2014/09/03

دريد لحام في مشهد من "بواب الريح"
دريد لحام في مشهد من "بواب الريح"

 

سمير طحان- تشرين

 

 

مازال الكبير دريد لحام يثبت مرة بعد أخرى أنه أيقونة الدراما السورية التي لا تشيخ؛ وأنه ممثل من الطراز الرفيع، امتلك مفاتيح النجومية في كل مراحل رحلته الفنية، ومازال يستحق المكانة التي حازها لدى الجمهور السوري والعربي عموماً، فهو علامة فارقة في الدراما والسينما والمسرح وعلى امتداد العالم العربي ولا يمكن تصورهم من دونه.

 

قدم دريد لحام هذا العام شخصية «يوسف آغا» التاجر السوري اليهودي «شيخ كار النحاسين» في مسلسل «بواب الريح» فأضاف لها من روحه الملأى بالحب والذكاء وأداها بكثير من المتعة، فكان بطلاً رشيقاً في أدائه هادئاً في حضوره عميقاً في انفعالاته، محققاً إضافة مهمة للعمل ككل، فأثبت قدرة استثنائية على الدخول في خفايا مختلف الشخصيات وتقديمها بكثير من الخصوصية، كما استطاع كسر الصورة النمطية عن التاجر اليهودي الجشع الباحث دوماً عن مصلحته الفردية فقط من دون حساب لأي شيء آخر، فأدى شخصية مملوءة بموروث غني من البيئة الشامية، مجسداً وعيها بكل تفاصيلها ومقوماتها من ذكاء وحضور وثقافة وحب ودهاء، وقدرة على تسخير الظروف لتحقيق الهدف بحنكة وخفة ظل مع توازن نفسي من دون تطرف أو محاكاة للصورة النمطية.

كما شارك النجم المتواضع في مسلسل «ضبوا الشناتي» ضيفاً في حلقتين من العمل مقدماً شخصية ملأى بالتفاصيل وتحمل على كتفيها عمراً من التعب والخبرة الحياتية ورغم صغر حجم الدور، لكنه كان في كل مشهد يقدم اختصاراً لسنوات هذه الشخصية عبر دقائق من الأداء والحوار، ما أعطى للدور عمقه بشكل رائع وأوصل للجمهور قيمة الإضافة التي قدمها لحام للعمل بوجوده اللطيف والقيم.

دريد لحام أدهشنا العام الماضي بأدائه شخصية نجيب (أبو سامي) الأب في مسلسل «سنعود بعد قليل»، تلك الشخصية المفعمة بالحب والرومانسية والعطاء فأبكانا من زمان لم يعد يشبهنا وذكّرنا بالصفاء وكذلك بالحنان الذي طالما كان رفيقاً لثيمة الأب في مجتمعنا ولم نشعر للحظة أنه يؤدي دوراً تمثيلياً، فعيناه كانتا أصدق من كل الكلمات وبسمته ملأت سماءنا تفاؤلاً وبشراً فكان الأب والجد لكل المشاهدين فاستحق حبهم.

في الكوميديا جدد لحام مفاهيم الكوميديا في الدراما السورية في هذا العمر مستفيداً من تراكم كبير من الخبرة الإنسانية والفنية عبر أدائه قبل عامين شخصية «أبو نمر» بوقعقور في مسلسل الخربة فقدم شخصية غنية بالتفاصيل وملأى بالتناقضات وخفة الظل والحضور الطاغي فكان فناناً في رسم البسمة على الشفاه بخبرة العارف والمعلم، فهذا ميدانه الذي اشتهر وعرف به منذ بداياته مع شخصية «غوار الطوشة» التي رافقته سنوات طويلة، لكن موهبته وقدرته الكبيرتين مكنتاه من التخلص من سجن الكراكتر الواحد فقدم شخصية أبو الهنا التي صدم بها الجمهور وأثبت من خلالها قدرات استثنائية عبر أدائه هذه الشخصية المركبة والمتناقضة والصعبة.

اليوم ماذا ينتظر صنّاع الدراما السورية للاستفادة من وجود قامة فنية تمتلك من القدرات الكثير ومن العطاء ما يكفي ليملأ شاشات العالم ومن الحب ما يسد حاجة الناس لدينا؟ ماذا ينتظرون ليصنعوا أعمالاً تتماهى مع شخصية تعشق هذه الأرض حد التلاشي وتملك من الجماهيرية ما يمكن أن يحقق الإجماع الصعب في زمن الشروخ والتشظي والتفرق؟.

في أي مكان من العالم يعمل صنّاع السينما والدراما على تصنيع النجوم بتكاليف مالية هائلة ليستثمروا فيما بعد في جماهيرية هؤلاء النجوم، والغريب أن لدينا نجماً يملك كل المقاييس والشروط لاستثمار وجوده بيننا كدريد لحام، ولكن هناك تغاضياً عن هذا الوجود وإهمالاً لكل هذه القيمة الفنية الكبيرة والاستثنائية التي لن تتكرر، فلمصلحة مَنْ هذا التجاهل، ولاسيما أننا نرى كيف دراما جيراننا المصريين تتفنن في توجيه واستثمار جماهيرية نجومها عبر تفصيل الأعمال الدرامية والسينمائية لها، ورصد الملايين لإنتاج أعمال قائمة محورياً على وجود هؤلاء النجوم وبشكل إفرادي لكل واحد منهم، على الرغم من أنها مواهب شارفت على النفاد والانتهاء والأفول، بينما لايزال دريد لحام نجماً يتألق حيوية وعطاء، ويمتلك الجديد دائماً في الأداء والموهبة والقدرة على حشد الجمهور عند الشاشات ليروا نجمهم المحبوب.

هل نلوم نجمنا على تقصيره في حق نفسه -إن كان انتظار الدور المناسب يعدّ تقصيراً - أم نلوم صنّاع الدراما على هذا التقصير والتجاهل في حق نجم استثنائي كدريد لحام؟ كل ما نريده هو أن تأخذ هذه القيمة الفنية الوطنية ما تستحق من وجود على الساحة لكي نأخذ ما نستحق من متعة وأداء وفن.