2012/07/04

رغم الإغراءات البصرية .. الإذاعة تزداد توهجاً وقرباً من الناس
رغم الإغراءات البصرية .. الإذاعة تزداد توهجاً وقرباً من الناس


مِلده شويكاني - البعث


حققت الإذاعة ثورة إعلامية كبيرة منذ تأسيسها حتى الآن، فكانت شاهداً على الصراع العربي الإسرائيلي وعلى تقلبات الأحداث السياسية التي حدثت في مختلف الدول العربية، واتسمت خلال مسيرتها الطويلة بالمصداقية والاهتمام باللغة العربية الفصحى والبرامج الثقافية الهادفة وفن الدراما الإذاعية، أدت دوراً هاماً في نشر الطرب الأصيل من خلال «ليالي أم كلثوم وسهرات محمد عبد الوهاب»، كما قدمت نجوم الغناء العربي والسوري إلى جمهورها الواسع، وكان لها دور واضح في تطور الأغنية السورية أثناء مرحلة الوحدة بين سورية ومصر، فاستفادت من تبادل الدورات التدريبية، ورُفدت بدم جديد من المخرجين والمذيعين الذين حققوا نجاحاً على صعيد الدراما الإذاعية والتقديم الإخباري، ورغم مرور خمسة وستين عاماً على تأسيسها ووجود الكم الهائل من الفضائيات وما تقدمه من إغراءات بصرية وانتشار الانترنت، إلا أنها مازالت تحافظ على العلاقة الودية بينها وبين المستمعين، ومازال أثيرها الدافئ يشد الناس و يفتح لهم مجالاً واسعاً للبوح عن مكنوناتهم والتعبير عن أوجاعهم، فغدت أكثر قرباً منهم/ لتتحول من إذاعة إخبارية إلى بثّ مباشر لاستقبال مشكلاتهم اليومية والأزمات الحياتية التي يتعرضون لها .

والسؤال الذي نطرحه عبر استطلاعنا هذا لماذا بقيت الإذاعة الملاذ الذي نلجأ إليه في ساعات وحدتنا؟ ولماذا بقيت آسرةً رغم وجود الميديا والتنوع الإعلامي المرئي .

لا يمكن إلغاؤها إعلامياً

يرى الفنان والكاتب الياس الحاج أن وسائل الإعلام مهما اختلفت وتطورت أدواتها يبقى للإذاعة وهج خاص، وهي متابعة من قبل جمهورها الواسع لأنها أشبه بحاجة يومية، والآن مع تطور أدوات الإعلام وانتشار الانترنت ووجود الكم الهائل من الفضائيات أعتقد بأن الإذاعة بحاجة إلى أن تواكب هذا التطور بمرافقة صورة الشاشة الفضية، وتدوين الأخبار والمعلومات على الشريط الإخباري لكل أقسام إذاعة دمشق، وخاصةً إذاعة صوت الشعب لأنها خدمية، وعلى صعيد آخر تعد الإذاعة جزءاً حقيقياً ومهماً من مجتمعنا السوري فهي موجودة في كل بيت، وحتى الآن توجد عائلات كثيرة تعتمد على الإذاعة وتكون بأهمية التلفزيون بالنسبة لها، ومن المعروف أن العمل الإذاعي صعب جداً ويتطلب أداءً ونقلات موسيقية مدروسة ومؤثرات صوتية، أما في مجال الأعمال الدرامية الإذاعية فبرأيي أن الإذاعة كانت رائدة في هذا الفن، وكانت منبراً حقيقياً للدراما، فكل الأعمال الناجحة منشؤها إذاعي، وأغلب أعمالي التي أكتبها للتلفزيون كتبتها أولاً للإذاعة، وعندما أحوّلها إلى التلفزيون أشعر بأنني أقدمها بقراءة أوضح، ومن يستمع إليها كصورة مسموعة يستطيع أن يراها كصورة مرئية بشكل أفضل، فضلاً عن هذا فإن العمل التلفزيوني ترافقه الكثير من المؤثرات التي تطوره وتساند أداءه، وتكون عنصراً مساعداً لنجاحه، بينما العمل الإذاعي يعتمد على الإحساس والمؤثرات الصوتية والموسيقية فقط، باختصار الإذاعة وسيلة توعوية نهضوية إنسانية تحتاج إلى كاتب يلتقط الصورة ويحوّلها إلى يوم معاش يصل إلى قلوب المستمعين، وأؤكد بأنه لا توجد وسيلة إعلامية تستطيع أن تلغيها، فهي راسخة بذاكرة ووجدان الناس جميعاً.

تواكب التطور الفني و التقني

ويقول المخرج فراس عباس: إن الإذاعة مازالت تحافظ على دورها الريادي وتزداد متابعة الناس لها من قبل جميع الشرائح لغناها بالبرامج الثقافية بأنواعها إضافة إلى وجود البرامج الفنية والتربوية والفكرية، وعلى صعيد آخر تعنى أيضاً بالدراما الإذاعية وتقدم تمثيليات قصيرة كحلقات منفصلة إلى جانب المسلسلات والأعمال التي تعرض بسهرة واحدة، ويحضرني هنا النجاح الكبير الذي حققه برنامج حكم العدالة حينما أعيد إنتاجه للتلفزيون باسم (وجه العدالة ) فإنه لم يحقق الألق الذي حققه إذاعياً، وهذا يعود إلى سحر الإذاعة و قدرتها على تحفيز خيال المستمع، ومن ناحية ثانية الدور الهام الذي تقوم به الإذاعة هو الاهتمام بالجانب الخدماتي لعرض مشاكل الناس وأوجاعهم بغية تسليط الضوء على القضايا الحياتية الهامة، وقد استطاعت الإذاعة أن تواكب التطور التقني و الفني فبثت على الديجتال ووصلت إلى مستمعيها في استراليا و الأمريكيتين .

تواصل مع المجتمع

تقول الممثلة والكاتبة عتاب نعيم : إن الإذاعة استمرت رغم كل الإغراءات البصرية التي نراها وحافظت على وجودها لأنها عكس التلفزيون الذي يتعامل مع المتلقي بلغة الجسد و بمختلف المؤثرات (ديكور –موسيقا –إضاءة –ماكياج )بينما في الإذاعة يعتمد الممثل على الصوت والاحساس، وهذا ما يثير الطاقات الانفعالية الكامنة داخل المتلقي، وهو يتابع التمثيليات الإذاعية التي ترافق الإنسان في أي زمان ومكان أعرف كثيراًمن الأشخاص الذين لا يحبون التعمق بتفاصيل العمل الدرامي التلفزيوني، والتي تبعدهم عن متعة التخيّل، ومن جهة ثانية حققت الإذاعة النجاح لأنها اعتمدت على مجموعة من الكتّاب الشباب الذين تشاركوا بورش عمل وقدموا كتابات تلامس أوجاع الناس وتقترب من خطوط الواقع من خلال مسلسلات تقدم بثلاثين يوماً وتثيرلديهم حالة من التواصل مع خلفيات الواقع المعاش .

نقدم مشكلة دون حلول

ويضيف المذيع محمد السعيد: إن الإذاعة ماتزال تحافظ على وجودها وكينونتها، وهي وسيلة إعلامية هامة، يعتمد عليها الناس لسهولة تداولها والاستماع إليها في أي زمان ومكان، وهي تخاطب الشريحة الأكبر في المجتمع لذلك يترقبها الناس أملاً بحل مشكلاتهم اليومية وقضاياهم المعلقة، فيلجؤون إلى البرامج الخدمية لطرح قضاياهم، وأنوه بأن مهمة الإذاعة إلقاء الضوء على المشكلة  وإيصال صوت الناس إلى المسؤولين، إلا أننا لا نستطيع إيجاد الحلول السريعة مباشرةً و عبر الأثير ،هذا الاعتقاد الخاطئ يعرضنا للكثير من الإشكاليات، ومن جهة ثانية هناك من يحب التواصل مع الإذاعة كي يشعر بالسعادة وإبداء الرأي للطرف الآخر والمناقشة بمختلف الموضوعات فيصر على الاتصال معنا في كل حلقة، و نحن نرحب باستقبال أصوات جديدة، طبعاً هذا بدافع الحب والثقة بالإذاعة، وكله يصب ببوتقة أهمية الإذاعة بالنسبة للناس، وكونها الوسيلة الأقرب لهم والأنجح في إيصال آرائهم وقضاياهم .

مساحة للبوح الذاتي

وتحدثت المذيعة شذى دوغان عن نجاح الإذاعات الخاصة بالتواصل مع الناس رغم وجود الفضائيات والانترنت لأنها ترافق الناس في حركتهم اليومية وأضافت :استطاعت الإذاعة أن تكسر حدة الجمود، وتمنح الناس مساحة كبيرة من البوح عن آلامهم وأوضاعهم، وطرح أسئلتهم وعرض مشكلاتهم العاطفية والحياتية بأجواء تسودها الأريحية، بمعنى آخر تمكنت من التواصل مع الناس بحرية أكبرمن الإذاعة الرسمية، ومن ناحية أخرى إنها وسيلة ترفيهية وثقافية، فيها الكثير من المنوعات و المعلومات الطبية و النفسية و الجمالية .

تحقق دورها بواقعية

بينما يرى المخرج حسن حناوي أنه لا يمكن لأية وسيلة إعلامية أن تلغي الأخرى فلكل وسيلة خصوصيتها و مساحتها في ذات المتلقي و نلاحظ بأن الإذاعة بقيت مستمرة و قوية ،و لها حضورها الآسر في ظل الكم الهائل من الفضائيات ووسائل الاتصال الأخرى ،و أعزو هذا إلى اعتمادها على حاسة السمع دون أن تسيطر على بقية الحواس ،مثلاً سيدة المنزل تسمع و هي تعمل و كذلك الفلاح في أبعد حقل، وقد استطاعت أن تواكب التطور و الحضارة فتم بثها على الديجتال و أصبح بإمكان الناس التواصل مع الوطن الأم من أي بلد في العالم ،كما حُمّلت على محطة فضائية لترافقها صورة و تدون الأخبار على الشريط الإخباري .و تتسم الإذاعة بتماسها المباشر مع خطوط المجتمع إذ تحولت من محطة إخبارية إلى محطة بث مباشر تتعلق بتفاصيل حياة الناس اليومية،أما من حيث الدراما الإذاعية فكوني رئيس دائرة التمثيليات أؤكد بأن الدراما الإذاعية متفوقة على صعيد الكوميديا و التراجيديا ابتداءً من زمن حكمت محسن –تيسير السعدي كما في سلسلة" صابر و صبرية "التي قدمت الدراما الواقعية بروح الكوميديا، ونجاحها يعود لقدرتها على تحريض خيال المتلقي لرسم صورة للمشهد و الحوار بشكل يشبه تماماً حالتنا النفسية حينما نقرأ رواية و نتخيل أبطالها ،وتشبه كل ما يدور أيضاً على خشبة المسرح ضمن المؤثرات الصوتية ،ترتبط بالموسيقا كعامل جذب لبنية العمل ككل، وما يميز الدراما الإذاعية ملامستها للواقع الحياتي، كذلك واكبت الدراما الإذاعية الأزمة بكل أبعادها وتفاصيلها، وأكدت على الوحدة الوطنية وضرورة الحوار مع الآخر والتواصل الاجتماعي، كي نحافظ على وطننا، فكانت مرآة حقيقية لما يدور في الشارع، وحققت دورها بواقعية، فكلما كانت الوسيلة الإعلامية واقعية ساعدت على عملية التنمية والبناء والتوعية .

صورة للالتزام الوطني و الأخلاقي

ويختزن الفنان طلحت حمدي الكثير من الذكريات عن تاريخ الإذاعة، إذ أمضى في ممراتها واستديوهاتها قرابة خمسين عاماً، وهو سعيد لأنه ساهم بتأسيسها ويفتخر بأنها مازالت حاضرةً حتى اليوم، فيقول:قبل أن أتحدث عن استمرارية الإذاعة ونجاحها لابد أن أعود بذاكرتي إلى الوراء لأستعرض صوراً متتالية لسنوات خلت، حينما كان فن الإذاعة محصوراً بها فقط بوجود الأساتذة (أبو رشدي –حكمت محسن –أنور البابا –رفيق سبيعي )، كنّا نرى التجمعات أمام المحال ليستمعوا إلى إحدى الحلقات وحينما دخل التلفزيون إلى حياتنا لم يؤثر عليها لأن ساعات بثه كانت محدودة ،فيعود الناس للسهر مع الطرب الأصيل ليالي أم كلثوم و محمد عبد الوهاب . أثناء الوحدة بين سورية و مصر اتبع المخرجون والمذيعون دورات تدريبية، فرفدت الإذاعة بدم جديد فأدخلوا فن الرواية الأدبية إلى الدراما، وجسدوا كتابات حنا مينه و صلاح دهني... ولم تعد مجرد حكايات شامية،آنذاك كنت مخرجاً في الإذاعة و أسست للسهرة الدرامية و هي تمثيلية مدتها ساعة و أكثر، الحلقات كانت كوميدية لمحمود جبر إضافة إلى التمثيلية الصباحية/5/ دقائق التي تحاكي هموم الطبقات الشعبية، الآن رغم استمرارية الإذاعة أرى أن حيز الدراما قد تضاءل و ضعف الاهتمام بالأغنية السورية.

أما الإذاعات الخاصة فنجحت في التواصل مع الناس لطرح موضوعات اجتماعية تناقش بحرية، لكنني أرى أنها ذات طابع استهلاكي وبقيت إذاعة دمشق صورةً للالتزام الوطني و الأخلاقي .

في نهاية المطاف نقول:إن الإذاعة وسيلة إعلامية متعددة الوجوه لها تاريخها وحاضرها و هي الأقرب إلى ذاتنا .