2012/07/04

رسوم متحركة في زمن الحرب
رسوم متحركة في زمن الحرب


فجر يعقوب – دار الحياة

تبدو الحكاية في مستهل الفيلم الروائي (الكردي، العراقي، البلجيكي) القصير «أرض الأبطال» (2011)، وكأنها تخص بالدرجة الأولى، الفتى الكردي ديلير وشقيقته، حين يفاجئنا المخرج ساهم عمر خليفة، بكاميرا قلقة ومتوترة، تفرض نوعاً من الايقاع الذي تتقاسمه مع الأفلام التي تنحدر من النوع الذي يحقق حين تكون هناك حرب كبيرة، وما على الحرب في الواقع سوى أن تقول كلمة فاصلة في هذا الصدد.

هكذا يهيئنا هذا المخرج الموهوب منذ اللقطات الأولى لفيلمه، حين نكتشف، من وجهة نظر الكاميرا، أن من يستهدف الجنود العراقيين وراء المتاريس ليس سوى ديلير (الرجل العنكبوت)، والذي يحيلنا منذ أن نكتشف اللعبة إلى أن شغف الأطفال يكمن في الحقيقة وراء اللعبة ذاتها، وليس أمامها اطلاقاً، ما يضفي نوعاً من حرفة في التقطيع واضحة تؤكد أن الايقاع هنا هو الأساس. فنحن نكتشف أننا نقف في مواجهة الحرب العراقية - الايرانية المنسية، ولكن من وجهة نظر طفلين فقط. يعود المخرج إلى هذه النقطة بالذات ليكشف كم أن هذه الحرب أصبحت منسية، في سياق احتكار تلفزيوني «غبي» ساهم به الاعلام العراقي نفسه.

فنحن سنجد ديلير وهو يعود بملابس الرجل العنبكوت مع شقيقته، ليصرخ في طريق العودة، على الشريك الآخر في الحرب قائلاً في مواجهته، إنه البطل الحقيقي هنا في هذه البقعة الجغرافية، انطلاقاً من اللعبة نفسها، وكأن الحرب هــنا، قدّر لها أن تكون لعبة الجيران أنفسهم، ولا تتعدى كونها حرباً بالوكالة، أو حرباً يفترض أن تشتعل وتطول لتصبح من نكهات الحروب التي تضيع في زحمة الصراعات الاقليمية والدولية، ولا تعود تملك من الملامح، إلا ما يبثــه التلـــفزيون الــعراقي نفسه من «صور جميلة» عن الحرب، توصف بالانتصارات، وهي صور لجثث متفحمة وراجمات صواريخ وصور لـ «بابا صدام» في وضعيات مختلفة، وهو يحتل الشاشات المتوافــرة فــي تلك الفترة، حين لم يكن وجود للبث الفضائي والصحون اللاقطة.

ديلير يبحث دائماً عن أفلام الرسوم المتحركة. ينتظرها بشغف. يبحث فلا يجدها، ويجد نفسه متورطاً في بحثه، حين يلجأ إلى ملابس الرجل العنكبوت وبندقية الكلاشنيكوف. وستحدث الانعطافة، حين يجيء الفتى مالو، ابن الخالة زينب، مع أمه لزيارتهم في البيت. ومالو الذي يمتلك نفسية عدوانية واضحة لا يجد متنفساً لها إلا في التهجم على ديلير ومحاولته إطعامه حبة دراق بالقوة، ما يستدعي تدخل الأم لفضّ النزاع بينهما. كما في شكوته إلى أمه زينب التي لا تعير بالاً معتبرة أن ما يدور لا يتعدى لعب الأطفال.

طبعاً لا يمكننا أن نفوت هذا المشهد الرائع بينهما، حين يقضيان معظم الوقت في فك الأسلحة الآلية وتنظيفها، وإطلاق النار والقذائف الصاروخية في مختلف الاتجاهات في الوقت الذي ينجح فيه ديلير وشقيقته بسجن مالو في صندوق خشب ومنعه من الشرب والأكل. وحتى حين يعودان إلى بيتهما وتسأل عنه أمه، يبلغانها بأنه يواصل لعبه خارج المخيم، ما يطمئن زينب وتواصل تنظيف قطعة السلاح بهدوء.

يبحث ديلير كعادته عن أفلام الرسوم المتحركة، فلا يجدها، لأن التلفزيون لا يبث في هذه اللحظات الثقيلة إلا صوراً من الحرب، ما يدفع به إلى العودة إلى الصندوق الخشب، ويقوم مع شقيقته بإطلاق سراح مالو الذي يتمكن من دفعهما إلى الصندوق وإغلاقه عليهما. وهذا يعني أنهما قد أصبحا مكانه منذ هذه اللحظة، أي تحت رحمته. وحين نعود إلى البيت من دونهما، نجد أن الأم تضع كرسيين قبالة التلفزيون، وصينية العشاء مع اطلالة فتاتين صغيريتن تظهران على الشاشة في برنامج للأطفال، لتعلنا عن موعد بث أفلام الرسوم المتحركة، ولكن من وجهة نظر طفلين غائبين عن المشهد نفسه. هنا لا تتحرك الكاميرا بقلق. ليس ثمة مبرر هنا للقلق، ففي عالم الرسوم الافتراضي، المجازي، يختفي التوتر، ويختفي الحدث، ولا يعود ممكناً التحديق إلا من زاوية غيابهما، حتى حين يقوم المذيع المتجهم بتبديده وهو يقطع البث ليعلن عن المزيد من الانتصارات.