2013/05/29

سامر رضوان: أعمالي الدرامية حكايات حقيقية
سامر رضوان: أعمالي الدرامية حكايات حقيقية


شادي نصير – دار الخليج


يعمل سامر رضوان مؤلف المسلسلات السورية المثير للجدل على معالجة مشكلات المجتمع، والبحث في أبسط الأمور وأعقدها ليخرج بحالة درامية على أعلى مستوى، فرؤيته تنبع من تعايشه مع الواقع والبحث في تفاصيله الكثيرة .

عمل سامر رضوان مذيعاً في إذاعة “دمشق”والفضائية السورية، كما عمل في الدوبلاج والتعليق على البرامج الوثائقية، وحصل على ذهبية مهرجان القاهرة للإذاعة والتلفزيون “فئة البرامج الحوارية الثقافية”عن برنامجه “واحد من آخرين”عام ،2004 وكتب عدداً من سيناريوهات أفلام وثائقية وسينمائية، وحصل على أكثر من عشرين جائزة أدبية في الشعر أبرزها جائزة “بيت الشعر”في مصر عام 2000 وجائزة الدكتورة “سعاد الصباح”في دولة الكويت عام 2001 و”القافلة”في الملكة العربية السعودية عام 2004 وجائزة “ماجد أبو شرار”في فلسطين عام ،2001 وأصدر مجموعتين شعريتين هما “تشكيلات لمولد الحصار”و”آخر ما أبدعته الكناية”وقد التقته “الخليج”وكان لنا معه هذا الحوار:

يرى بعض النقاد أن مسلسل “لعنة الطين”تجربتك الأولى في الكتابة الدرامية، كانت أكثر جرأة من تجربتك الثانية في مسلسل “الولادة من الخاصرة«، فما السبب؟

شاع في الوسط الفني والصحفي مؤخراً، ما يثير القلق على أفق هذا النقد من خلال استخدام بعض المصطلحات التي لم يتم التدقيق في خصائصها، ومنها مصطلح الجرأة، فكل ارتطام بحدث مسكوت عنه هو اجتراء لهذا الحدث، وبالتالي لا فضيلة لكاتب لو تحدث عن المسكوت عنه، لأن الوظيفة الأولى للكاتب هي التحدث عن ما تحت السراديب والدراما هي حالة اصطفائية للغرائب، فإذا دخلنا إلى مكان كمقهى ووجدنا عدداً من الناس يشربون الشاي والقهوة وما إلى هنالك، هذا المشهد هو اعتيادي لا يصلح للدراما لكن عندما تشاهد رجلاً، يضع نرجيلته على الطاولة ويجلس بالمقلوب يصبح مادة درامية، يتجرأ الكاتب في البحث عن حكايتها وخصائصها إضافة إلى أن الجرأة هي أداة امتياز للجهة التي أباحت مرور هذا النص وليس للكاتب .

بمعنى أن بعض الصحفيين يطبلون للرقابة التي أجازت هذا النص عندما يتحدثون عن الجرأة، ما يعنيني ككاتب أن أقدم حكاية تمتلك طزاجة يحددها أفقي وسقفي المعرفي وقدرتي على جذب عدد من المتلقين لها، أما جرأتي فأنا وسائر الكتاب يتجرؤون لطرح قضايا معينة، ولكن لا أصفق لهذا المصطلح، ولا أوجه أصدقائي لأن يصفقوا، لأنهم بذلك يمتدحون رقيباً ولا يمتدحون كاتباً .

ما نتابعه في الدراما السورية على مدى أعوام طويلة، كان عبارة عن أفكار وكتاب قليلون استطاعوا تحويلها إلى حكاية، من أين تأتي ككاتب بأفكار هذه الحكاية، هل هي من الواقع أم من الخيال الواقعي؟

هناك إشكال نقدي يقع به الآخرون في استخدام مصطلحات لها علاقة، فالفضاء الروائي المكتوب الذي يشارك في صناعته المتلقي، وبين العمل الروائي المتلفز المحدد بصورة وبممثل يؤدي لأن يصبح هذا المتلقي شريكاً في إنتاج الصورة وأصبح تابعاً لها وبالتالي هو شريك في الدلالة التي يقدمها النص

من هنا تبدأ حكايتي كروائي، وأريد أن أقدم حكاية محددة لا يستطيع المتلقي أن يضيف إليها وأن يشارك في صناعتها فأقوم بجمع ذاكرتي الانفعالية، خبرتي الحياتية، وثقافتي التي حصلت عليها من قراءاتي المتعددة، بالإضافة إلى واقع فر من الحكاية، مما يساعد على اكتشاف مناجم هائلة، لكن أقول لأن الواقع كواقع لا يصلح لأن يكون دراما من دون بتر ما هو اعتيادي، والحصول دائماً على المكثف المختزل الذي يؤدي الغرض، كل هذه العوامل هي التي تشكل البؤرة الأولى للحدوتة، لكن لتتحول إلى حكاية يتداولها الناس، عليها أن تتمتع بخصائص، ومن وجهة نظري كشاعر وكسيناريست أن تمتلك مصداقية لدى هذا المشاهد حين يتواطأ على فعل المشاهدة ويقر بأنه أمام قصة حقيقية وهو مدرك تماماً بأن كل ما يشاهده “تمثيل”وأكذوبة متفق عليها من قبل الطرفين . وكلما منطقت هذه الحكاية وقدمت معجماً لغوياً خاصاً بالشخصيات التي تؤديها كلما كانت الأكذوبة أكثر راحة وأكثر قبولاً عند هذا المشاهد، وهذه الخاصيات إذا تمتعت بها حدوتتك ستتحول إلى حكاية .

وماذا عن الانتقادات التي واجهت نص “لعنة الطين«؟

العالم أكبر من تصورك وشارعك ومدرستك، وبالتالي ينبغي على المشاهد ألا يعمم تجربته الشخصية ومشاهداته الخاصة على كامل مساحة الجمهورية العربية السورية . والوطن العربي، لأنه بذلك سيكون قاصراً .

وإذا لم تكن على تماس مباشر مع بيئات متعددة ومتنوعة ومتلونة في ثقافتها وانتمائها وتمايزها الطبقي، فإنك بدون شك ستصل إلى قناعة، بأن ما يعرض على الشاشة ليس حقيقياً، لكنني أؤكد لكل من تابع الجزء الأول والثاني من “الولادة من الخاصرة«، أن كل الشخصيات لها بما يماثلها على أرض الواقع، ولدي ما يثبت هذا الكلام فيما يتعلق بالشخصيات التي تبدو خارجة عن السياق المنطقي . فهناك من قال إن شخصية “أبو نبال”هي شخصية مافية تعيش في إيطاليا، ولا يمكن لهذا الحدث “أبو نبال”أن يكون في سورية .

وأقول لمن يتصور هذا الكلام بأن حادثة قطع القدم حدثت وواقعة الاعتداء على مدير الناحية وتعريته من ثيابه أمام أسرته وتصويره بالمحمول قد حدثت وأن كل التصرفات التي قام بها . لها ميلشياتها ولها أجندتها التي تحركها منذ أكثر من عشرين عاماً في هذا البلد .

لذلك أدعو كل من لم يصدق ما جاء به هذا المسلسل أن يسأل من هو أكبر منه سناً بجيل أو جيلين أو في منطقة أو مدينة أخرى، ربما سيغير رأيه وسيدرك تماماً أنه ما قدم هو مجرد مزاح لما كان يحدث في سورية وفي غيرها .

إذاً أنت تحاول تأريخ اللحظة الدرامية، وليس كتابة تاريخها؟

أنا أقدم حكاية وليس فيلماً تسجيلياً، أقدم حالة ارتطام بالواقع ضمن فضاء دلالي أقترحه، وأتعامل مع الدراما على أنها استحقاق . ومن يستحق هذه الدراما ينالها، ومن لا يستحقها يتعامل معها على أنها حدوتة، لكن الدراما التي أتعاطى معها لها رسائلها ولها شفرتها التي تحتاج إلى عقل وليس فقط إلى حالة إبداع .

كيف تتعامل مع النص عندما يعتذر أي فنان عن العمل؟ كما حدث مع الفنان “مكسيم خليل«؟

اعتذار الفنان “مكسيم خليل”أحدث إرباكاً حيث أصبحت أمام خيارين، الأول أن نأتي بممثل بديل، وسيقوم المتابع بشكل ديناميكي بالمقارنة، ما بين أداء الفنان “مكسيم خليل”وبين هذا الممثل كائن من يكون، وسينتصر الفنان “مكسيم”حتماً، لأنه حفر في الذاكرة وقدم أداءً ممتازاً في الجزء الأول، والخيار الثاني كان أكثر إرهاقاً وإتعاباً للروح، وأكثر إرهاقاً للبنية الحكائية، وهو أن تشتت هذه الشخصية، باحتيالات كتابية، ربما تكون مكشوفة، ومفضوحة، بالنسبة للمتلقي أو للمتابع وربما نكون أقل ذكاء بكثير من الحلول الأساسية، لكن أنت مضطر إلى ألا تدفع هذا المتلقي لإجراء هذه المقايضة التي هي من حقه، بين ذاك الممثل وبين هذا .

وفي هذه النقطة وبالتحديد ذهبت إلى الخيار الثاني الذي أتعبني وبقيت أكثر من شهرين في التعديل ولا أدعي أنني قدمت حلولاً سحرية، لكن قدمت حلولاً إسعافية، كان لولاها لما ظهر ساعات الجمر .

هل حدث خلاف بينك وبين مخرجة العمل أو منتجته؟

عملت مع مخرجين ومنتجين لم يكونوا متطلبين جداً، ربما لأنني أنجزت همهمتي بطريقة لائقة، خففت أي توتر يمكن أن يحدث، والحقيقة أن خلافاً حقيقياً ما بين المخرج أحمد إبراهيم الأحمد في مسلسل “لعنة الطين”أو المخرجة رشا شربتجي في “الولادة من الخاصرة”وفي “ساعات الجمر”لم يكن موجود بحكم أننا اقترفنا فعل الشراكة وآمنا به، وبالتالي أصبحت الاستشارة جزءاً من غرفة العمليات المشتركة بيني وبين المخرجين، وبالتالي حصدنا نتيجة كنا راضين عنها وعلى مستواها .

أحياناً نعلم بمطالبة المنتج أو القناة المنتجة، بجزء ثاني أو ثالث من العمل . من أين تأتي بأفكار لأجزاء جديدة؟

الفاجعة التي أنهي بها الجزء الأول من مسلسل “الولادة من الخاصرة”لا تعني انتهاء الحياة، فطائر الفينيق يخرج من الرماد، صحيح أن كل الشخصيات في الجزء الأول احترقت أدواتها، واحترقت حكايتها، ومصائدها، لكن الحياة ستسمر بعد انتحار شخصية “واصل”واعتقد الجميع أن الحكاية قد تمت، واكتشفنا في ما بعد أن هناك مؤامرة بين من أصبحت زوجته رغماً عن أنفه، وحبيبة والده، وكانت سبباً في أنه دفع والده وقتله، ولم يكن الموت انتحاراً، من هنا تبدأ فكرة ظهور الشخصيات الجديدة وانبعاثها من الرماد .

لا يمكن لأي عمل روائي أن يكون منتهياً تماماً . . . كل عمل روائي قابل لفتح مسارات جديدة لكن للأمانة لم أكن قررت كتابة جزء ثان من “الولادة من الخاصرة”لولا إصرار الكثير من الأصدقاء، والمشاهدين والجهة المنتجة على أن يكون لهذا النجاح جزء رديف، والملف العربي لم يقفل . . . فكيف “الولادة من الخاصرة”أن تقفل، لأن “ساعات الجمر”هي ساعات الوطن العربي، ساعات الغليان والاحتراق .

ما تكتبه يدخل ضمن الفساد الاجتماعي والحكومي في الوطن العربي، وفي سوريا بالتأكيد، هل ترى أن الدراما بما تقدمه تلعب دور الناصح والمرشد؟

الدراما ليست أكاديمية لتعليم الناس، ولو كانت كذلك لنجح كتاب الدراما عبر سنة من تخليص المجتمع السوري من طائفيته، ومن قدرته على تقطيع البشر، وجدنا في سوريا سورياً يستطيع وبكل بساطة أن يقطع جسداً بشرياً بغض النظر عن هويته، هذا يعني أن الدراما لن تستطيع أن تقدم فعلاً تنويرياً، وهنا يقودني هذا السؤال . إلى البحث عن سؤال مواز له “هل الدراما هي رسالة تنويرية وثقافية، أم هي صناعة”وأنا أميل إلى أنها صناعة تحمل رسالة .

هل من الممكن أن تكتب نصاً درامياً ثلاثين حلقة مخصصاً لفنان أو فنانة؟ كما يحدث في الدراما المصرية؟

هذا الكلام غير وارد في قاموسي على الإطلاق، البطولة التي تقترحها الحكاية يأتي إليها الممثل ولا تذهب الحكاية إليه .

وماذا عن مسلسلك الجديد “وصايا كانون«؟

هو مشروع لعمل روائي مغاير لما قدم في “لعنة الطين”و”الولادة من الخاصرة”هنا اتهمت بأنني سوداوي، وعنيف وقاسي، وسأؤكد هذه الفرضية في “وصايا كانون”لكن بوجهة نظر مغايرة تماماً، وسيتمكن المتلقي من اكتشاف أن القسوة ليست خارج لعبة الفن، فلو كانت كذلك لما أطل علينا بعض الشعراء وقالوا، نريد أن نسمي مدرسة بالرومانسية، لو لم يقتطفوا جزءاً من خصائص الفن العام وانتقوا ما يناسبهم منها وسموها بالكلاسيكية .

ماذا تعني لك الأسماء التالية:

رشا شربتجي: الشريك الصديق .

عابد فهد: الإنسان الذي لم تشوهه النجومية .

قصي خولي: المغناطيس .

باسم ياخور: البحث الدقيق عن الاختلاف .

محمد حداقي: ليس له بديل في جيل الشباب .

عبد الهادي الصباغ: الممثل الذي لم يكتشف بعد .

رشا إبراهيم: موهبة قادمة بقوة .

دانا مارديني: فنانة مجتهدة، أخشى عليها .

منى واصف: القصيدة القامة التي لا تمل قراءتها .

بسام كوسا: منجم الجمال الذي لا ينضب . .