2012/07/04

«زايد والحلم» لكركلا على مسرح «فوروم بيروت»
«زايد والحلم» لكركلا على مسرح «فوروم بيروت»

اروى عيتاني - السفير مع كركلا تكون دائماً في ترقّب لما سيفاجئك به مع كلّ عرض. لكن عرض «زايد والحلم» ليس بالعرض الجديد. فهو اليوم، حطّ في بيروت، بعد أن قدّم، منذ عام تقريباً، في أبو ظبي، عن مؤسّس الامارات المتحدة الشيخ زايد بن سلطان. كركلا في هذا العرض لم يبعد كثيراً عن أجواء الخيل والفرسان والبادية، واختار شخصيّة تمثل كما قال تجربة فريدة من نوعها حققّها الشيخ من لاشيء. من هذه التجربة المحليّة على صعيد عالمنا العربي، سيطير بها كركلا الى العالميّة لتكون تجربة مؤرّخة ملحميّاً وغنائيّاً ورقصاً. هيئة أبو ظبي للثقافة والتراث ساندت ودعمت كركلا، ابن بعلبك، ليخرج سيرة حاكم عربي. لكن الاهم في هذا العرض، ليس في تقديم حياة هذا الشيخ بقدر التّحدي الذي يواجه كركلا في هذا العمل. هل سنغرق في السيرة ام انّها ستبقى مجرّد سيرة؟ «زايد والحلم» عمل عن الشيخ زايد بعيون لبنانيّة على مسرح الفوروم، تمثيل ياسر المصري في دور الشيخ زايد، غابريال يمين في دور الراوي، مع ضيوف الشرف الفنان عاصي الحلاني، والفنانة وعد، والفنان حمد العامري، سيناريو وتصميم ملابس عبد الحليم كركلا، سينوغرافيا جوليانو سبينيللي، كوريغرافيا اليسار كركلا، مايسترو وتأليف موسيقي محمد رضا عليغولي، واخراج ايفان كركلا. عمل بصري بامتياز لا شك في أنّ «زايد والحلم» يلفتك بصريّاً في المقام الاول. على غرار «فرسان القمر» كانت الشاشة الخلفيّة من العوامل التي حرّكت الخشبة بطريقة سينمائيّة لافتة، وأعطت البعد التاريخي لمسيرة الشيخ. بدأ العرض بطريقة فيلم تاريخي، فجأة قفز الفرسان من خلف الشاشة على خيولهم، لتنطلق بداية مبهرة شدّت الجمهور منذ اللحظة الاولى وهذا مشهود لكركلا الذي يعرف توقيت المفاجآت بين لحظة وأخرى. العرض تناول مراحل مسيرة الشيخ زايد، ولادته، حكمته، كيف انهى الحروب بين العشائر ووحّدها، مع ادخال رموز تراث الامارات، من فنون ركوب الخيل وتربية الصقور وتلاوة الشعر، صيد اللؤلؤ، وأخيراً حركة العمران التي وصلت اليها الامارات، مع التشديد على أهميّة دور المرأة. لا شك في ان تجربة مماثلة من الصعب حصرها، لكن كركلا مرّ عليها قدر المستطاع محاولاً إيجاد توليفة تشبه بحد ذاتها التوليفة الخليجيّة الطابع بروح كركلا الحالمة. هذا التزاوج لم يكن سهلاً، خصوصاً للممثل ياسر المصري الذي كان يجب أن يجسّد التفاصيل الصغيرة لهذه الشخصيّة قبل الكبيرة، من المشية، إلى إمساك العصا، ونبرة الصوت. لكن بالنسبة لنا كمشاهدين لبنانيين لم نعلم في الحقيقة اذا ما تمّ التجسيد بشكل دقيق، وهنا وقع العرض في هذه الاشكاليّة بين التمثيل وشخصيّة بالحقيقة كانت غريبة عنّا، لذلك فانّ انتباهنا كان مركّزاً على المشهديّة أكثر من الوقوف عند هذه التفاصيل. العرض حمل الكثير من مواطن الجمال. أزياء لافتة مازجت بين الخليجي والبدوي اللبناني، في اشارة الى تشابهنا كشعبين يحملان القيم ذاتها. الموسيقى في بعض الاماكن كنّا سمعناها في «فرسان القمر» مع اضافات جديدة، لكنّها في نوعيّتها رافقت وتماشت أكثر مع ما كنّا نراه على الشاشة، وكانت في بعض الجوانب سينمائيّة مشهديّة لتعود وتتحول الى محاكاة الاجساد التي كانت جزءاً من المشهدية الضخمة لمسيرة الشيخ. ونكرر كلمة مشهدية، لأن هذا التجسيد كان لا بدّ له من الاستعانة بضخامة الابهار النظري والتقني، الذي ساند الرقص. ككتاب هو الشاشة، فيه صور تقفز لتتجسّد وتعود تدخل مفسحة المجال لصورة اخرى، وهكذا دواليك، في استذكار سريع لكلّ المراحل. من الملاحظ انّ الدور الرجولي كان حاضراً أكثر من الحضور النسائي. الراقصون الرجال كانوا هم من يشبهون هذا العالم الصحراوي الجاف الآتي منه الشيخ زايد، بالرغم من الاضاءة على الجانب النسائي ودور المرأة في الامارات. الراقصون أثبتوا حضورهم وبدوا جذابين على الخشبة. حتى في الدبكة، في المشهد الختامي، كان دور النساء اضعف اذا ما قارنّاه أيضاً بدور الراقصات في بقية الفرق الاجنبيّة التي شاركت في الاستعراض الاخير. لوحات رسمت المشاهد بعناية كلوحات جميلة، منفذة بطريقة تعطي الانطباع المطلوب على صعيد التأثير على عين المشاهد، بحيث تأملنا في صفاء الصحراء، هذه البيئة المساعدة على الحلم التي تحولت الى مدينة متروبوليتان على أيدي الشيخ زايد. الكلام عن الماضي، يجبر العمل أحياناً على احاطات معينة، هي من تحدد اوجه العرض لا المخرج احياناً، لذا كان الايقاع يعلو ويهبط بحسب المشاهد، فكان الانتقال يتم سريعاً في بعض الاحيان من جو لآخر، من موسيقى لاخرى، بشكل يدخلك الى عوالم سريعة من فصول حياة أكبر بكثير من عمل واحد، الامر الذي خلق لنا احياناً قليلاً من التيهان. تناول كركلا الشيخ الراحل بدءأً من رسمه على التراب، وهذه كانت الحبكة التي وظّفها المخرج بشكل درامي كانت هي الدافع الذي بنى على اساسه عرضه وقدّمه بهذه الرؤية. لكن النص كان بحاجة الى لغة مختلفة عمّا سمعناها. لغة تشبه التنوع في الحكاية، وليس نصاً أدبياً بحتاً. نعلم أنّ البلاغة مهمة في الخليج، والشعر أيضاً، لكن النص المسرحي تعلّق بكلمات نمطيّة « مطروقة» من كثرة الترداد، فكنا بحاجة الى نص فيه مساحة أكبر لحلم الكلمات. وهذا ايضا ً ينطبق على نصّ الراوي، الذي أعطى ثقلاً على عمل كل ما فيه يطير عن الأرض. أكيد ان الاخراج لعب دوراً مهماً في التنسيق التقني المبهر بين تقديم الماضي وبين ما كان متواجداً على الشاشة وفي الوقت نفسه على المسرح، وهو جهد بدا واضحاً لكثرة ما حسب بالدقيقة، مع حركة الدخول والخروج، مع ايجاد نقطة تركيز للمشاهدين في كلّ مرّة. اذا اردنا التكلم عن المؤدين فنقول انهم في باقة واحدة، لا نستطيع الكلام عن قدرات تمثيليّة هائلة لأنّ كركلا بمجرد ان يخلق مساحة للفرد ومكاناً على الخشبة يكون قد وضعه داخل اطار لا مجال لتخطيه بما هو أكثر. غابريال يمين كان الصورة النمطية للراوي او العرّاف الذي تابع زايد منذ الصغر حتّى رحيله. وعد لم تضف أي جديد أو حتّى حضور على هذا العرض، بدت ضيفة شاركت لأنّها تنتمي فقط لجنسيّة عربيّة لعمل يبغى التنوع، ما عدا بالطبع عاصي الحلاني الذي « شال الدنيا وقعدها» منذ لحظة وصوله على الخشبة وألهب الجميع حالما طلّ في الدبكة على حصانه. وهذا الشعور بدا عفويّاً من الجمهور اللبناني الذي لم يتفاعل الا مع ابن البلد. لعل المشهد الاخير حيث تداخلت الفرق العالمية، الصينية، الأوكرانية، الاسبانيّة، الخليجية وطبعا اللبنانيّة، كان خير تجسيد للاحتفاليّة وتشديد على دور الامارات في احتضان الجنسيّات العالميّة. وفعلاً كان مشهداً من أنجح المشاهد، نظراً لشطارة هؤلاء الراقصين وتقنيّتهم المبهرة، وكيف تشارك الكلّ لبناء مشهد راقص واحد. لكن بالرغم من تصفيقنا للغربي والافرنجي، حالما أطلّ عمر كركلا نسينا للحظات العرض كله ودخلنا بما هو اقرب الينا، حيث تخلى الجميع عن بروتوكوله، ورأينا المشهد الاروع، حينما تفاعل «البادي غاردات» المساكين الذين طال وقوفهم طوال مدّة العرض، الآتون لحماية ممثلي الشعب من الشعب نفسه، وعلى « شوفة» عمر وعاصي تذكّروا أنّ وقفتهم لها قيمة، فتخلّوا عن وجوههم المرعبة، وصفّقوا وشعروا اخيراً بأنّ ما اتوا اليه موجود وأنّ الخلطة الكركلية موجودة وتراقصوا متناسين أدوارهم الجادّة في حماية وتنكيد عيشتنا أثناء مرور المواكب. بالفعل كان مشهداً لا ينسى. لدى اطلالة عاصي الحلاني والدبكة على انغام مارسيل خليفة في الاغنية التي باتت النشيد لكل « قفلة» في عرض كركلا، بدأ العرض الحقيقي وخرجنا مسرورين. صحيح ان المشهد الختامي بدا معمولاً للاحتفال فقط كأنّه « قطشة» ألصقت لتبرير دور الدبكة، لكن ما همّنا، حتى ولو لم يتناسب مع العرض، انّما هو طقس مقدس في مسرح كركلا، الكل ينتظره، ولو اتى تحت أي هوية أخرى.