2012/07/04

دراما التاريخ.. أزمة إعادة تصدير الأبطال
دراما التاريخ.. أزمة إعادة تصدير الأبطال

علاء الدين العالم - تشرين دراما

إن الكتابة الدرامية التاريخية من أصعب الكتابات لما تحتاجه من دقة وأمانة وحنكة يمتلكها الكاتب إضافة لجرأة لا يوقفها التجميل والموروث الشعبي, ومن هنا انطلقت الدراما التاريخية لتثبت مكانا لها في الساحة الدرامية السورية في نهاية القرن الفائت وذلك بالانتقال من الفانتازيا التاريخية المعتمدة على واقع

وأبطال افتراضيين إلى دراما تاريخية تتناول حقبة تاريخية ما من خلال سرد حكائي تاريخي جماهيري يطرح جدلية الصراع ضمن أحداث مشوقة ومعارك

طاحنة تتخذ من الصحراء العربية ساحة لها.. وكان مسلسل «الزير سالم» إخراج حاتم علي سيناريو وحوار الراحل المبدع ممدوح عدوان من أهم الأعمال

التاريخية الملحمية والتي لم يعتمد فيها عدوان على طرح جدلية صراع الخير والشر وانتصار الخير في النهاية, فهو اهتم بالشخصيات والأحداث كاهتمامه

بالسيرة والتأريخ, ولم يعتمد على إظهار الحدث فقط بل غاص إلى أعماق الحدث وقاد المشاهد إلى فهم الحدث وفهم أسباب حدوثه, وأعاد بناء السيرة

الشعبية واستطاع ان يخلق مسارات وممرات درامية أغنت هذه السيرة.. أما الكاتب وليد سيف والذي تناول عدداً من الحقب التاريخية لعل أهمها ما تناوله

في ثلاثية الأندلس «صقر قريش, ربيع قرطبة, ملوك الطوائف» والتي استطاع سيف من خلالها إسقاط التاريخ الماضي على الحاضر الحالي من خلال قراءة

تاريخية توخى فيها الصدق والأمانة ولم يقحم ذاته بالروايات المتضاربة, وبالنظر إلى أسباب نجاح هذه الأعمال الدرامية التي أغنت الموروث الدرامي السوري

يظهر جليا العجز الموجود في نصوص الأعمال التاريخية حاليا والتي تظهر بمظهر دراما أحادية الجانب وتفتقد لأدنى تسريب من المتعة, فتظهر فجة مملة

تقتل جماهيريتها وشعبيتها بجفافها, ويضاف إلى ذلك مشكلة تجميل التاريخ والتي بدأنا نلمسها في الأعمال التاريخية وخلط كتاب هذه النصوص بين

تسريب المتعة وبناء الحدث في قالب درامي وبين تجميل التاريخ وستر الأحداث التاريخية المفصلية وتغييبها تماما لسبب لا يعرفه إلا الكاتب وحده,

فالمشاهد يشعر في بعض الأعمال التاريخية بأن الكاتب لم ينفصل عن التاريخ وعن صورة البطل التي توارثها الناس, وليس هذا وحسب بل يقحم نفسه في

الروايات التاريخية المتضاربة وينتقي منها ما يناسب (قراءته التاريخية

أما بخصوص انتقاء المرحلة التاريخية ومعالجتها فهذا هو المرض الذي يتسلل لنصوصنا التاريخية إذ نجد بعض الأعمال تتناول مرحلة تاريخية طرحت في الكثير

من الأعمال السينمائية التلفزيونية وتعيد صياغته بالقالب نفسه ما يؤدي إلى فقدان جماهيريتها بسبب تكرارها, وكذلك تناول بعض الشخصيات التي ظلمها

التاريخ ولم يوثق لها إلا القليل وعندها يبدأ الكاتب بوضع مسار لهذه الشخصية ضمن المراجع التي يعود إليها (دون ان يسميها) والتي تتجاوز في بعض

الأحيان - على حد قول الكاتب- الخمسين مرجعا, وان أردت البحث عن مراجع لهذه الشخصية في المكتبة العربية لا تجد إلا مرجعاً أو مرجعين يتناولان هذه

الشخصية بشكل مباشر. ‏

أما عن الجانب الأدبي في المسلسلات التاريخي فهو مغيب تماما مع العلم أن الأدب العربي هو المرجع الأول للكثير من الحقب الزمنية في التاريخ العربي,

ولا يمكن توثيق هذا التاريخ إلا بالرجوع إلى أمهات الكتب الأدبية العربية مثل «الأغاني, الأمالي, الأصمعيات...» وعن النصوص التاريخية التي تناولت

الشخصيات الأدبية البارزة في الحضارة العربية فهي كغيرها وقعت في فخ الفجاجة إضافة إلى التضخيم ومطمطة الشخصية إلى ثلاثين حلقة وذلك بإدخال

تفاصيل تاريخية تزامنت مع هذه الشخصية الادبية ولكن لم تتصل بها بأي شكل. ‏

وعن الواقعية في النصوص التاريخية نرى أنها معدومة في بعض الأحيان فالفارس تظهر فروسيته بشكل دائم حتى لو كان مع حبيبته والشاعر يكتب الشعر

على الدوام ودون انقطاع وحتى السفاح هو سفاح مع أهل بيته وأبنائه وأخواته, وكذلك الحوار الذي يبنيه الكاتب على أرضية الحدث فقط ويربطه به ربطا وثيقا

فنرى الفارس لا يتكلم إلا عن الحرب والخطط الحربية وليس لديه أي جانب إنساني إلا ما ندر. ‏

إن تراكم هذه الأسباب واجتماعها في بعض الأحيان في عمل واحد أدى إلى تراجع شعبية العمل التاريخي وانتشاره وتقدم الأعمال الاجتماعية «المودرن»

والكوميدية والبدوية عليه, فهل سنرى أعمالا تاريخية تصدّر أبطالنا التاريخيين بشكل سليم ويراعي كتابها الدقة التاريخية وينقلونها دون إقحام ذواتهم,

ويبنونها بناء دراميا صحيحا؟؟؟‏