2013/05/29

دراما البيئة الشامية... وجوه متكررة وأدوار متشـابهة
دراما البيئة الشامية... وجوه متكررة وأدوار متشـابهة


بسام سفر – تشرين

تعاني دراما البيئة الشامية من التنميط في الكثير من شخصياتها التي تظهر في هذه الأعمال، إذ لديها مجموعة قوالب جاهزة تتمثل في شخصيات نمطية لا يختلف بعضها عن بعض في شيء،

ويلعب تكرار هذه الشخصيات دوراً كبيراً في حصر الممثل في إطار خط فعل أفقي لا يقدم للممثل فرصة لتقديم خيال ومخيال فني يبتعد عن النمطية في الأداء. وذلك اعتماداً على مقياس اختيارية جاهزة لاستمرارية التسويق في السوق الدرامية العربية بغض النظر عن المضمون الذي يقدمه العمل الدرامي للمشاهد في إطاره ولغته، وموقعه بالنسبة إلى السياق الدرامي ومشروعيته سلوكياً.

إن السائد في أعمال البيئة الشامية هو تلك الاستلابية الواضحة للشكل في الأزياء والديكور والمكان، حتى إنه بدا غاية يسعى لها، إلى درجة الانجرار والاندماج انطلاقا من افتراض واه، له أساسه ومكوناته وخلفياته التجارية المصلحية في الحضور بالسوق الدرامي بعيداً عن الأداء والإخراج اللافت الذي يحترم عقل المشاهد.

فالكثير من الأعمال الدرامية السورية التي تقوم على البيئة الشامية تعتمد على الإطار الفني الشكلاني، ولا تدخل إلى عمق القضية النصية التي تعالجها، حيث تظهر قضية مقارعة المستعمر وسيلة جذب المتابعة في الإطار الحكائي للنص الدرامي، عبر مجموعة من الرجال خرجوا من هذه البيئة الشامية، وحملوا السلاح في وجه المستعمر، وفعل رجال هذا (الحي- البيئة) في تأمين وتغطية هذه المقاومة، والاشتراك في هذه الأفعال للقول إنهم ضد المستعمر، وضد المتعاونين معها بغض النظر عن درجة الإيمان بهذه الأفعال، ومردودها السياسي في إطار عملية السياسة التي كانت تشهدها البلاد المستعمرة، فنادراً ما جرى ربط هذه الأعمال والأفعال المقاومة في إطار العملية السياسية. وهكذا يبقى الفعل المقاوم مجرد ظاهرة استعراضية في العمل الدرامي دون الوصول إلى الهدف السياسي، وهو تحرير البلاد والعباد، ونجد ذلك في «باب الحارة»، وفي قيادة الفنان (محمد خرماشو) لهذه المقاومة، ونجد الفنان ذاته يقود مجموعة أخرى في (طاحون الشر)، ونجد البطل الشعبي ذاته (وائل شرف) يلعب دور المساند والمقاوم في الحي سواء كان في باب الحارة أو حارة الكباد في طاحون الشر.

وفي الجانب الاجتماعي البيئي لهذه الأعمال نجد أنها تقدم الفنانين أنفسهم الذين يلعبون الأدوار الرئيسية، ومنها على سبيل المثال لا الحصر، الفنان عباس النوري في عمله الشهير (ليالي الصالحية)، وفي الجزء الثاني من العمل الدرامي أهل الراية، وكذلك في هذا الموسم بالعمل الدرامي (الاميمي)، متزوج من الممثلة ذاتها كاريس بشار وهنا يقع الشجار والخلاف في كل هذه الأعمال بين الزوجين دون الانتباه إلى أن الفنانين كليهما يلعبان الدورين ذاتهما، فإذا كان الكاتب والمخرج يختاران الممثلين نفسيهما، فلا يجب تكرار الأدوار نفسها لذات الفنانين بالنسبة للفعل الاجتماعي في إطار البيئة الشامية نفسها بغض النظر عن السياقات المختلفة لكل حكاية نصية ولكل عمل درامي شامي.

وفي ذات الإطار الاجتماعي لعب الفنان القدير سليم كلاس عدة أدوار في الموسم 2012، حيث جسد شخصية المختار في الاميمي الذي يتزوج من الفنانة «منور، كاريس بشار» المطلقة من قبل عباس النوري، وهي الأرملة التي يساومها «أبو سردة، سيف الدين سبيعي» على علاقة جنسية من دون زواج، لكنها ترفض ذلك، وتحتج منور على زواجها من المختار من خلال حديث بينهما وبين «أم عيسى، تولين البكري» زوجة «جواد، نضال سيجري» عن المقدرة الجنسية عنده، وأيضاً شارك الفنان كلاس في طاحون الشر بدور «أبو طاهر» الذي يهجر حارته مع أسرته نتيجة ضغط «عبود»، وقراره في الانتقام من «طاهر، وسيم الرحبي».

وهو من مجلس عضاوات الحارة، وهنا يتجلى التشابه الكبير في الوظيفة ما بين (المختار) وعضو من مجلس عضاوات الحارة، والفنان محمد خير الجراح في الاميمي «حنا» المهني الحلواني، و«أبو فايز» في طاحون الشر الذي يمتلك محل في السوق، و«عضو من مجلس عضاوات الحارة»، وهو يطلق سراح «عاصم بيك، بسام كوسا» بعد إعطائه لأبو فايز مجموعة من الليرات الذهبية.

وفي حارة الطنابر يجسد شخصية «معزول» التي يستخدمها «عكر وحموش» لعمل فصول في الحارة.

والفنان سعد مينه لعب دور مساعد الأميمي في الحمام وفي الضيعة شخصية فلاح مشرف على الأرض، وعقيد في العمل الدرامي لعنة القسم يعطي الأوامر.

أما الفنان اندريه سكاف في العمل الدرامي الأميمي فقد لعب دور أحد ثلاثة أصدقاء الأميمي فوزي المصاب بالحول وصاحب محل في السوق، بينما في طاحون الشر أدى دور عقيد حارة ثانية، وقاتل وعميل الكركون في الحارة.

والفنانة القديرة «صباح الجزائري» لعبت أم وضاح في زمن البرغوث، وفخرية زوجة «الزعيم، رفيق سبيعي» في طاحون الشر، إذ إنها تفعل كل الشرور بداخلها في مواجهة «أم زيدو، منى واصف»، من أجل عدم وراثة الابن لمال أبيه، بالتنسيق مع أخيها عاصم، والفنان عدنان أبو الشامات لعب في زمن البرغوث دور «أبو فخري» لحام الحارة الذي تميز بخفة الدم والظرافة، في حين وجدناه في العمل الدرامي «الاميمي» يجسد شخصية رئيس الكركون، التي يلعب بها «مراد، سلوم حداد» مثلما يريد في خدمة مصالحه الشخصية.

أخيراً إن الاستعراضية الدرامية في أعمال البيئة الشامية تتجسد من خلال إعلاء الشكلانية في بنية النص الدرامي البيئي الشامي وخصوصاً في الجانب المهني والمواقف السياسية والاجتماعية الذي يوضح مدى ضعف الإحساس البنائي والروائي في النص الدرامي عند الكاتب، ومحدودية القدرات الإخراجية على اكتشاف التنوع الإنساني البشري في الحياة، والتقاط هذا التنوع الحياتي لنقله إلى الشاشة الصغيرة، على الرغم مما هو معروف عن الممثل السوري في قدرته على امتلاك الجرأة والمغامرة والخروج من النمطية السائدة في أعمال البيئة الشامية.