2012/07/04

دراما البيئة الشامية 2012 بين الفانتازي والتاريخي؟!
دراما البيئة الشامية 2012 بين الفانتازي والتاريخي؟!


خلدون عليا – تشرين

كما في كل عام خلال السنوات القليلة الماضية ستحضر دراما البيئة الشامية بقوة في موسم 2012 من خلال أربعة أعمال ستكون جاهزة للعرض في الموسم الرمضاني الذي أصبح على الأبواب،

ومن الملاحظ أن السنوات الأخيرة بدأت تشهد نوعاً من المنافسة بين الأعمال التي تتخذ من تاريخ دمشق خلال مرحلة أو حقبة زمنية سنداً لها تدور أحداثها في إطارهِ وتتناول الحياة السياسية والاقتصادية والاجتماعية والفكرية التي كانت سائدة خلال الفترة التي يتحدث عنها العمل.. وبين الأعمال الفانتازية التي تتناول علاقات اجتماعية وصراعاً أزلياً بين الخير والشر ضمن زمن معين من الكاتب والهدف منه تسويغ وجود الاحتلال العثماني أو الاحتلال الفرنسي من دون وجود ضوابط تاريخية لما يجري من أحداث بل إن الكثير من الفنانين والنقاد قالوا: إن هذه الأعمال تشوه تاريخ دمشق الحقيقي الغني فكرياً وسياسياً واقتصادياً واجتماعياً في حين كان الصراع الأبرز بين النوعين «الفانتازي» و«التاريخي» على دور المرأة وكيفية تصويرها وتوجيه أصابع الاتهام إلى الأعمال الفانتازية بأنها شوهت صورة المرأة الدمشقية وأظهرتها بأنها مجرد امرأة «ثرثارة» وحياتها مُكرّسة للأحاديث وخدمة زوجها في حين أظهرتها الأعمال التاريخية الشامية بأنها عنصر فاعل في المجتمع فقد كانت ناشطة سياسياً وفكرياً واجتماعياً. وبالطبع، بدأ التنافس بين النوعين من الأعمال عند بدء سلسلة «الحصرم الشامي» للكاتب فؤاد حميرة والمخرج سيف الدين سبيعي وبطولة عباس النوري ليتبعها مسلسل «أولاد القيمرية» هذه المرة من تأليف النوري وزوجته عنود الخالد وإخراج سيف الدين سبيعي أيضاً، وليستمر الحضور التاريخي الشامي في الموسم الماضي من خلال مسلسل (طالع الفضة) من تأليف النوري والخالد وإخراج سيف الدين سبيعي أيضاً ولتشكل هذه الأسماء (النوري, الخالد, سبيعي, حميرة) حضورها وتقود راية الأعمال التي تروي تاريخ دمشق الحقيقي في حين دخل في الجانب الآخر عدد كبير من المخرجين والفنانين.

وفي هذا العالم يدخل المخرج تامر إسحق ليسجل حضوره التاريخي الشامي الأول بالشراكة مع عباس النوري بطلاً وسيف الدين سبيعي ولكن هذه المرة ممثلاً وسليمان عبد العزيز كاتباً بينما ستحضر الأعمال الفانتازية أيضاً ليشكل هذا الموسم -كما أسلفنا- تنافساً تاريخياً فانتازياً بين أربعة أعمال شامية وهي (الأميمي, زمن البرغوت، طاحون الشر، ياسمين عتيق).


«الأميمي» في صدارة الأعمال التاريخية

في هذا العام سيواصل الفنان عباس النوري تصديه للحضور التاريخي الشامي وإنما بالشراكة مع المخرج تامر إسحق من خلال مسلسل «الأميمي» الذي يروي مرحلة ما بعد خروج «ابراهيم باشا» من دمشق وعودة الاحتلال العثماني إليها ومارافق ذلك من القضاء على الإصلاحات الاقتصادية والاجتماعية والثقافية والسياسية التي قام بها «ابراهيم باشا» والعودة إلى زمن الجهل والتخلف و«شيخ الكتاب» بعد أن كان الزمن هو زمن العلم والمعرفة والمدارس، ومن خلال هذا العمل سيسجل إسحق حضوره الأول في هذا النوع من الأعمال الذي يعتمد التاريخ الحقيقي لمدينة دمشق مرجعية له ويستند إليه في الحكايا الاجتماعية من دون أن يكون العمل مسيئاً لتاريخ أقدم عاصمة مأهولة، بل إن ما سيقدمه العمل بحسب صناعه هو انعكاس السياسة التي سادت ما بعد «ابراهيم باشا» على الحياة الاجتماعية والاقتصادية والثقافية وحتى الدينية، وحضور إسحق الأول في هذا النمط الدرامي يأتي بعد أن خاض تجربة الأعمال الفانتازية من خلال مسلسل «الدبور» بجزءيه والذي يبدو أن اسحق مستمتع بتجربته التاريخية أكثر ولاسيما كما يقول: إنه يقدم واقعاً وليس خيالاً.

«طاحون الشر» وتجربة فانتازية جديدة

وعلى صعيد الأعمال الفانتازية يستمر الكاتب مروان قاووق في تقديم هذا النوع من الأعمال من خلال مسلسل «طاحون الشر» في تجربة أولى للمخرج ناجي طعمي في مجال أعمال البيئة الشامية وليستمد العمل حكاياه من خيال الكاتب من دون وجود مستند تاريخي للعمل سوى إطار زمني لتسويغ وجود الاحتلال حيث إن العمل يرصد فترة الاحتلال الفرنسي في سورية، ومعظم حكاياته شعبية اجتماعية، ولكنّ هناك خطاً سياسياً هو النضال ضد الاحتلال الفرنسي وعبره يسلط الضوء على ثوار الغوطة في تلك الفترة.

تبدأ القصة منذ قيام (فخرية) بإبعاد الطفل (زيدو) عن أمه التي قتلت بعد مخاضها بدقائق فعاش (زيدو) بعيداً عن أبيه الزعيم وعن حارته وعندما كبر وعاد صدمت (فخرية) وكبر الصدام.. عندها خرج من الحارة وقرر عاصم شقيق فخرية قتل الزعيم وفعل، فاتهم «أبو شكري» بمقتل أخيه، ومن هنا تفجرت الأحداث.‏

إذاً، العمل -وكما كل أعمال قاووق- تتخذ من الزمن إطاراً لتسويغ حكاية أو حادثة أو مقاومة الاحتلال من دون الغوص في تفاصيل الحكاية التاريخية وانعكاساتها سوى تقديم بعض الحكايا الاجتماعية والعادات والتقاليد وتالياً فهو ينتمي إلى النمط الفانتازي بامتياز.

زمن البرغوت والمزج بين التاريخ والفانتازيا


العمل الشامي الثالث هو «زمن البرغوت» من تأليف محمد الزيد وإخراج أحمد إبراهيم أحمد وبحسب القائمين عليه- فإنه محاولة لكسر ما تم تداوله عن واقع البيئة الشامية، والخروج عما اعتاده جمهور هذا اللون الدرامي من خلال رصد أحداث السفر برلك ليكون الحدث الأول في مسلسل «زمن البرغوت» الذي يتناول البيئة الشامية القديمة مسلطًا الضوء على العادات والتقاليد في الفترة الممتدة بين 1915و1920، وعلى العلاقات التجارية المتبادلة بين أهل الريف وأبناء دمشق، وعلى الرغم من تشابه الكثير من أعمال البيئة الشامية في المشاهد، فإن القائمين على العمل يؤكدون أن هناك اختلافاً في المضمون. والعمل يطلق تصوراً جديداً لموضوع الأخلاق والقيم الدمشقية الأصيلة لكن بأسلوب جديد، وهو ما دأبت عليه أساساً الأعمال الأخرى التي كان لها حضورها في الأعوام الماضية.. العمل يمتد لـ 60 حلقة مقسمة على جزءين، سيضمان عدداً كبيراً من نجوم الدراما السورية وفي مقدمتهم أيمن زيدان الذي سيسجل مشاركته الشامية الأولى وسلوم حداد ورشيد عساف، صبـــاح الجزائري، محمــد حداقي، قيس الشيخ نجيب، أمل بوشوشة، صفاء سلطان، فاديا خطاب، مرح جبر، عبد الهـــادي الصبـــاغ.

و«زمن البرغوت» هو عمل يتناول الحكايا والقصص الاجتماعية من دون تركيز على القصص السياسية والعسكرية، وكان كاتب العمل أكد في وقت سابق لـ «تشرين»: «أن النص يغوص في تفاصيل الحياة اليومية للمواطن الدمشقي في ذلك الزمن، بشكل لصيق بالواقع إلى حد بعيد، من دون الخوض في تفاصيل الحدث السياسي والعسكري، لكن هذا لا يعني أن الأحداث السياسية والعسكرية متخيلة، بل هي أحداث حقيقية، معتمدين في ذلك على جولات ميدانية في حيي الميدان والشاغور، للحصول على المعلومة التاريخية والاجتماعية من أصحابها، إضافة إلى العديد من المراجع، ولم يكن التوثيق التام للتاريخ السياسي والعسكري هدفاً رئيساً، لكن نستطيع أن نقول: إن الحالة الاجتماعية بعاداتها وتقاليدها وقيمها السامية طُرحت بشكل شبه توثيقي إن لم نقل بشكل توثيقي تام». وتالياً، فقد بدا واضحاً أن العمل لا يميل إلى الجانب التاريخي كثيراً وفي الوقت نفسه لا يميل إلى الناحية الفانتازية كما غيره من الأعمال، ربما ليشكل نمطاً جديداً بانتظار عرض العمل في رمضان القادم.


«ياسمين عتيق» والتجربة للمثنى صبح

المخرج المثنى صبح سيخوض غمار دراما البيئة الشامية بعد أن حقق نجاحات في الأعمال الاجتماعية والتاريخية، وتجربة صبح الجديدة ستكون من خلال مسلسل «ياسمين عتيق» من تأليف الكاتب رضوان الشبلي. وتدور حكاية أبطاله في ثلاثينيات القرن التاسع عشر، وهي مرحلةً وصفت بالمهمة والحسّاسة في تاريخ سورية ودمشق إلا أنه لم تصدر أي تصريحات توضح فيما إذا كان هذا العمل سيعتمد المرجعية التاريخية أو أنه سينضم إلى السياق الفانتازي ضمن مجموعة من القصص الاجتماعية.

إذاً، هي أربعة أعمال درامية شامية هذا العام ستختلف نوعيتها بين الفانتازي والتاريخي وبين الاثنين أيضاً ليبقى الجمهور هو الحكم، وإن كانت الإشارات من الموسم الماضي قد أكدت أن الجمهور قد انجذب نحو الأعمال الشامية الاجتماعية التاريخية مثل «طالع الفضة» وانه لم يعد يجد في الدراما الشامية الفانتازية أي جديد، في حين لا تزال الاتهامات تتصاعد لمثل هذه الأعمال بتشويه التاريخ والإساءة لدمشق وللمرأة وللفكر والثقافة بينما تعلو أصوات أخرى تؤكد أن الدراما السورية مطالبة بالتنوع وتقديم مختلف الأنماط ومنها الفانتازي وأن الجمهور يبحث عن أعمال تقدم وجبة من الأخلاق والشهامة والقيم والعادات النبيلة، وهو ما يفسر إقبال الجمهور على مشاهدة هذه الأعمال.

وهنا لا بد من الإشارة إلى أن أسماء العديد من النجوم تبقى عنصراً جاذباً للعديد من الأعمال الشامية بنمطيها الفانتازي والتاريخي ويأتي في مقدمة هؤلاء عباس النوري وبسام كوسا، إضافة إلى عدد من الفنانين الذين أثبتوا حضورهم في هذا النوع من الأعمال في حين سيخوض عدد من النجوم تجربتهم الأولى أو الثانية في هذا المضمار ليبقى تقويم هذه التجربة بانتظار طريقة الأداء ومستوى العمل الذي شاركوا فيه.  وفي الختام، فإن الحكم على أعمال الموسم الحالي سيبقى منوطاً بعرضها وبالجديد الذي ستقدمه فنياً ودرامياً وفكرياً لينهي عرض هذه الأعمال سباق التنافس وليأتي وقت إعلان النتائج.