2012/07/04

سامية الجزائري .. الحكواتية الشامية
سامية الجزائري .. الحكواتية الشامية

  تشرين دراما - سامر محمد إسماعيل لا يمكن إسقاط اسم سامية الجزائري من جيل الرواد، فهذه المرأة التي أطلت علينا ستينيات القرن الفائت كوجه من وجوه كوميديا الأبيض والأسود «صح النوم مثلاً» أو بداية عصر التلوين في التلفزيون العربي السوري في نهاية السبعينيات «وين الغلط» استطاعت على الفور أن تشد الأنظار نحوها، مرةً عبر نموذج المرأة النزقة، ومرةً في شخصية المرأة القوية طيبة القلب، إذ لم تلجأ «الجزائري» إلى تصنيع الكاركتر أسوةً بأبناء وبنات جيلها، فالمرأة التي رأيناها في أوتيل صح النوم في دور «أم عنتر» المرأة الشامية الخارجة لتوها من الحرملك الشامي، ستعود إلينا في دور «أم ياسين» في مسلسل «وين الغلط» امرأة شابة وجميلة، وقد تبدو لأول وهلة من عمر ابنها ياسينو - الفنان ياسين بقوش- لكنها ستحتال علينا مجدداً عبر قماط الرأس ومقشة ربات المنازل في مشهد لا ينسى من إرشيف الكوميديا الشعبية المعاصرة، مشهد صاحبة البيت التي تضبط مستأجريها «غوار وأبو عنتر» في حلق برادها، روح كبيرة لهذه المرأة حتى عندما تسدد الضربات لرجلين أمام الكاميرا، أو حتى في تلك المشاهد التي يحتفظ بها أرشيف التلفزيون لفنانة أجادت تشخيص المرأة الدمشقية الحكاءة، امرأة الأمثال الشعبية، حوارات مطولة للجزائري قوامها الذاكرة الشعبية، مرونة بالوقوف أمام الكاميرا، وسليقة في تصنيع الشائق والمرح واللاذع من دون الإخلال بنموذج الشخصية التي تريد سامية تقديمها في أبهى حللها القريبة من قلب المشاهد. الجزائري التي ستغيب قليلاً لتعود في أجمل حللها «عيلة خمس نجوم» مع المخرج «هشام شربتجي» ستفاجئ الجميع بهذه القدرة على التجدد، إذ ستقدم في هذا العرض برفقة أمل عرفة وفارس الحلو وأندريه سكاف ورياض شحرور فاتحة مسلسلات السيتكوم، طاقة آخاذة للجزائري «أم أحمد» في تصوير عشرات المشاهد لأم تتدبر أمر بيتها وأولادها بعد رحيل زوجها، لعب لانهائي ستديره هذه السيدة بتلوينات صوتية ونسج لحوارات متصاعدة من معينها الشعبي، مرةً أخرى ستسلب هذه المرأة قلوب متفرجيها، مرةً أخرى ستثبت لنا «أم أحمد» أنها قادرة على مواكبة الحديث، بل تصنيعه إلى ما لانهاية. ‏ ربما لم تحقق الجزائري مجدداً كالذي حققته في الجزء الأول من «عيلة خمس نجوم» لكنها استمرت وفق قدرة عارمة على العطاء، قدرة في مزاولة التمثيل، رغم مزاج شركات الإنتاج، والهبوط بمستوى الكوميديا الشعبية التي راهنت عليها الجزائري منذ بداية مشوارها الفني، لكنها في الوقت ذاته حافظت على كيانها الشخصي في أعمالها الاجتماعية الأخرى، لاسيما في أداء نوعي لدور الأم في مسلسل «شتاء ساخن» فمن يصدق أنها هي ذاتها تلك المرأة السليطة اللسان في أعمال السيتكوم؟ من يصدق أن الجزائري لديها هذه القدرة العجيبة في الانتقال من الكوميديا إلى التراجيديا بهذه السلاسة، راقبوها فقط في دور «الحجي» الذي أدته في مسرحية غربة مع أسرة تشرين، لاحظوا تلك المهارة في تقديم سامية لدور العرافة، الأم الجماعية لضيعة غربة، الجدة والأم في آنٍ معاً، المرأة المرمزة عبر جمل محمد الماغوط المسرحية، المرأة الخارجة من المأثور الشعبي للحكاية إلى ما يقارب عرافة دلفي بنكهة محلية قريبة إلى القلب. ‏ سامية الجزائري التي لم نرها كثيراً في أدوار النساء العاشقات، أو في أدوار طالبات الجامعة، أثبتت للجميع أنها ممثلة ذات مخزون وجداني خاص، ممثلة بأدوات عالية، تلقائية هائلة في تمثل المواقف وصياغتها لمصلحة الشخصية، بساطة تنهل من معين النكتة الشعبية، لتردها إلينا معافاة من اللعثمة، وأخطاء السرد واستطالاته المملة، فقد بدا واضحاً أن الدراما السورية على تنوع نجماتها، إلا أنهن لا يملكن ما تمتلكه الجزائري من فداحة الوجه ونزقه وحبوره وقوته وصوته الكامل، سواءً في كوميديا الموقف، أو حتى في تلك الإيماءات المتقنة في لقطات الزوم إن. ‏ هكذا لن نحتاج وقتاً طويلاً لنعرف أن الخبرة التي تمتلكها سامية الجزائري قادرة على إتقان اللعب مع الممثل الشريك، شرط أن يكون هذا الشريك بالقدرة ذاتها من الحيوية والديناميكية التي تملكها، إضافةً إلى مواهب متنوعة في إدارة المواقف الكوميدية، خاصة تلك التفصيلية المبنية وفق نص الممثل، وليس بالاعتماد على نص المؤلف أو السينارست، ومن يعرف الجزائري شخصياً سيدرك أن هذه المرأة تمتلك قدرة كبيرة على صياغات متعددة في كل مرة تقف فيها أمام الكاميرا، مسودات من مجموعة متنوعة من الأفعال و التلاعب بالألفاظ، والمفردات، إضافة إلى خفة دم استثنائية حتى أمام الكاميرات المتظارفة..! ‏