2012/07/04

دراما  القضية  الفلسطينية  تطالب بالنخب السوري الأول
دراما القضية الفلسطينية تطالب بالنخب السوري الأول

علي وجيه

باستعراض سريع لتاريخ التناول الفني الدرامي للقضايا الكبرى للأمم، نلاحظ أنّ السينما هي الفن الذي انبرى للتصدّي لهذه المهمّة الحسّاسة، بوصفها الأرشيف الخالد والقادر على مخاطبة كل الجنسيات والثقافات من جهة، وكون طبيعة العمل السينمائي المعتمدة على الاعتناء بالتفاصيل، تتيح الوقت والجهد الكافيين، كما يفترَض، للخروج بنتيجة تليق بنبل القضية وأهميتها. النقطة الأهم في هذا الشأن هي أهمية أن يكون العمل السينمائي أو التلفزيوني على مستوى القضية نفسها، لأنّ العمل الهابط فنياً قد يسيء لقضيته بدل أن يخدمها، خصوصاً إذا كان سفيراً لها في محافل أو مهرجانات دولية. إسقاط هذه المقدّمة على واقع القضية الفلسطينية، قضية العرب المركزية، في الدراما السورية، له حيثياته المختلفة نوعاً ما. تعبير «الخصوصية السورية» يتجلّى هنا أيضاً. فالسينما السورية عبّرت عن القضية بالشكل الصحيح ولم تفعل في نفس الوقت. وهي لم تبخل حقيقةً طوال تاريخها الذي يعود لعام 1928 (فيلم «المتهم البريء» للمخرج أيوب بدري من إنتاج شركة حرمون فيلم) في دعم القضية الفلسطينية، خصوصاً بعد تأسيس المؤسسة العامة للسينما عام 1963. إلا أنّ النسبة بين الأعمال المؤهلة فنياً لحمل لواء القضية والأعمال ذات السوية المنخفضة أو حتى البائسة فنياً لا تبدو إيجابية أو مبشّرة. ثلاثية «رجال تحت الشمس» 1970 للمخرجين مروان مؤذن (اللقاء) ونبيل المالح (المخاض) ومحمد شاهين (الميلاد). «المخدوعون» 1972 للمصري توفيق صالح. «مائة وجه ليوم واحد» 1972 لكريستيان غازي. «كفر قاسم» 1974 للبناني برهان علوية. كلها أفلام كانت على مستوى عال من الذكاء والبراعة، وقد أدّت دوراً لا يمكن إغفاله في خدمة القضية والتعريف بها. بالمقابل، ظهرت أفلام لم تضف شيئاً في الحقيقة، ولو أنّ أموال إنتاجها أرسلت كمساعدات للفلسطينيين لكان أفضل للنوايا الطيبة التي وقفت خلف هذه الأعمال. «ثلاث عمليات داخل فلسطين» 1969 لمحمد صالح كيالي. «عملية الساعة السادسة» 1969 لسيف الدين شوكت. «السكين» 1971/1972 لخالد حمادة. «الأبطال يولدون مرتين» 1977 لصلاح دهني. «بوابة الجنّة» 2009 لماهر كدّو وغيرها. انتقادنا لهذه الأعمال يأتي أولاً من كمّ المباشرة الهائل فيها، فيبدو بعضها أقرب إلى المهرجانات الخطابية أو أحد دروس كتاب التربية القومية الاشتراكية المدرسي. حامل درامي هش. حكاية مفككة وتشويق مفقود في تجاهل مستفز لحقيقة أنّ الفن متعة في النهاية. الإنسان الفلسطيني إمّا أن يظهر كبطل مغوار يهزم الصهاينة بسهولة عجيبة مع مجموعة من الظروف والأحداث المتفائلة بشكل غير واقعي (أطلق الزميل الناقد بشار إبراهيم على ذلك سينما التعويض)، أو شخص يعاني الأمرّين في ميلودراما قاتلة وعالم سوداوي مظلم. الجندي الإسرائيلي منمّط لدرجة مضحكة، فإضافة لوحشيته الكرتونية والتهامه للأطفال الفلسطينيين أحياء على الإفطار، نجده أحياناً أبلهاً، غبياً، متثاقلاً، لا يمتّ بصلة للجيش المتطوّر الذي هزم العرب لمرات متتالية. هكذا لا مجال للوسط أو الاعتدال أو أنسنة الشخصيات والأحداث بشكل واقعي مقنع. لا ندري كيف يمكن للسينما السورية أن تقدّم بعد كل هذه السنين والتطوّر السينمائي في العالم فيلماً مثل «بوابة الجنة» 2009، والأدهى أنّه لقّب بالـ «هدية» في افتتاح مهرجان دمشق السينمائي الأخير، فلا يمكننا سوى القول إنّ الهدية، للأسف، لم تكن على قد المقام. ربما نكون محتدّين في نظر البعض، ولهؤلاء نقول: تابعوا أفلام الفلسطيني إيليا سليمان (يد إلهية، الزمن الباقي)، وستدركون مستوى الذكاء والبراعة الذي نتحدث عنه. من ناحية أخرى، تراجع الإنتاج السينمائي السوري لحساب الدراما التلفزيونية، عكَس القاعدة الأولى التي تحدّثنا عنها، فباتت الدراما السورية، ونعني بها التلفزيونية بطبيعة الحال، هي الحاضن الأساسي للقضية الفلسطينية على المستوى العربي عموماً، وإن بقيت المعطيات والمطالبات التي ذكرناها في السينما منطبقةً على التلفزيون أيضاً. في بداية الثمانينيات، قدّمت الدراما السورية مسلسل «عز الدين القسّام» تأليف أحمد دحبور وإخراج هيثم حقي عن سيرة المجاهد السوري الشهير. وفي عام 1995، ظهر مسلسل «نهارات الدفلى» تأليف فواز عيد وإخراج أحمد زاهر سليمان، ركّز على المراحل الأولى من عمر القضية. مع الفورة الإنتاجية للشركات الخاصة، ظهرت مجموعة من المسلسلات التي نجحت في الابتعاد عن الخطاب الحماسي الأجوف، من خلال التركيز على الإنسان الفلسطيني نفسه، بصفته خير معبّر عن أوجاع قضيته التي ورثها، كمفتاح داره الأصلي غي الوطن، عن أبيه وجدّه. نجد ذلك في مسلسل «التغريبة الفلسطينية» 2004 تأليف د. وليد سيف وإخراج حاتم علي، ويمكن اعتباره الملحمة الإنسانية الوجدانية الأكثر تكاملاً عن القضية حتى الآن. وفي «عائد إلى حيفا» 2004 تأليف غسان نزال عن رواية بالاسم نفسه لغسان كنفاني (تمّ تحويلها أيضاً إلى فيلمين ومسرحية) وإخراج باسل الخطيب الذي يمتزج فيه العمق الإنساني والنضالي بالعنفوان والإصرار على المواجهة، إضافةً إلى مسلسل «الاجتياح» 2007 تأليف رياض سيف وإخراج شوقي الماجري، الذي نال جائزة «إيمي» العالمية عن فئة المسلسلات الطويلة، نظراً لنضج النص الذي يتناول الاجتياح الوحشي الشهير لمخيم جنين بعد صموده الذي دوّخ الإسرائيليين، ولمستوى الصورة اللافت الذي قدّمه الماجري كعادته. بالمقابل، نجد مسلسل «سفر الحجارة» الذي كتبه هاني السعدي وأخرجه يوسف رزق العام الماضي، وهو يدخل ضمن أعمال النوايا الطيبة التي ذكرناها، نظراً للمشاكل العديدة التي يعاني منها. في رمضان المقبل، سنرى مسلسل باسل الخطيب الجديد «أنا القدس» من تأليفه بمشاركة أخيه تليد الخطيب، كباكورة لأعمال شركته «جوى» بالتعاون مع شركة مصرية هي أفلام محمد فوزي. وهو العمل الذي نأمل أن يكون بالمستوى المأمول، وأن يتجاوز عقبات التسويق والتوزيع على الفضائيات العربية، التي يبدو أنّ بعضها يفضّل فوازير الأنيماشن الهابطة على الأعمال الوطنية الهامّة. ما نطالب به هو أعمال النخب الأول البعيدة عن البؤس الفني الذي يضرّ القضية أكثر ممّا يخدمها، حتى لو كان الطريق إلى هذا البؤس مفروشاً بالنوايا الحسنة والدراما المباشرة. [email protected]