له ليرّد بدوره عليها في حديث خاص لـ"بوسطة":

وُصَفَتْ الخلطة الدراميّة التي قدّمتها خلدون قتلان في "بواب الريح1"، بـ"المحيّرة"، حيث بدت ملامح الحدث التاريخي زائغةً، عند اختلاطها بالملمح الفولكلوري، ما قولك في هذا الرأي؟

"مساحة الحدث التاريخي الموثق في الجزء الأوّل من (بواب الريح) تأتي في الحلقات الأخيرة، حيث تناولت فتنة 1860، ومهدت لأحداثها عبر إظهار طبيعة حياة الدمشقيين خلال تلك المرحلة، وبالنهاية أنا اجتهدت، قد أكون نجحت في أماكن، وفشلت بأماكن أخرى، ولا يوجد نص كامل."

كذلك يبدو الشعر ضيفاً ثقيلاً أحياناً على الحوار، وفي غير مكانه، وقد يضيّع حبكة الحدث، هناك من يقول أنّك قدّمت للمتلقي في "بواب الريح" جرعة زائدة من الشعر، هل لذلك ما يبرره ؟

"من الضروري برأيي رفع الذائقة لدى المتلقي كما أنّ لغة الدماشقة شعريّة، وإذا أردنا الإضاءة على دمشق، فيجب أن يكون ذلك من كل النواحي، هذا موجود في تراثنا، وحاولت إظهاره، أما عن كون المقاطع الشعريّة تبدو زائدة عن الحد، فأنا أوردتها بمكانها، في نصٍ مؤلف من 33 حلقة، لكن النص تم ضغطه، واختصر منه 3 حلقات، فحدث خلل بتقطيع المشاهد، وأتت المقاطع الشعرية غير موزعة في أماكنها الصحيحة."

يقال أن النص أيضاً وقع فخ الأفراط في تصوير حالة التعايش المثالي بين طوائف أهل الشام في تلك المرحلة، بينما لم يكن واقع الحال بهذه المثالية، بماذا ترد؟

"بدايةً... كلمة تعايش مرفوضة بالنسبة لي تماماً، فالتعايش لا يكون بين أبناء البلد الواحد، ودمشق عبر تاريخها هي محط الأديان، والأعراق، وخليط بين الثقافات التي تشكلت عبر تاريخها الطويل، ثمّ أن الحقيقة التاريخية لا يمكن إظهارها لأنها تؤدي إلى فتنة أشد، وهي تقول إنّ السلطان العثماني كان قد أصدر فرماناً بحق المسيحيين واليهود، لتمييزهم عن المسلمين بشكل واضح في الطرقات من خلال ملابسهم، والدراما ليس من مهمتها تسليط الضوء على هذه المسائل، لأنها تذكي نار الفتنة، ونحن تناولنا الظواهر الجيدّة، مع الإشارة إلى السلبية منها، وهناك فرق بين الفرمانات التي تأتي من الخارج لتطبيقها على أهل البلد الواحد، وطريقة تصرفهم مع بعضهم البعض، أنا لم أدعّي توثيق تاريخ دمشق مئة بالمئة، وإنما تناولت ما حدث في فتنة 1860 أو ما يعرف بـ (طوشة النصارى)، وتشابهها مع ما يحدث خلال المرحلة الحالية، إلى جانب وجود إشارات من هذا القبيل، لأنه لا يمكنني تكريس حالة البغض في الدراما."

ماذا عن صورة اليهودي المثالي التي قدمتها في العمل من خلال شخصية "يوسف آغا النحّاس" كأول يهودي يعفي من فائدة الدين؟

"علينا أن نفرق بوضوح بين الصهيونية أو الصهاينة، و اليهود، فثمّة أطباء يهود دماشقة كانوا يعالجون الفقراء مجاناً، وقد لا يصدق البعض ذلك من باب نظرية المؤامرة، ولكنها حقيقة، ثمّ من قال إنّه لا يوجد يهودي دمشقي، بهذه المواصفات، هناك أناس معاصرون لـ(حارة اليهود) بدمشق، وكان بينهم وبين باقي السكان علاقة جوار عاديّة، (يوسف آغا النحاس) عرّف من خلال إحدى حواراته في المسلسل عن

يهود الشام، بكونهم (النورانيين)، كتبة (الناموس) المقدّس، فلدمشق خصوصية تامّة حتى بأديانها، وهو فصّلَ في هذا الحوار بينهم، وبين طوائف اليهود الأخرى، ثم هل يعقل أن يكون كل يهود دمشق، أشراراً بالمطلق؟، بالتأكيد لا، وبالمقابل كان بينهم شريرون، ذبحوا (الأب توما)، وتلك حادثة تاريخية موثقة، أنا لست محامي دفاع عنهم، كل ما في الأمر أنني أردت إظهار حال التناغم في دمشق، وهذه حقيقة."

بالمقابل عادت صورة التركي الشرير إلى الدراما السوريّة من خلال "بواب الريح"، بعد أن غابت عنها منذ سنوات، أيمكن أن يكون ذلك مرتبطاً بتغيّر الظرف السياسي، و طبيعة العلاقات بين سوريا اليوم وجارتها الشمالية اللدودة؟

"الظرف التاريخي الذي يتناوله المسلسل كان كذلك، وهذا ما بدا ظاهراً في العمل، فأمر تصفية المسيحيين صدر بفرمان سلطاني، حيث قرأت ذلك بأحد المراجع، لذلك تم إعدام أحمد (زكريا باشا)، أول ما أتى (فؤاد باشا)، كما لا يمكن أن يكون المحتل لطيفاً، فعبر تاريخ كل الشعوب، هو يحتل بقوة العسكر، ودمشق كانت (سنجقاً) من (سناجق) السلطان، وهذا يعني احتلال، وأنا حينما صوّرت التركي في عملي، صورّت المحتل مهما كانت جنسيته، والحقيقة أن الاحتلال التركي كان من أبشع الاحتلالات التي مرّت على الوطن العربي."

نبقى في إطار ما يمكن أن يبث من رسائل سياسية، عبر الدراما؛ قد يكون الشبه بين البارحة واليوم، فيما تمّر به بلادنا، مذهلاً في تطابقه، لكن هناك من يرى أنكم أفرطتم في تقديم جرعة زائدة من نظرية المؤامرة للمتلقي، عبر مسلسل "بواب الريح"، مما أدى إلى نفور البعض، ما تعليقكم؟

"أنا لست مسؤولاً عن جرعات زائدة من نظرية المؤامرة تلقاها المشاهد السوري منذ بداية الأزمة، مسؤوليتي تنحصر في (بواب الريح)، الذي يستند إلى مراجع موجودة، بدأت الفتنة في جبل لبنان بطفلين، وبدأت بدمشق، بسبب عبارات مناهضة للديانة المسيحية كتبها أطفالٌ مسلمون على الحيطان، وعاقبهم (عاكف باشا)، بعد أن اشتكى وجهاء المسيحيين، واندلعت الفتنة، في الـ 2011 وبغض النظر عن موقفي السياسي، أياً كان حينما نشهد (فتنة)، أو (ثورة) أو أياً كانت تسميتها، بدأت بكتابة على الحيطان، وتشير أصابع الاتهام إلى أحدهم الذي يتشابه في الاسم حتى مع (عاكف)؛ وهنا أجد من حقي ككاتب إعادة قراء التاريخ، والقول للناس، انظروا ما حدث، ففي1860 ضربت صناعة الحرير بدمشق، وكانت رائدةً فيها حول العالم، واليوم أوّل ما ضرب ريف دمشق حيث كانت كل الصناعات المتمركزة حولها، أنا لست بمعرض التنظير على أحد، لكن التاريخ الذي سلطت

الضوء عليه بعد أن كان مغموراً لسنوات، وبهذا التكرار العجيب للمفردات اليوم، يدعونا للسؤال، لماذا يكرر نفسه معنا؟."

ينتهي خلدون قتلان من الرد على ما أوردناه من مآخذ على نص مسلسل "بواب" الريح1"، ليختم حديثه معنا، بما يدعو حقيقةً لإعادة التفكير بما نحن عليه الآن، ويختم حديثه مع "بوسطة"، بالقول: "لم يكن القصد من هذا العمل إعادة فتح السجال حول إن كنّا نحب بعضنا أم لا؟ فدائماً توجد خلافات بين سكان البلاد الواحد، ولا أناقش بالسياسة، ولكن من حقي أن أقول أنّه في 1860 حدث الشيء ذاته، ولطالما أسأل نفسي هل كنّا بحاجة لهذا الدرس القاسي لنتعلّم؟ على ما يبدو إذا لم نعرف تاريخنا بطريقةٍ صحيحة سيعود ليكرر نفسه معنا من جديد، (بواب الريح) نقطة انطلاقة لإعادة قراءة ما يحدث الآن، فبعد الفتنة أعيد إعمار (باب توما) من جديد، وكذلك بعد الاحتلال الفرنسي تم إعادة إعمار ما دمّره، وعلى ما يبدو أن الحكومات المتعاقبة، قامت بإعمار البلد، ولم تقم بإعادة إعمار الإنسان.. ما أقدّمه في هذا العمل هو نداء: لا تجعلوا التاريخ يكرر نفسه، ربما وفقت بأماكن، وأخفقت بأخرى لكن هذه هي الحقيقة."

على النهج ذاته، إذاً؛ يعكف الكاتب السوري خلدون قتلان على كتابة جزءٍ ثانٍ من "بواب الريح" الذي يبدو سعيداً، بأّنه "حرّك الشارع الثقافي"، بانتظار أن يجد الجزء الجديد طريقه للإنتاج في موسم 2015، وذلك بالتوازي مع اشتغاله على تحويل رواية "نازك خانم" للروائية السورية لينا هويان الحسن إلى نصٍ تلفزيوني، ستنتجه شركة "" moon and stars اللبنانية، للموسم ذاته أيضاً.

بينما يترّقب قتلان ما ستسفر عنه الأيّام المقبلة، بشأن خلافه "الكبير" مع شركة "كلاكيت" للإنتاج والتوزيع الفنيّ، حول مسلسل آخر بعنوان "حرملك آغا" الذي تمتد أحداثه على مدى تسعين حلقة، أنجز جزءاً كبيراً منها، على مدى العام الفائت، ويفترض أن يكون جاهزاً لتنفيذ جزئه الأوّل عل الأقل خلال المرحلة المقبلة، وهو "عمل يتناول شخوصاً افتراضيين، عاشوا في عصر المماليك، بين دمشق، القاهرة، والكرك، و يسلط الضوء على مواقع قوّة النساء، وعالم الجواري بأنواعهن الذي كان آنذاك."

وقبل أن يحّل هذا الخلاف، دخل خلدون قتلان في خلافٍ ثانٍ مع الشركة المنتجة ذاتها، حول مسلسل اجتماعي معاصر بعنوان "الخونة" (يتناول الأزمة السورية منذ بداياتها)، حيث أعلن الكاتب السوري في بيانٍ صحفي صدر عنه مؤخراً أن هذا المسلسل: "لم يعد ملكاً لشركة (كلاكيت للإنتاج والتوزيع الفني) بسبب نكول

الأخيرة ببنود العقد الموقع بينه، وبينها منذ سنوات، وانقضاء المدة التي تجيز لها استثمار هذا النص المسجل باسمه بموجب قانون حماية الملكية الفكرية في سوريا"، ولفت لِكَونِ الشركة لم تقدم أي سبب يوضح عدم إنتاج العمل موضوع الخلاف بينهما: "واكتفت بإيداعه، على رفوفها كغيره من الأعمال الكثيرة التي تملك."