2012/07/04

دمشق و"عشاقها"
دمشق و"عشاقها"

شكري الريان

دمشق و"عشاقها" في الدراما السورية   المكان هو أحد أبرز أبطال العمل الدرامي.. وهذا أمر معروف، ومن لم يصدق عليه أن يتوجه صوب جيراننا الأتراك ويرى ماذا فعل الحضور الطاغي للمكان الجديد كلياً في الدراما التركية من تأثيرات مباشرة على السياحة عندهم.. وفيما يخص درامانا فإن كاميرات الأعمال السورية لم تترك شبراً من دمشق وريفها وضواحيها إلا ورصدته وسجلته وعرضته وأعادت عرضه وكررته في كل أعمالها.. وفي الموسم الحالي تطل علينا أيضاً العشوائيات وعبر أكثر من عمل.. وكأنه لا يكفينا المدينة بأكملها التي حولتها كاميراتنا إلى مدينة كالحة على عكس حقيقتها، لتقفز العشوائيات أمام أعيننا مبشرة بفتح جديد في مجال الصورة التلفزيوينة.. لدرجة بات من المشروع التساؤل حول حضور المكان الذي أصبح (مهترئاً) من كثرة استخدامه.. والسبب لا علاقة له البتة "بعشق" دمشق، بل بعشق شيء آخر سنكشف لكم تدريجياً عن وجهه (المهترئ) هو الآخر.. في لقطة من مسلسل "عن الخوف والعزلة" كان هناك سور للبناء حيث موقع معهد تعليم الكومبيوتر.. السور كان ملونا بالأحمر وبطريقة انعكست على الكادر وأعطته حساً مختلفاً فعلاً عما اعتدناه من تكرار في كل شيء بالنسبة للمكان وبالذات اللقطات الخارجية حيث كل شيء كالح اللون كالعادة.. وطبعا لا يمكن في أي حال من الأحوال تصور أن "الإنتاج" في المسلسل قام بطلاء السور بلون مختلف.. ولكن السؤال هو مادامت الميزانيات الموضوعة للأعمال الدرامية كبيرة نسبياً، ألا يمكن محاولة التغيير قليلاً ولو عبر (لمسة) بسيطة تعطي لوناً مختلفاً للمكان. هذا من جهة.. أما من جهة أخرى فالتركيز على دمشق وحدها كمكان وحيد أوحد لتصوير الدراما ونسيان أن سوريا فيها أكثر من مدينة ومن بيئة مختلفة، جعل عيوننا تملّ المشاهدة أو تشعر بأننا أمام نفس المسلسل، وإن أضفنا تكرار نفس الوجوه في كل الأعمال تقريباً.. فنحن أمام نفس المسلسل بدون نقاش. وفي الآونة الأخيرة صارت حتى النصوص مكررة!!.. ولكن هذا حديث آخر.. مسلسل "ضيعة ضايعة" على سبيل المثال كان المكان فيه بطلاً حقيقياً، استثمره المخرج الشاب الليث حجو ببراعة مميزة، فكانت له نتائج كبيرة من ناحية السياحة الداخلية للمكان.. وكذلك الانتقال إلى بيئات مختلفة ضمن سوريا كان أمراً وارداً وفي أكثر من عمل حققت البيئات متابعة كانت في وقتها استثنائية.. تكفي الإشارة إلى أعمال هيثم حقي ونجدة أنزور في هذا المجال.. السبب في طرح هذا الموضوع هو أن هناك شيء جديد في العالم اسمه "الثقافة البصرية" وهي آفة للحقيقة امتلكها جمهورنا رغماً عن أنفه وأنف صناع الدراما عندنا، فالبث الفضائي لم يترك زاوية في العالم لم يصورها ويبثها وينقل معها حساً جديداً ومختلفاً أغنى عيون الجميع بما فيها عيون العرب التي صارت ترى حتى الصحراء بعيون جديدة (ولابد من الإشارة إلى عيون المبدع حاتم علي في صراع على الرمال).. وبالتالي ما عاد من الممكن "الاحتيال" على عيوننا بتوليفة (على قد الحال).. فإما تصوير في بيوت دمشقية قديمة.. وإما في بيوت "حديثة" مهترئة أو "كلاس"، وذلك حسب وضعية السكان اللذين تُسلط عليهم الكاميرا، ناسية (الكاميرا ومن يقف خلفها) أن المكان في الخلفية يطغى بدوره ويأخذ حصة من الصورة ودون أن يستأذن أحد. ليس المطلوب القيام بإعادة تجميل المدينة بأكملها.. فهذه ليست مهمة أهل الدراما.. وكذلك ليس المطلوب تجميل "الحقيقة" الصادمة التي تعيش فيها شخصيات درامانا الكئيبة، على اعتبار أن الكآبة هي المدخل الوحيد الأوحد لمعبود معظم صناع درامانا "الواقعية".. ولكن لا بأس من العمل على (اللوكيشن) بطريقة تخدم العمل وتغني الكادر.. توحي بحس مختلف يخدم الفكرة.. كطموح شخصية ما في تغيير واقعها الذي تعيشه عبر زاوية ملفتة ما في منزل ما حتى ولو كان في عشوائية ما.. أو كتزمّت من شكل ما تعيشه شخصية أخرى ينعكس على ترتيب البيت كائناً ما كانت سويته، بشكل صارم.. أو إهمال وفوضى عند الشخصية تنعكس بدورها على المكان.. ففي نهاية المطاف نحن نقدم فناً مهمته أن يشير إلى كل ألوان الشخصيات والحيوات التي يحاول رصدها.. ولكن كل هذه الحسابات لا علاقة لها بأهل الإنتاج عندنا اللذين بدورهم ومن باب التوفير وليس الواقعية، يلجؤون إلى استئجار شقق مفروشة للتصوير فيها.. ويدخلونها مع كل أفراد الطاقم وأولهم المخرج ولاحقاً الممثلين، بصفتهم ضيوفاً وينقلون لنا نفس الإحساس تماماً: ضيوف عابرون في مكان مهترئ.. نعود إلى حبيبتنا دمشق وهي في الألفية السابعة من عمرها، ومع ذلك لم ينصفها عشاقها الجدد القادمون بالصدفة ومن غير عشق أو ولاء لا لشيء إلا للتوفير.. أهي دمشق التي لم تتجمل كما يجب لرهط عشاق لن يلبث أن يضمحل فيما لو تُرك الأمر للنوع الجديد من العشاق .. أم أنها عيون قاصرة عن رؤية الجمال لأنه لم يكن غايتها أصلاً؟!!.. سؤال نتركه معلقاً ونحيل القراء إلى عشرات "العيون" التي رصدت نفس المدينة عبر عدسات أجنبية ولغاية وثائقية للمحطات الدولية، دخلت وصوَّرت حتى في العشوائيات، ولكنها رصدت بدورها حياة لا يمكن بدورها إلا أن تمتلك حساً بالجمال يشي بنفسه مشكلاً جاذباً لرؤية مدينتنا نفسها، ولكن عبر عيون جديدة وبشكل جديد..