2013/05/29

ساعات الجمر.. وتضخيم جرعة العنف
ساعات الجمر.. وتضخيم جرعة العنف


تشرين – فنون


يتفتح عنوان «الولادة من الخاصرة» على دلالات متعددة، ويحمل بين ثناياه تكثيفاً دلالياً يدل في إحدى دلالاته على حالة القسوة والعنف في الولادة من الخاصرة والتي تعد علمياً من أصعب حالات الولادة،

من هذا العنوان ينطلق الكاتب سامر فهد رضوان والمخرجة رشا هشام شربتجي ليقدما الجزء الثاني من الولادة من الخاصرة، وليحمل بين ثناياه الكثير من العنف الذي بقي مثار جدل بين المشاهدين بين عمل يعكس الواقع السوري كونه يلقي الضوء على الأزقة المهمشة والناس المنسيين ويصور صراع المال والسلطة، وبين من عدّه مسلسلاً يشوه الواقع السوري من خلال تحميله كل تلك الجرعة من العنف والقتل والقسوة.

مثلما حمل عنوان الولادة من الخاصرة دلالة العنف والقسوة والعذاب، حمل عنوان «ساعات الجمر» الدلالة نفسها، لا بل فتح هذا العنوان الباب على مزيد من العنف والقسوة، وفعلاً هذا ما رأيناه في «الولادة من الخاصرة ــ ساعات الجمر»، حيث ظهر جلياً كم المشاهد العنفية في العمل والتي جعلت العنف هو الحامل الأساس لصراعات شخوص العمل، وتجلت في الكثير من مشاهد المسلسل منها مشهد قطع قدم «أبو مقداد، فادي صبيح» من قبل «أبو نبال، باسم ياخور» وذلك بعد أن حاول الأول ابتزاز «رندة» صاحبة «أبو نبال» وذلك ما دفع «أبو نبال» لقطع قدم أبو مقداد عقاباً على هذا الفعل... إن مشهد نشر القدم بمنشرة الخشب كان أول المشاهد العنفية في «الولادة من الخاصرة ــ ساعات الجمر» التي تفتقت عنها مشاهد عنفية أخرى، ولعل هذا المشهد هو ما أثار حفيظة أصحاب الرأي الثاني، لكن لو حاولنا مقاربة هذا المشهد مقاربة واقعية، واختبار فيما لو كان هذا المشهد يمثل الواقع السوري، لوجب علينا النظر مطولا في واقعنا اليوم، والالتفات إلى تلك الحالة العنفية الخطيرة التي وصلنا إليها، وذلك التطرف والسطوة اللذين تفشيا في مجتمعنا على حين غرة، لدرجة أننا رأينا على شاشات التلفزيون تقطيع أناس وبقر عيون....

فيما بعد تتطور جرعة العنف في المفترض الحكائي لـ«الولادة من الخاصرة ـ ساعات الجمر» وتبدأ دائرة العنف تتوسع لتشمل عدداً أكبر من شخصيات العمل، إذا يندرج «جابر، قصي خولي» ضمن هذه الحالة القاسية عندما يشتغل مع «أبو نبال» في مداهمة بيت «صاحب المطعم» الذي ينوي الانتقام منه، وهنا يظهر انقلاب جابر من الحالة المسالمة إلى حالة العنف، ويتطور العنف في «الولادة من الخاصرة ـ ساعات الجمر» في قادم حلقاته، ويتضح أن هذا العنف وجد له حاضناً عند البعض الذين ورّدوا هذه القسوة إلى الفئات المهمشة, كما وضح العمل، فـ«أبو نبال» الرجل الفاسد المتكئ على نفوذ أحد المسؤولين في البلد، ينقل عنفه إلى جابر المهمش المقهور، بينما نجد أن «عقيل، عبد المنعم عمايري» يكتسب العنف من خلال الفساد الإداري المتمثل بمدير المدرسة التي كان يعمل فيها «جمال العلي» والذي ورطه في قضية اغتصاب مفتعلة ما وّلد لديه كل تلك الحاجة إلى العنف... أيضاً يبرز العنف عند «أبو الزين، محمد حداقي» كرد فعل على القهر والظلم الذي تتعرض له هذه الفئات المهمشة، فنراه يكسر القفل الذي وضعته البلدية على بيت «أبو حسام، عبد الهادي الصباغ» لا لشيء بل لأن «أبو حسام» (قلل أدب) مع أحد المسؤولين، فكانت النتيجة هي إخراج «أبو حسام» من بيته ظلما وافتراء، ولحسابات شخصية لا علاقة لها بالأمور الإدارية، فيما بعد يتطور الفعل العنفي عند «أبو الزين» عندما يعتلي سطح البناية ويحاول شنق نفسه.

العنف والبناء السردي...

يرتبط تصاعد العنف في «الولادة من الخاصرة ـ ساعات الجمر» بارتفاع وتيرة الأحداث، حتى أنه يساير البناء السردي للعمل، بمعنى أنه كلما تطورت الأحداث  زادت جرعة العنف في العمل، وتمظهرت المشاهد العنفية كمشاهد رئيسة في المسلسل، فعلى سبيل المثال في الحلقات العشر الأولى يقتصر العنف على تصرفات «أبو نبال» «قطع قدم «أبو مقداد»، ودخوله إلى المطعم وإطلاق النار في الهواء وترويع الناس، واقتحام بيت صاحب المطعم»، بينما في الحلقات العشر الثانية يتطور العنف من خلال خروج «رؤوف، عابد فهد» من السجن وعودته إلى موقعه في العمل واقتحامه لأحد المطاعم وإلقاء القبض على «شيخ الوادي المزيف»، كذلك نجد حالة العنف عند «جابر» والتي تتوضح في هذه الحلقات بغضبه الدائم وطلاقه لزوجته وضربه لها، أما في الحلقات العشر الأخيرة فيتحول العنف إلى تيمة أساسية للعمل من خلال أفعال «أبو الزين» لاسترداد بيت «أبو حسام»، وعودة «انتصار، ناهد الحلبي»، وذلك المشهد القاسي الذي يطلب فيه أبو نبال من «رندة» أن تقتلع كلية انتصار، لكن جابر ينقذ انتصار عندما يضرب النار على «أبو نبال» وعلى نفسه، ومن ثم يعتقلان من قبل رؤوف وتبدأ حالة عنفية جديدة تظهر من خلال تعذيب رؤوف لـ«أبو نبال وجابر»، إلى أن يعمم العنف على كل شخوص العمل في النهاية عن طريق المشهد الذي تعم به الفوضى في حارة «أبو الزين» وتنتهي بالذهاب للقاء الوزير.

لايمكننا أن نحصي أهداف الدراما، لكن أحد أهدافها هو تسليط الضوء على مايعانيه مجتمع ما من أمراض مستشرية أوصلته إلى ما هو عليه، ولذلك بدلاً من أن نتساءل: من أين جاء صناع الولادة من الخاصرة بهذا الكم من العنف، وننأى عنه، وننكره، علينا النظر ملياً في الأسباب التي دفعت بشخوص الولادة من الخاصرة للعنف، واجتثاث تلك الأسباب.